مزاعم منفية بتفجير إسطنبول.. من المستفيد ولماذا؟

أربيل – نورث برس

أثار تفجير إسطنبول منذ وقوعه الأحد الفائت، جدلاً واسع النطاق بين من يصفه بالمسرحية ومن يراه أداةً لمرامٍ سياسية في البلد المقبل على انتخابات “صعبة” قد تندثر فيه مكاسب الرئيس التركي رجب طيب أدروغان.

جاء التفجير في توقيت ومكان يثيران الريبة والشكوك، وجدلاً كبيراً في الأوساط السياسية التركية والشرق الأوسطية، حيث سارعت أنقرة إلى اتهام امرأة انطلقت من “كوباني” المدينة السورية ذات الرمزية الكبيرة في دحر تنظيم “داعش”، بينما اصطدمت المزاعم بالنفي القاطع من قبل كل الجهات التي اتهمتها تركيا.

الحدث

في مساء يوم الأحد الفائت، وقع تفجير في شارع الاستقلال في إسطنبول، وهو موقع شهير يستقطب السياح تحت رقابة عدسات كاميرات والأمن. وأسفر عن مقتل ستة أشخاص وأصابة نحو 80 شخص بحروح متفاوتة بينهم أجانب.

بُعيد التفجير، روت السلطات التركية أن المشتبه في تنفيذه “سيدة سورية تدعى أحلام البشير(..) دخلت البلاد مع شخص آخر قبل 4 أشهر”.

وتقول السلطات التركية إن السيدة “السورية” على حد زعمها “مرتبطة بوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني وتلقت تدريبات وأوامر من كوباني” و دخلت البلاد عبر عفرين تلك المدينة التي تخضع لسيطرة الجيش التركي وفصائل موالية لها.

نفي

جاء النفي  سريعاً من كل جهة اتهمتها أنقرة، ونأت بنفسها عن تنفيذ مثل هذه العمليات.

وباعتبار أن الرواية التركية لا تفصل بالجوهر بين قوات سوريا الديمقراطية والعمال الكردستاني وألقت بالاتهام على “سيدة سورية من مدينة سورية”، مرتبطة بهما، فقد جاء الرد من قوات سوريا الديمقراطية بالنفي القاطع.

وقالت مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، في تغريدة رداً على الاتهامات التركية: “نؤكد أن قواتنا ليست لها أية علاقة بتفجير إسطنبول، ونرفض المزاعم التي تتهم قواتنا بذلك.”

وعبر عبدي عن “خالص التعازي” لأهالي المفقودين والشعب التركي، متمنياً الشفاء للجرحى.

بدوره، قال حزب العمال الكردستاني في بيان: “لم ولن نستهدف مدنيين بشكل مباشر ولا نقبل أعمالاً تستهدف مدنيين (..) هذا مخطط ظلامي تحيكه السلطات الحاكمة في تركيا”.

إلى ذلك اتهمت وحدات حماية الشعب المنضوية تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الحكومة التركية بتنفيذ التفجير، ونسج  “سيناريو خيالي وغير واقعي”.

وقالت في بيان، إن التصريحات التركية حول تنقل المتهمة من عفرين وتنفيذ العملية عبارة عن “مسرحية مُعدَّة من قبل حكومة العدالة والتنمية وأردوغان”.

ردود وتعليقات

والسؤال الذي طُرح منذ ساعة وقوع تفجير إسطنبول مساء الأحد وحتى اللحظة في ظل المزاعم المنفية، هو “من المستفيد من الحدث و لماذا؟”.

هذا ما رد عليه تلقائياً عشرات المراقبين والمحللين على صفحاتهم وفي تدويناتهم، فكان القاسم المشترك بين آرائهم هو “مخطط تركي لتعبيد الطريق أمام هجوم محتمل في شمالي سوريا، فضلاً عن تصدير الأزمة في البلد المقبل على انتخابات وهي تواجه اضرابات سياسية واقتصادية”.

وبين تغريدات ومنشورات ساخرة وأخرى جادة في التعليق، عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن التفجير وخاصة بعد الكشف عن وجه السيدة السمراء التي تقول عنها تركيا إنها منفذة العملية.

