تغول إيران بإغراق الجنوب السوري بالكبتاغون.. مكاسب تجارية وسيطرة على منطقة حدودية
درعا ـ نورث برس
الموقع الجيوسياسي للسويداء ودرعا، والواقع الأمني الذي فرض على محافظات الجنوب السوري أدى لتحويلهما لمنطقة حرة لتجارية المخدرات.
وبعد أنّ أمسكت الحكومة السوري بزمام الأمور في المناطق الجنوبية من سوريا بموجب اتفاق التسوية الذي أُبرم عام 2018، ازدادت عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية الشرقية مع الأردن لمحافظتي السويداء ودرعا.
وبحسب مراقبين، كان من أبرز مفرزات الحرب الروسية_ الأوكرانية على حدود الأردن، إعطاء إيران وحلفائها فرصة الوجود والتمركز في الجنوب السوري، مما أدى لتطور عمليات تهريب “الكبتاغون”.
السويداء مستودعات للكبتاغون
مع اقتراب موسم الشتاء تعود مجدداً عمليات تهريب الحبوب المخدرة عبر حدود السويداء مع الأردن.
وتعد تجارة المخدرات أحد أهم المواد الاقتصادية في سوريا. وتستغل المجموعات التابعة لإيران في السويداء التدهور الاقتصادي، والتضييق المفروض على سكانها لجرِّ بعضهم إلى المتاجرة والمخاطرة بتهريب المخدرات للحصول على الأموال.
أحد القادة العسكريين في السويداء والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لنورث برس، إنّ محافظة السويداء تحولت مؤخراً إلى مستودعات لتخزين حبوب الكبتاغون.
وأضاف: “تعمل المجموعات التابعة لإيران طوال فصل الصيف على تخزين المخدرات في قرى وبلدات الريف الجنوبي للسويداء (صلخد، الغارية، ملح، الشعاب) لتسهل عملية تهريبها مع بداية الشتاء.
وبحسب قول القائد العسكري، فإن تجار المخدرات في السويداء “هم المجموعات التابعة لراجي فلحوط كمجموعة معتز مزهر، ناصر السعدي، عماد العقباني، ويعد أولاد أبو ياسين أحمد جعفر أبرز تجار المخدرات في السويداء”.
هذا وتم اغتيال أحمد جعفر في أواخر آذار/ مارس عام 2018، من قبل فصيل محلي بالسويداء لضلوعه في شبكة لترويج المخدرات.
وأضاف أنّ “مرعي الرمثان” من قرية الشعاب في الريف الشرقي لمحافظة السويداء، “أحد أبرز تجار المخدرات في السويداء اليوم”.
وبعد تغير قواعد المراقبة والتدقيق من الجانب الأردني على السيارات القادمة من سوريا، واكتشاف أكثر من سيارة تخبأ الكبتاغون داخل الخضار والفواكه، لجأ المهربون إلى الاعتماد على الشباب من سكان السويداء، “يحمل كل شخص حوالي (50-60) كيلو من الكبتاغون ويقطعون الحدود سيراً على الأقدام”، بحسب المصدر.
هذا ولتتم عملية تهريب المخدرات أو كما يعرف محلياً (تهريب الحمل)، يتم التنسيق بين مجموعة تعمل على الاستطلاع، المراقبة بواسطة سيارة مموهة، لتأمين الطريق، وفئة تعمل على تشتيت جهود المراقبين من القوات المسلحة الأردنية، وفئة أخرى تنتظر الفرصة المناسبة لتقوم بعمليات التهريب وقطع الحدود.
وبحسب مصادر محلية يحتاج حملٌ من المواد المخدرة ليصل إلى الأراضي الأردنية حوالي 6000 دولار توزع على شبكة كاملة.
وأضاف القائد العسكري، أن المخدرات تدخل إلى السويداء “بسيارة قادمة من لبنان وتمر عبر حواجز الحكومة السورية على أوتوستراد دمشق -السويداء بشكل طبيعي”.
