“قتلوه أمام عيني”.. أبٌ فقد ابنه على يد الجندرمة التركية بريف ديرك
ديرك- نورث برس
على بعد أقل من 500 متر من الحدود السورية التركية، يحدق حسين بينما يمسك بيديه اثنين من أحفاده، في المكان الذي لفظ فيه ولده أنفاسه الأخيرة أمام عينيه.
بعد دقائق من التمعن، أومأ الرجل الستيني لحفيديه بالعودة إلى المنزل، فليس بالأمر السهل عليه أن يطول الوقوف في ذلك المكان الذي تستحضر فيه ذاكرته المشهد الأليم لفراق ولده.
في قرية عين ديوار بريف مدينة ديرك أقصى شمال شرقي سوريا، يعود حسين عبدالله الذي غزا الشيب شعره بذاكرته إلى يوم الفاجعة، يتذكر أدق التفاصيل حتى تلك التي لم يراها مباشرة.
يقول: “رأيته على الحدود مصاباً وهو يستنجد بي ويناديني أبي أنقذني، صرخت قلت هذا ابني ليس إرهابياً لا تقتلوه, فارتفعت مسيرة تركية وأطلقت النار عليه مباشرة”.
يومها فارق مصطفى الابن الحياة تاركاً خلف أربعة أطفال، بينما أصيبت شقيقته وزوجة عمه برصاص الجندرمة التركية أثناء محاولتهم الاقتراب منه.
قبل ذلك بيومين، لم يتمكن “عبد الله” من إقناع ولده مصطفى بعدم الذهاب لأرضهم المتاخمة للحدود وخاصة بعد تكرار حوادث استهداف المزارعين من قبل الجندرمة التركية، “لكن فقر الحال دفعه للمخاطرة، ذهب برفقة صديقيه لزراعة الأرض”.
بعد ساعات، سمع سكان القرية من بينهم “عبدالله”، أصوات الرصاص، خمنوا أن حرس الحدود يطلقون النار على أشخاص يحاولون الدخول إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، ليتصل مصطفى بعائلته يخبرهم بأنه مصاب بينما صديقيه فارقا الحياة برصاص الجندرمة.
وتتكرر حوادث استهداف الجندرمة التركية بين الحين والآخر لمزارعين تقع أراضيهم بالقرب من الحدود، ما دفع البعض لعدم المجازفة وزراعة حقولهم.
وكأن مصطفى كان يعلم أنه لن ينجو من الموت، ترك وصيته لوالده في رعاية أطفاله من بعده، بينما كان يئن وهو ممد على الأرض.
تخبطت العائلة لإيجاد طريقة آمنة لإنقاذ ولدهم المصاب، فهم على دراية أن الجندرمة التركية ستستهدف كل من يحاول إسعاف المصاب، حينها نصحه والده بعدم التحرك من مكانه، “فإن علموا أنه ما يزال على قيد الحياة سيقتلونه”.
في فجر اليوم التالي، خرجت العائلة مع سكان آخرين من عين ديوار لمحاولة إسعاف مصطفى وجلب جثامين صديقيه، لكن الجندرمة التركية حاولت منعهم من الاقتراب ومع محاولة البعض الاقتراب أكثر أطلق حرس الحدود الرصاص عليهم، فأصيبت شقيقة مصطفى وزوجة عمه، فيما لاذ البقية بالفرار.
لم يبقَ سوى “عبد الله” في مواجهة الجندرمة، كان صعباً عليه أن يترك ولده وحده هناك، فيضيف: “هددوني إن لم أرجع سيقتلوني أيضاً”.
لم يستسلم الأب طالباً عن طريق الصراخ بعدم قتل ابنه لكن كل رجائه لم يجدِ نفعاً، “ارتفعت مسيرة باحثة عن مصطفى وصديقيه، أطلقت الرصاص عليهم مرة تانية حتى تأكدوا أنهم ماتوا جميعاً”.
يضيف “عبد الله” بعد أن توقف عن سرد تلك الفاجعة لبضع ثوان، “لم أستطع إنقاذه، كان يستنجد بي لإنقاذه لكني لم أتمكن”.
ومنذ الحادثة 2017، يقضي الجد جُل وقته برفقة أحفاده عله يسد فراغ والدهم، إذ بات المعيل الوحيد لهم ولوالدتهم, ويقول: “أفديهم بروحي إذا تطلب الأمر”.
ولم يكن بالأمر السهل على الجد أن يقنع أحفاده الأربعة أن والدهم لن يعود إلى المنزل مرة أخرى، وخاصة أنهم كانوا في سن يصعب عليهم فهم حقيقة الموت، “لكن بعد أن كبروا تقبلوا ذلك”.
وبينما يلهو الأطفال في باحة المنزل، يقف الجد في زاوية تطل على الحدود ويسترق النظر إلى ذات المكان الذي خسر فيه ولده ويقول: “مكان الحادثة أمام عيني باستمرار”.
ويضيف محاولاً مواساة نفسه، “ابني لم يكن الوحيد الذي قتلوه، تركيا قتلت المئات من شبان كرد على هذه الحدود”.