الرقة – نورث برس
ظنّت أحلام أنها حين خرجت من مخيم الهول وصلت إلى الخلاص من معاناتها الطويلة في المخيم، لتعود لحياتها في الرقة.
حين عودتها إلى مدينتها لم يستقبلها أيٌ من إخوتها أو أخواتها وحتى أهل زوجها، فقررت مواجهة صعوبة الحياة في ظل تردي المعيشة، حين تخلى عنها الجميع.
لدى أحلام المحمد (31عاماً) خمسة أولاد، خرجت وإياهم من مخيم الهول أواخر العام 2019، ويسكنون في غرفة دون أبواب، اضطرت لذلك بسبب رفض غالبية أصحاب المكاتب العقارية وأصحاب المنازل تأجيرها.
“يرتعبون ويتحولون لأناس آخرين حين يرون نقابي، الجميع يبدأ بسؤالي ويكثرون من الأسئلة، بلا معنى أحياناً، لا أحد يؤجر زوجة داعشي”.
وبصوت يرتجف قهراً، بعد أن رفضها الأهل والمجتمع، تقول: “حين خرجت من الهول كنت أظن أنني خرجت من سجن، أنا الآن حبيسة سجن كبير، لا عتب على الغرباء إذا كان أقاربي تخلوا عني”.
أحلام تحدثت لنورث برس عبر واتس أب، أرسلت الكثير من الأصوات كانت في جميعها تصمت قليلاً؛ قبل أن تتابع حديثها، وكان يغلب البكاء على حديثها.
المرأة تبكي، تارةً قهراً، وأخرى غيضاً على ظروفها، وما يتعرض له أولادها من تنمر، إذ لا أحد “يحتك” بـ”أولاد الداعشي”، منذ ثلاث سنوات خرجت مع أطفالها من المخيم، إلا أنها لم تجد أي منظمة تقدم لها الدعم، حتى أن أطفالها لم يدخلوا المدرسة.
تتساءل بعبرةِ تلتها غصة، “ما ذنب أطفالي، هؤلاء أطفال ولا يحملون جرم الآباء”.
في الرقة، الكثير من المنظمات الإنسانية، قليلٌ منها يعمل بمجال الدعم النفسي، وحتى هذا لا يتعدى هدفه جلب الدعم، وتفتقر الرقة إلى مراكز تأهيل للأطفال العائدين من الهول، لمحاربة الفكر المتشدد.
وفي كانون الثاني/ يناير العام الجاري، قال عمر دياب، وهو عضو مكتب العلاقات العامة في مجلس الرقة المدني، شمالي سوريا، إن عدد العائلات التي خرجت من مخيم الهول وتوجهت للرقة وأريافها خلال عام 2021، وصلت لنحو 272 عائلة متوزعة على ثلاث دفعات متتالية.
ويواجه الأطفال والنساء العائدين من مخيم الهول، عدم تقبل المجتمع لهم، والتنمر، والتحرش اللفظي والمضايقات للنساء والأطفال، ومحاربة هذا تتطلب تظافر جهود من الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية، لمحاربة خطاب الكراهية ضد هؤلاء.
بعد أن اشتكى أطفالها من التنمر، أخبرتهم الوالدة بضرورة عدم البوح بخلفية والدهم، وفي كل مرة تنتقل فيها لبيت جديد حرصت على عدم البوح لجيرانها بأنها عائدة من الهول.
“أولاد الداعشي”
“أولاد الداعشي” عبارة يتنمر بها الأطفال وكبار السن على أطفالها، تروي أحلام، موقفاً حصل مع أطفالها، أن “يافعاً ابتز طفلها الأكبر 10 سنوات، بعد أن كتب معلومات اسمه واسم والده على ورقة، وهدده بأنه سيشحطه هو ووالدته إذا لم يدفع له ألفي ليرة، وببراءة الأطفال صدّقه”.
لم يجرؤ الطفل أن يخبر والدته، لكن أخاه قال لها، إنهم هددوه واستجروا الطفل ليتحدث، حينها عجزت عن الرد، “شعور غريب أكبر من العجز حين يلفظك أهلك ومجتمعك”.
وفي ظل غياب المنظمات الراعية لأطفالها، تدأب أحلام كأي أم على تعليم أطفالها القراءة والكتابة، لكن عدم تسجيلهم في مدارس الإدارة الذاتية وقلة الحيلة تقف عائقاً أمامها
ولا تستطيع تسجيل أطفالها في مدارس، لعدم امتلاكها سكناً دائماً، ودائماً ما تتنقل، وفي كل مرة يتم طردها وأطفالها من سكنها بعد معرفة الجيران بأنها عائدة من الهول، الآن تسكن في غرفة بلا أبواب أو شبابيك، يدفعها لذلك عجزها.
وتتابع حديثها، “أهلي تبرأوا مني، أقاربي أخوتي، جميعهم لم يسألوا عني، ربما هم خائفون على أنفسهم من المسائلات”. وتضيف، أن أهلها اشترطوا عليها التخلي عن أولادها لاستقبالها.
منذ بداية عودتها إلى الرقة، حاولت أحلام الاندماج في المجتمع إلا أنه يرفضها، وتتعرض وأطفالها للتنمر والكلام الجارح، وغير أحلام وأطفالها الكثير من العائدين من الهول والذين هم بحاجة لاحتضان المجتمع، ودعم المنظمات، وتختتم أحلام الحديث، “ربك ما يقطع حدا”.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، قالت أميرة الحسن الرئيسة المشاركة لمكتب حماية الطفل في مجلس الرقة المدني، إن المكتب وبالتعاون مع جمعيات ومنظمات محلية سيعمل على تنفيذ خطة لإعادة تأهيل الأطفال الذين خرجوا من مخيم الهول.
وأضافت لنورث برس حينها: “المفترض أن يبدأ برنامج عمل المكتب لإعادة تأهيل أطفال مخيم الهول خلال الفترة القريبة القادمة، وستتضمن الخطة برامج للدعم النفسي وفعاليات اجتماعية ومتابعة لوضع الأطفال ومعرفة أحوالهم إلى حين الاجتياز بهم ما عانوه في مخيم الهول”، وفقاً لما ذكرته “الحسن”.