“بدنا خيمة بس”.. حال نازحين في مدارس بالحسكة
الحسكة – نورث برس
أمام باب إحدى الشعب الصفية وعلى موقد بدائي تحضر الزوجة الطعام للعائلة، بينما يحاول عبد الحميد في الغرفة أن يستريح من تعب البحث عن عمل، لكن صخب الأطفال الذين كانوا يلهون في ممر المدرسة يعكر عليه صفوه.
يقوم عبد الحميد العلي من مكانه ويجلس بالقرب من زوجته متأملاً حالها وصعوبة تشارك السكن مع عدة عائلات نازحة في مدرسة “عبدالقادر سعيد” بحي غويران بالحسكة.
يقول بلهجته: “نحن مو مرتاحين هون، كل شي مشترك بالمدرسة، الحمامات والمي مشتركة وصوت وضجة كبيرة”.
لكن المعاناة لا تقتصر على هذا فحسب، فانقطاع دعم المنظمات وعجزه عن تأمين احتياجات عائلته وخاصة الشتوية منها، يفاقم وضعه أكثر وهو ما دفعه لمراجعة مجلس مقاطعة الحسكة بغرض نقله إلى أحد المخيمات في المنطقة، لكن ذلك الخيار لم يعد متاحاً الآن.
ومنذ الاجتياح التركي لسري كانيه وتل أبيض عام 2019، يستقر نازحون في مدارس بمدينة الحسكة وأريافها ويقدر عددها الحالي بنحو 50 مدرسة بعدما كان العدد قبل إنشاء مخيمي “سري كانيه” و”واشوكاني” يتجاوز الـ 70.

وقف الدعم
وقبل نحو عام ونصف، سحبت جميع المنظمات والجمعيات العاملة في مناطق شمال شرقي سوريا يدها من مسألة تقديم الدعم للنازحين في المدارس باستثناء جمعية “مار أفرام” والهلال الأحمر العربي السوري.
ويرجع نازحون السبب لضغوطات من قبل مجلس مقاطعة الحسكة ومكتب شؤون المنظمات من أجل إخلاء المدارس ونقلهم إلى مخيمي “سري كانيه” و”واشوكاني”.
وتقوم “مار أفرام” بتوزيع المنظفات على النازحين في مراكز الإيواء مرة واحدة كل أربعة أشهر “وبكميات قليلة”، فيما يقوم الهلال الأحمر العربي السوري بتقديم سلة غذائية مرة واحدة كل أربعة أشهر وتتضمن زيوت وسكر ورز وبعض المعلبات.
وكانت عائلات بعد إنشاء المخيمين انتقلت من المدارس، فيما رفضت أخرى مغادرتها رغم قرار الإدارة الذاتية والذي عللته بالحرص على سير العملية التعليمية.
ويضطر سكان لإرسال أطفالهم إلى مدارس بعيدة عن مكان سكنهم، بينما يتقاسم نازحون وطلاب شعباً صفية ضمن بعض المدارس ولكن المعلمون يواجهون صعوبات تمثل بعضها في عدم قدرة الطلاب على استيعاب الدروس.
حالياً وبعد تفاقم ظروفهم المعيشية وندرة المساعدات يطالب نازحون، التقت بهم نورث برس، بنقلهم إلى أحد المخيمين أو استئناف توصيل المساعدات الإغاثية لهم.
ويقول “العلي” مستاء من الوضع، “بدنا خيمة بس، وين نروح بحالنا، لا عم يقدمولنا مساعدات ولا عم ينقلونا للمخيمات”.
وفي ذات المدرسة، تطالب سمية الشهابي بنقلها إلى المخيمات، ورغم أنها تجد الحياة صعبة للغاية في الخيم، إلا أنها تجد أن ذلك “أفضل” من السكن في مدارس بلا مساعدات.
“الشهابي” التي تنحدر من سري كانيه، تؤكد أنهم منذ سنة يطالبون رئاسة مجلس مقاطعة الحسكة بنقلهم من المدرسة إلى المخيمات ولكن دون جدوى.
لا سعة استيعابية
ولكن يلماز أحمد إداري في مخيم سري كانيه، يقول إنه “لا مجال لديهم لاستقبال مزيد من العائلات”.
ويشير إلى أن عشرات العائلات النازحة ضمن المخيم لا تملك خيماً خاصة ويتشاركون السكن في خيمة واحدة مع أقارب لهم، لعدم وجود إمكانات لديهم لتوسيع المخيم.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، استقبل هذا المخيم نحو مئة عائلة من منطقة أبو راسين شمالي الحسكة بعد تعرض منازلهم للدمار نتيجة القصف التركي المتكرر، “ولم تقدم المنظمات أي خدمات لهم متعذرة بعدم وجود إمكانات وخطط لتقديم الخدمات للمزيد من النازحين”، بحسب “أحمد”.
وفي مخيم واشوكاني بريف الحسكة الغربي، يؤكد برزان سليمان، هو الآخر، أن عدم توفر خيم وتهرب المنظمات من مسؤولياتها، يحول دون استقبال أعداد أخرى من العائلات النازحة.
وحاولت نورث برس التواصل مع مسؤولون في الإدارة الذاتية بالحسكة للاستفسار عمَّا إذا كانت هناك خطط لنقل النازحين من المدارس أو السماح للمنظمات بإيصال المساعدات لهم، إلا أنهم رفضوا التعليق على المسألة دون الكشف عن الأسباب.