ويباع كيلو المواد المخدرة في السويداء “بحوالي 25000 ليرة”، ويعتبر ذو سعر زهيد أقل من سعر كيلو القهوة “في محاولة من المروجين لإغراق السويداء وإدمان شبابها على المخدرات”، بحسب المصدر.
ويرى سمير عزام، منسق تجمع السوريين العلمانيين الديمقراطيين في السويداء، أنّ إيران سعت خلال العامين الماضيين، “لجعل حدود محافظة السويداء معبراً لتهريب مخدرات الكبتاغون إلى الأردن، ومنها إلى الخليج العربي”.
ويقول “عزام”، لنورث برس: “أنشأت لهذه الغاية بالتعاون مع أجهزة أمن النظام، مجموعة عسكرية مؤلفة من عصابات الخطف والسرقات التي نمت بالمحافظة بظل انشغال فصائل حماية السويداء بحماية حدود المحافظة التي كان ضهرها إلى السويداء ووجهها إلى الخارج”.
وتحدث “عزام” عن منشأة لتصنيع وتعليب حبوب الكبتاغون في السويداء التي وجدت في مقر راجي فلحوط التابع للأمن العسكري.
وقال: “بعد أنّ فرضت الميليشيات هيمنتها العسكرية والأمنية على المحافظة بالخطف والقتل والترويع وترويج المخدرات بالداخل والتهريب إلى الأردن ما شكل خطراً على أمن السويداء وأهاليها وعلى السلم الأهلي بالمحافظة، فانتفضت فصائل الحماية يوم السادس والعشرين من تموز/يوليو الماضي وهاجمت حواجز ومقرات وحطمت معدات صناعة الكبتاغون”.
وبحسب قول “عزام” “باجتثاث تلك العصابة تم توجيه ضربه قاصمه لمشروع إيران والنظام وحزب الله اللبناني بمحافظة السويداء وقطع خط التهريب إلى الأردن”.
وبعد أحداث تموز/ يوليو الماضي، تركز إيران الآن على “خط التهريب في قرية الشعاب الواقعة بالبادية شرق محافظة السويداء على الحدود مع الأردن”.
درعا ممر للمخدرات
لا يختلف الحال بين الجارتين درعا والسويداء في محاولة إغراقهما بالمخدرات واستغلال التدهور المعيشي لمحاولة جرّ سكانها إلى التهريب والتعاطي وتشتيت فكر شبابهم وإشغالهم عن مطالبهم المحقة، فكانت الفصائل الموالية لإيران هي المتهم الأول.
مصادر محلية في محافظة درعا، قالت لنورث برس، إن المجموعات العسكرية المعروفة بولائها لإيران “هي المتهم الأول والرئيسي في دعم وحماية تجار المخدرات”.
وأضافت أن أهم هذه المجموعات هي “مجموعة أبو علي اللحام التابعة للمخابرات الجوية والمعروفة بولائها لإيران والتي تؤمن الحماية لعناصرها الذين يقومون بنقل المخدرات من ريف درعا الشرقي إلى ريف السويداء الغربي”.
وأشارت المصادر إلى أن “فلاح حامد الرويضان من بلدة مسيكة بريف درعا الشرقي هو أشهر تجار المخدرات ومنذ عدة أعوام وعلى علاقة بقياديين في حزب الله اللبناني عن طريق قريبه حسن منصور الرويضان”.
وأفادت أن سيارات تأتي من لبنان وتفرغ حمولتها في قرية مسيكة بمنزل “الرويضان” الذي بدوره يقوم بنقلها إلى قرية لبين في محافظة السويداء ثم إلى شرق المحافظة “من أجل تأمين دخولها إلى الأردن عبر الحدود”.
