سوريا.. “داعش” يستغل توازن القوى في مناطق السيطرة الثلاث
الرقة – نورث برس
توزعت المنطقة التي كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يسيطر عليها سابقاً في سوريا، إلى ثلاث مناطق للسيطرة بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق وفصائل المعارضة المولية لتركيا، إضافة للتواجد الروسي والأميركي والتركي والإيراني.
ويرى مراقبون أن التنظيم المتشدد يستغل خارطة التوزع العسكرية والخلافات بين الأطراف الثلاث لتنفيذ عملياته وتقوية نفوذه في سوريا.
واعتاد “داعش” النشاط في الهوامش والفراغات الأمنية، إذ أنه انبثق من تنظيم القاعدة في بدايته وشكل الدولة الإسلامية في العام 2013، بعد أن نمى تحت عباءة جبهة النصرة (جناح القاعدة السوري) وحاربها وطردها من سوريا والعراق بداية العام 2014.
بعد أن أقام دولته وأعلن الخلافة المزعومة وعاصمتها الرقة، سيطر التنظيم على مساحات واسعة في سوريا والعراق، لكنه انحسر أمام ضربات التحالف جواً وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” براً، لتعلن نهاية التنظيم في آذار/مارس 2019 بعد هزيمته في الباغوز شرقي دير الزور.
لكن، هذا الإعلان لم ينه التنظيم بشكل كامل، إذ اتخذ من الجرود الجبلية في البادية السورية معقلاً له، واستفاد منها بتنفيذ عمليات خاطفة ضد القوات الحكومية ليختفي بين الجرود والرمال كأنه “سراب”.
واتبع التنظيم استراتيجية جديدة بعد طرده من الباغوز تقوم على عدم امتلاك الأرض، والخلايا النائمة وتنشيطها.
فيما استفاد من التركيبة الاجتماعية وحالة الاستياء العقائدي والقومي لدى سكان مناطق السيطرة، فبات التنظيم يتواصل سراً مع خلاياه ويوجهون ضربات ضد قوات سوريا الديمقراطية، والقوات الحكومية وعلى رأسها الموالية لإيران.
وخلال العام الفائت، قالت “قسد” إنها نفذت 115 عملية أمنية بشكل منفرد ومشترك مع التحالف الدولي ضد “داعش”، منها تفكيك 93 خلية “إرهابية”، واعتقال 802 شخصاً من خلايا “داعش” والمشتبهين.
وفي المقابل، وبعد هذه العمليات، تبنى التنظيم 156 عملية في شمال شرقي سوريا، بينها عمليات شكّلت حالة من الرعب في نفوس المدنيين من قطع الرؤوس وتعليقها، بحسب ما أحصت نورث برس، منذ بداية العام الجاري.
وتنشط خلايا التنظيم في مناطق شرقي دير الزور، بشكل كبير وأشبه بالعلني، يتمثل بالملصقات والجباية و”الزكاة” ومحاسبة من يتكلمون عنه وتنفيذ أحكامه.
جهاد منخفض التكاليف
وقال عمرو فاروق الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إنه “رغم إخفاق التنظيم إعلاميًا، إلا أنه مستمر في سياسته، بترويع السكان، واستغلال الثغرات الأمنية والتدهور الاقتصادي، ومساحات الخلل الاجتماعي، نتيجة الظروف التي مرت بها الأجواء السورية على مدار العشر سنوات الأخيرة”.
وفي الآونة الأخيرة، يقوم التنظيم بتدشين معسكرات للتدريبات المسلحة، والإغارة على عدد من السجون واقتحامها، وتهريب عناصره، ومن أشهرها الهجوم على سجن “غوايران” في الحسكة، بحسب “فاروق”.
وبداية العام الجاري، هاجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، سجن الصناعة في الحسكة، والذي يضم قياديين وعناصر للتنظيم.
وأدى الهجوم لفقدان 121 شخصاً حياتهم خلال المعارك، منهم 77 من موظفين وعاملين في السجن و40 من المقاتلين وأربعة مدنيين، بحسب “قسد”.
وأحصت “قسد” مقتل 374 من عناصر تنظيم “داعش” ممن شاركوا في الهجوم على سجن الصناعة من الخارج والداخل خلال الاشتباكات، و223 من سجناء التنظيم بقي مصيرهم مجهولاً.
ويتواجد في مناطق الإدارة الذاتية ما يقارب 12 ألف سجين من جنسيات سورية وعربية وآسيوية وأوروبية، في سجون تديرها الإدارة الذاتية بالتنسيق مع التحالف الدولي، موزعين على ما يقارب عشرة سجون، منتشرة في مناطق متفرقة من شمال شرقي سوريا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال “فاروق”، لنورث برس، إن استهداف قيادات الصف الأول في التنظيم، والقضاء على زعمائه ليس دليلًا كافيًا على اجتثاثه بالكامل والقضاء على تواجده ومشروعه في سوريا والعراق على وجه التحديد، وفي المنطقة العربية بشكل عام.