“باعوا اسفنجات لشراء الطعام”
هذا الحال، يقلق عبدالله بلال (48 عاماً) أكثر، فهذا يعني أنه أمام تكرار معاناة الشتاء الماضي إن لم يكن أكثر سوءاً.
وإلى الآن، لم يستلم “بلال”، النازح من قرية الاميرط بريف سري كانيه كما غيره من النازحين في مراكز الإيواء، مستلزماتٍ شتوية تعينهم على مواجهة البرد.
والعام الماضي، استلم “بلال”، وآخرون كمية من المازوت قدمتها منظمة دولية لهم ولكن بعد رأس السنة، ما اضطر لشرائها من السوق الحرة بسعر ألف ليرة لكل ليتر.
يشير النازح الذي يسكن برفقة عائلته المؤلفة من ثمانية أفراد في مدرسة “عمر بن الخطاب” بحي غويران في الحسكة، إلى أن أوضاعه المعيشية هذا العام لا تسعفه لشراء المازوت وباقي مستلزمات الشتاء على حسابه.
بينما لم تتمكن عائلة شامة ذياب (38 عاماً)، من شراء المازوت من السوق السوداء في الشتاء الماضي، “قضينا أياماً سوداء، كنا نتدفأ بالبطانيات”.
وتضيف “ذياب” التي تتألف عائلتها من خمسة أفراد وتسكن في مدرسة “عمر بن الخطاب”، إن نازحين باعوا اسفنجات وبطانيات لشراء طعام لأولادهم.
وفي غرفة صفية كانت يوماً تضم مقاعد وطلبة، رتبت زوجة عماد بعض أدوات المطبخ واسفنجات وبطانيات ومدَّت على بلاطها حصيرة صغيرة لا تغطي سوى جزء بسيط من الغرفة، فيما ثبتت على السبورة بواسطة مسامير مستلزمات أخرى.
يتأمل عماد الصالح (39 عاماً)، تلك المستلزمات البسيطة ويقول: “هذا ما تبقى لنا”.
وحين السؤال عن تدبر أموره خلال الشتاء الذي بات على الأبواب، يبتسم النازح من حي المحطة بمدينة سري كانيه ويضيف: “لا أدري ماذا أقول، ترون حالنا، نحتاج لبطانيات واسفنجات وألبسة شتوية ومازوت”.

وعلى اسفنجة رقيقة يجلس “الصالح” بينما ينتقد عدم سؤال المنظمات والجمعيات والإدارة الذاتية عن احتياجاتهم الشتوية وخاصة أن غالبيتهم يعانون ظروفاً سيئة ولا تسعفهم الحالة المالية لتأمينها على حسابهم.
يقول الرجل الذي غزا الشيب شعره ولحيته رغم صغر سنه، “لا أملك القدرة لشراء ملابس لأطفالي، بالكاد أتدبر تأمين ثمن الطعام”.