وذكرت أن الرويضان يعتبر “المسؤول عن مقتل” ما يقارب ثلاثون شخصاً من أبناء عشائر البدو في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث قام بنقلهم إلى شرق محافظة السويداء ودفع مبالغ مالية لهم من أجل نقل المخدرات إلى الأردن التي بدورها قامت بنصب كمين للمهربين وقتلتهم جميعاً وقامت بنقلهم إلى العاصمة عمان.
ونوه أن تجار المخدرات “يدفعون للشخص الواحد خمسة آلاف دولار، أي ما يعادل 25 مليون ليرة سورية على الحمل الواحد”.
وفي قرية خراب الشحم بريف درعا الغربي “توجد مجموعة محمد الخالدي، المعروف بأبو سالم الخالدي والتابعة للفرقة الرابعة تقوم هذه المجموعة بتأمين نقل المخدرات من الريف الغربي إلى الحدود الأردنية”، بحسب ذات المصادر.
إيران والجنوب السوري
يرى مصطفى النعيمي، الخبير في الشأن الإيراني، أنّ إيران تتعامل مع الجنوب السوري وفق تكتيك مختلف عما تتعامل به مع باقي المناطق السورية. وأرجع ذلك لـ”حساسية المنطقة الجنوبية والحدود المشتركة مع الأردن وفلسطين”.
ويشير إلى أن “الضوابط والمعايير المتبعة مع الجنوب تأتي بسياق الأدوات الناعمة بشقيها السياسي والعسكري“.
وبحسب الخبير، “يمنح لمن ينتمي للمشروع الإيراني نفوذاً يفوق المنتمين إلى مشروع روسيا والنظام السوري، حتى على الصعيد العسكري يمنح كل منتمٍ للفصائل الإيراني القدرة على التحرك بسوريا، ولا يحاسب حتى لو ارتكب مجازر وصولاً إلى المرتبات الشهرية التي يتقاضونها”.
ويؤكّد “النعيمي” أنّ من أهم الركائز للمشروع المذهبي الايراني هي “السيطرة على المنطقة الجنوبية، لاسيما محافظتي القنيطرة ودرعا وما تتمتع به من مقومات التأثير على من تصفهم إيران بأنهم حلفاء الولايات المتحدة”.
ويتم استخدام المحافظات الجنوبية كمضادات عسكرية وأمنية للدفاع عن المشروع الإيراني وباعتبارها أهم المكاسب التي حققتها طهران خلال ضعف الدور العربي، ومن ثم تراجع الدور الروسي في الجنوب.
وشدد الخبير على تزايد النقاط العسكرية التابعة لإيران في الجنوب، “وتم إنشاء قاعدة مالك الأشتر التي أشرف على إنشائها خبراء من الحرس الثوري الإيراني”.
وأعرب “النعيمي” عن قلقة من استخدام هذه القواعد في تغير بعض المعادلات في الجنوب السوري، وفي تقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين المتواجدين في الجنوب.
بالإضافة إلى تأمين الحماية للمقاتلين القادمين من الحدود السورية العراقية ومنها إلى لبنان.
ويقول: “الهدف تأمين الطريق الدولي من منفذ البوكمال وصولاً إلى معبر المصنع الرابط بين بلدة جديدة بريف دمشق ومنه إلى البقاع في لبنان”.
ويرى الخبير أنّ الأذرع الإيرانية برمتها تعتمد على التمويل الذاتي بالدرجة الأولى، وتعتبر المخدرات من أهم روافد خزينة الفصائل في تمويل عملياتها العسكرية.
ويضيف “النعيمي”، أن هذه الفصائل التابعة لإيران وبسبب احتياجها للمال، وحزم العقوبات الأميركية، “لجأت إلى الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري وبدورها الفرقة الرابعة قدمت الدعم اللوجستي وحرية الحركة على الشريط الحدودي المحاذي للأردن”.
ونوه أنّه نتيجة ارتفاع معدل الشحنات المهربة بالحبوب المخدرة، لجأت المملكة الأردنية إلى استخدام وسائل أعلى قدرة في ضبط عمليات التهريب مستخدمة المسيرات.