ومنذ القضاء على التنظيم جغرافياً، استهدفت قوات التحالف الدولي العديد من قيادات “داعش”، من أبو بكر البغدادي إلى عبد الله قره داش وماهر العكال وذلك في مناطق متفرقة في سوريا خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا.
وانتقل التنظيم من المشروع التنظيمي إلى المشروع الفكري، وتمدد وتغلغلت مصطلحاته ومنهجياته في الأوساط الشبابية، في ظل وجود سماسرة يعملون وينفذون عمليات التجنيد والاستقطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وفقاً لـ الباحث في الجماعات المتشددة.
وبالتالي، فإن “داعش” يستغل طبيعة المنطقة الاجتماعية والعقائدية لتجنيد الخلايا، واستهداف الوجود الإيراني في البادية السورية وأرياف حمص وحماة.
كذلك يستهدف حالة الهشاشة الأمنية، وتجييش خلايا ضد القوى المسيطرة على الأرض، كما حدث في درعا، خلال الأسابيع الماضية والاشتباكات المتكررة بين المسلحين المحليين “التسويات”، وعناصر لـ”داعش”.
يقول متابعون إن “داعش” استغل حالة الاستياء لمسلحي التسويات من ممارسات الأفرع الأمنية في درعا، فيما يقول آخرون إن “النظام ضليع في الاقتتال عبر سماحه بدخول داعش للمنطقة”.
والحديث عن انتهاء “داعش” من العمق السوري والعراقي، وتجفيف منابع كيان التنظيم، أمر “غير سليم” تمامًا، في ظل تمركزه وتحصنه في قلب المنطقة، واستقطابه للعناصر الجديدة، بحسب تقارير صحفية.
ويرى “فاروق”، أن التنظيم في الداخل السوري، يعمل وفقًا لاستراتيجية “حرب العصابات”، والجهاد منخفض التكاليف، بهدف تحقيق نتائج كبيرة في صفوف خصومه، بأقل الإمكانيات المتاحة والبسيطة.
وتنبأت الكثير من التقارير الرسمية الصادرة عن الإدارة الأميركية خلال العام الأخير على المستوى السياسي والاستخباراتي، عن تنامي التنظيم مرة أخرى. بحسب “فاروق”.
طائرات مراقبة
يرى زانا عمر وهو صحفي يقيم في القامشلي، أن القضاء على “داعش” بشكل نهائي يتطلب تطوير العلاقة بين التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من الناحية الأمنية، بزيادة الدعم التقني، للأخيرة بشكل خاص، على سبيل المثال طائرات المراقبة على المناطق الصحراوية في دير الزور والرقة.
وأمس الأحد، قال إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إنهم يضعون خططاً طويلة الأمد لمكافحة الإرهاب، وخصصوا ميزانية لدعم الاستقرار في المنطقة.
وجاء ذلك، خلال لقاءِ جمعه بمسؤولين في دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، ذكر خلاله أنه تم تخصيص ميزانية خاصة للمنطقة لتنفيذ برامج دعم إنسانية.
وينشط التنظيم في البادية السورية، وتتراوح أعدادهم من 1500 إلى ألفي عنصر يعتمد التنظيم عليهم في شن هجمات، وفقاً للصحفي.
وأضاف الصحفي المهتم بالقضايا الأمنية المتعلقة بتنظيم “داعش” أن عدم استقرار الوضع في شمال شرقي سوريا، يساهم في خلق بيئة مناسبة لنشاط التنظيم وأن إيجاد حل سياسي للمعضلة السورية سيساهم في القضاء عليه نهائياً.
وأشار إلى أن العامل الأهم هو تنمية المناطق المحررة، والمجتمعات المحلية التي يزيد فيها نشاط “داعش” والتي ساعدت “قسد” لتحرير المنطقة، وهذا “سيساهم في تضيق الخناق على خلايا التنظيم”.
ووفقاً لـ “عمر”، أن الجانب الآخر هو تشديد المراقبة على المناطق التي تفصيل مناطق سيطرة “قسد” عن مناطق السيطرة الأخرى خاصة على سرير نهر الفرات مع البادية والحدود السورية العراقية. إضافة إلى المناطق التي تسيطر على فصائل موالية لتركيا.
وبحسب الصحفي هناك حاجة ملحة لإنشاء غرفة عمليات مشتركة بين “قسد” والجيش العراقي على الحدود السورية العراقية.
وتختلف عمليات تحرك التنظيم في المناطق الثلاث، ويقول متابعون إن استهداف التحالف الدولي للقادة بالقرب من الحدود التركية هي رسائل لتركيا.
ويتخذ التنظيم من مناطق المعارضة مكاناً آمناً لإدارة عملياته في شمال شرقي سوريا، والبادية التي تعتبر المسرح الأساسي لعملياته، خاصة بعد العام 2019 حيث بدأ التنظيم يعتمد اللامركزية.