وقال يوسف الشريف على حسابه في تويتر ساخراً، إن صورة وشكل السيدة  يذكره بالمزحة المشهورة بتركيا “شو اسمك؟ اسمي أحمد،  من وين: أفغانستان، شو شغلك: لاجئ سوري (..)، يبدو أنها سورية تصنيع صيني نخب السنغال!ويستمر الغموض”.

أما حسين مرتضى فأرفق صورة الامرأة مع تغريدته وقال: “يقولون إنها منفذة تفجير تقسيم إسطنبول. بشرتها بالصورة أثناء التنفيذ بيضاء، تذهب لتفيذ عمل إرهابي تلبس لباس عسكري، ثم نفذت وعادت إلى بيتها مباشرة دون أخذ أي احتياطات، وانتظرت القوى الأمنية للقبض عليها!!”.

 لكن إلى جانب الكم الكبير من المنشورات التي وصفت العملية في إسطنبول بالمسرحية، يبدو أن للرواية التركية مؤيدون تداولوا الاحداث اقتباساً من السلطات وأشادوا بسرعة إلقاء القبض على المتهمة.

 تحليل

بالعودة إلى ما وراء الحدث النادر في تركيا وخاصة في قلبها النابض إسطنبول ذات الكثافة السكانية، فهي المدينة التي لطالما شهدت الصراع على من يكون نافذاً فيه، كانتخابات البلديات عام  2019 والتي فاز فيه الجمهوري المعارض أكرم امام أوغلو على منافسه في حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدرم.

وجاء التنفجير بعد يومين من طلب القضاء التركي، بسجن رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو لمدة عام و3 أشهر على الأقل بعد محاكمة بتهمة “إهانة” أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات.

وتأتي هذه التطورات بعد أسبوع على اتهام رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح المحتمل للرئاسة كمال كيليتشدار أوغلو “بنشر أخبار كاذبة”.

وبموجب قانون جديد حول المعلومات المضللة، يواجه كيليتشدار أوغلو عقوبة قد تصل إلى السجن 3 سنوات، وسيمنع بذلك من الترشح للانتخابات.

إلى جانب ذلك، فأن حزب الشعوب الديمقراطي الذي تتهمه السلطات بمناصرة العمال الكردستاني وعلى أثر ذلك اعتقل السلطات قاداته، قد يكون بمثابة بيضة القبان في الانتخابات المقبلة بين الحاكم و المعارض.

وبينما يواجه الرئيس أدروغان إضرابات وأزمة داخلية فقد ظهرت مساعيه بتصديرها إلى الجنوب نحو الحدود مع سوريا مهدداً بعملية اجتياح جديدة لكنها واجهت رفضاً دولياً حتى اللحظة، بينما واصلت حكومته الاستهداف المدفعي والهجمات المسيرة على طول المناطق السورية الحدودية.

ولعل التكهن الأبسط هو أن اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مطلع صيف 2023، يعني انطلاق حملات تمتين القواعد الشعبية للمتنافسين، وهذا قد لايحصل عليه أردوغان ما لم يكتسب أصوات القوميين، وبالتالي اللجوء إلى تذكية الصراع الكردي التركي.

وهذا ما أشار إليه الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق، متحدثاً لنورث برس، أن التفجير ورائه مكاسب سياسية وانتخابية، مرجحاً أن تكون سلطات الحزب الحاكم هي التي تقف وراء على هذا الفعل، أو على الأقل هي لها مصلحة في ذلك.

وقال فاروق إن التقارير الأخيرة من مراكز الرأي والاستطلاع تظهر انخفاض الشعبية لحزب أروغان، ما يعني ستكون أمامه انتخابات صعبة.

وأضاف: “من الطبيعي أن تسخر سلطاته (أردوغان) أدوات خاصة للقيام بمثل هذه العمليات لتوظيفها في استقطاب الشارع وإعادة قاعدته وهي باتت هشة في الداخل”.

وأشار الباحث المصري إلى أن حزب العمال الكردستاني نفى المسؤولية، ومن الواضح خلال تاريخ صراعه في تركيا أنه يستهدف العسكريين ولم يسبق وأن شهد مكاناً مدنياً عملية للحزب، بحسب تصريحه.

إعداد وتحرير: هوزان زبير