كوباني – نورث برس
ينتظر حمد، أن يقبض راتبه ليسدده بشكل كامل، لاستدانته مبلغاً مسبقاً لـتأمين معيشة عائلته وسيبدأ بعد ذلك مرحلة البحث عمن يقرضه.
حمد العلي (36 عاماً)، معلم في إحدى مدارس صرين جنوبي كوباني، شمالي سوريا، يقول إن راتبه الشهري لا يكفي لسداد الديون المترتبة عليه، ويشتكي كما غالبية موظفي مؤسسات الإدارة الذاتية من عدم توافق الراتب مع غلاء المواد.
ويعاني موظفو الإدارة الذاتية من قلة الرواتب بعد التدهور الكبير في قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وانخفاض قيمتها الشرائية في ظل حساب غالبية المواد وفقاً لسعر الدولار.
يُضيف “العلي” لنورث برس، أن الراتب الذي يتقاضاه لا يسعفه بالوصول لمنتصف الشهر حتى يبدأ بالاستدانة ومع الانهيار الأخير لقيمة الليرة السورية، زاد ذلك من متاعبه.
هذه المتاعب، لم تحلها إضافة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مبلغ 100 ألف ليرة مقطوعة على الراتب لموظفيها، خلال الأيام الماضي، في ظل احتياج الفرد في سوريا لـ 1.9 دولار يومياً لتأمين احتياجاته، وفقاً لتقارير أممية.
رغم أن الإدارة الذاتية كانت تصرف لموظفيها 60 ألف ليرة شهرياً كمعدل وسطي قبل عام 2020، وكانت الرواتب حينها تعادل أكثر من 120دولار، في حين تراوح بعد الزيادة الأخيرة بين 60 و80 دولار مقارنة مع سعر الصرف.
وكان يُمنّي نفسه بزيادة غير تلك التي أصدرتها الإدارة الذاتية، “لكنها خيبت أملي، على الأقل لو تواكب الأسعار قليلاً”.
ومؤخراً، انتقل الموظف إلى منزل جديد ورغم عدم جهوزيته وحاجته للأساسيات، لا وقت لديه للتفكير فيه في ظل عجزه عن تأمين حاجياته من طعام وشرب.
مصاريف باهظة
وبداية الشهر الماضي، تجاوز سعر صرف الدولار حاجز 5500 ليرة، وبذلك لا تصل زيادة الإدارة الذاتية للموظفين الـ 20 دولاراً.
في ظل ذلك، يعجز “العلي” عن تأمين بعض حاجياته الأساسية، أما الفواكه واللحوم فقد “شطبها” من حساباته، منذ حين.
ويبلغ سعر كيس سكر 10 كيلوغرام، 39 ألف ليرة سورية، في حين يصل سعر كيس رز 10 كيلوغرام، 41 ألف، أما الكيلوغرام من الشاي فيباع بـ 38 ألف وكيس عدس محروش 10كيلوغرام 52 ألف، علبة زيت 4 ليترات 35 ألف وعلبة سمنة 4 كيلوغرام 44 ألف، وفقاً لأصحاب محال تجارية في كوباني.
وسعر طبق البيض 14 ألفاً، وكيس البرغل 10 كيلوغرام 41 ألفاً، بينما الخضروات الأساسية واليومية، البندورة بـ 3 آلاف ليرة للكيلو الواحد، البطاطا 2500 ليرة والباذنجان 1500 ليرة.
ويضاف إلى ذلك حليب الأطفال وحاجياتهم ومراجعة الأطباء وغيرها من الأمور المنزلية الروتينية التي يستهلكها السكان بشكل شهري وهناك اللباس والكهرباء والماء والإنترنت.
وبعملية حسابية بسيطة لمصاريف الأكل والشراب لعائلة مكونة من شخصين، تفوق التكلفة الـ 400 ألف ليرة سورية في الحد الأدنى خلال الشهر، عدا عن الحاجيات الأخرى وإيجار المنزل والمواصلات.
“تقشف قاسي”
وأمام ذلك، يشتكي سعيد مجحان (34 عاماً)، موظف في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية، هو الآخر من قلة الرواتب، حيث يدفع 200 ألف كأقساط لروضة طفله شهرياً.
اضطر “مجحان” لتسجيل طفله في الروضة بحكم أنه وزوجته موظفين، ورغم ذلك لا يكفي راتبهما تغطية مصاريفهم.
فيما يعلق على الزيادة، بأنها غير كافية لشراء لباسٍ لطفله ولا تواكب ارتفاع الأسعار، فهو يرى أنه مع الزيادة ارتفعت عليه المصاريف بشكل أكبر، حيث رُفع معها آجار المنزل والروضة.
يقول “مجحان”، إن الزيادة كان يجب أن تأتي 200 ألف في الحد الأدنى، هذا المبلغ من الممكن أن يواكب الأسعار، حيث سيزيد راتبه مع زوجته 400 ألف.
بينما لم يشتر درويش كرعو (45 عاماً) موظف لدى الإدارة الذاتية من قرية ايتويران جنوبي كوباني، منذ سنتين قطعة ثياب جديدة لأولاده الستة، إذا أن ذلك سيكلفه الكثير، لعدم تناسب راتبه مع الأسعار خاصة بعد تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
وإذا ما أراد شراء قطعة واحدة من اللباس لكل فرد من عائلته، فإن ذلك سيكلفه الكثير ولا قدرة لديه، لذلك يلجأ للألبسة الأوروبية المستعملة “البالة” وعند الحاجة الملحة أيضاً.
ويدفع “كرعو” أكثر من 120 ألف ليرة كأجرة نقل ثلاثة من أولادهم يرتادون المدرسة الثانوية في قرية كرك التي تبعد نحو 15 كم عن قريتهم، عدا عن القرطاسية والطبابة.
ويعيش كما بقية العائلات ذات عدد الأفراد الكبير في حالة “تقشف قاسٍ” لضمان عدم الاستدانة وبالتالي عدم القدرة على إيفاء الدين.
وبعد الزيادة الأخيرة، بلغ راتب موظفي الإدارة الذاتية الآن حوالي 370 ألف ليرة سورية أي حوالي الـ70 دولار أميركياً.
في حين يبلغ متوسط رواتب الموظفين في مناطق الحكومة السورية 100 ألف ليرة سورية، ما يعادل 20 دولار أميركي، في ظل ارتفاع الأسعار وغياب الدعم الحكومي عن معظم المواد الغذائية.