حرب خطابية بلا هوادة بين تركيا واليونان على خلفية حزمة قضايا

القامشلي – نورث برس

اشتدت الحرب الخطابية بين تركيا واليونان البلدان الحليفان في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حزمة ملفات تاريخية واقتصادية وسياسية، آخرها قضية تتعلق بأكثر من 90 لاجئ وصلوا للحدود اليونانية قبل يومين وهم عراة، مما أثار جدلاً في الأوساط الأممية.

وأثار ظهور 92 مهاجراً عارياً على حدود اليونان وتركيا مطلع الأسبوع الجاري اتهامات وإلقاء اللوم بين البلدين، اعقبتها إدانة من الأمم المتحدة.

وقالت الأمم المتحدة إنها “تشعر بقلق عميق” بعد أن قالت الحكومة اليونانية يوم أمس الأحد، إنه تم العثور على 92 مهاجراً شبه عراة ومصابين بكدمات بعد إجبارهم على عبور نهر إيفروس من تركيا إلى اليونان.

تركيا تنفي

وقالت الشرطة إن تحقيق أجرته الشرطة اليونانية ومسؤولون من وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس)، وجدت أدلة على أن المهاجرين العراة عبروا النهر إلى الأراضي اليونانية في زوارق مطاطية من تركيا.

واتهم وزير الحماية المدنية اليوناني، تاكيس ثيودوريكاكوس، تركيا بـ “استغلال الهجرة غير الشرعية” في أحدث سلسلة من الاتهامات المتبادلة بشأن الهجرة بين الجارتين.

وقال ثيودوريكاكوس إن العديد من المهاجرين أبلغوا “فرونتكس” أن “ثلاث عربات للجيش التركي نقلتهم” إلى النهر الذي يعد بمثابة حدود طبيعية.

وبالمقابل نفت أنقرة أي مسؤولية لها، ودعا نائب وزير الداخلية إسماعيل كاتاكلي، اليونان، إلى وقف ما وصفه في تغريدة بـ “التلاعب والخداع”.

واتهم مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون، وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراشي بـ”مشاركة معلومات كاذبة” بعد أن قام المسؤول بتغريد صورة لمهاجرين عراة يوم السبت وألقى باللوم على تركيا.

هذه القضية تمثل أحدث  تصعيد بين البلدين وهو يتجدد بين فترة وأخرى على خلفية ملفات ثانية كالتي تتعلق بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط كذلك الجزر اليونانية.

وفي أيلول/ سبتمبر الفائت، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليونان، بتحويل بحر إيجه إلى “مقبرة” بـ “سياسات قمعية” بشأن الهجرة.

كواليس اجتماع أوروبي

وفي الأسبوع الماضي في حفل عشاء مغلق في براغ ، كان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس يخاطب 44 زعيماً أوروبياً عندما قاطعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبدأت مشاداة كلامية، وفقاً لتقرير نيويورك تايمز.

واتهم أردوغان ميتسوتاكيس بالنفاق بشأن تسوية الخلافات في شرق بحر إيجه وانتقد الاتحاد الأوروبي لانحيازه إلى أعضائه ، اليونان وقبرص، على ما نقله تقرير عن دبلوماسي أوروبي واثنين من كبار المسؤولين الأوروبيين كانوا في الاجتماع.

وهدد أردوغان بغزو اليونان بالقول: “قد نصل فجأة ذات ليلة”، وعندما سأل أحد المراسلين عما إذا كان ذلك يعني أنه سيهاجم اليونان، قال الرئيس التركي: “في الواقع لقد فهمت”.

وفي الوقت الذي يواجه فيه صعوبات سياسية واقتصادية متزايدة قبل الانتخابات في الربيع المقبل، كثف الرئيس التركي التهديدات ضد حليفه في الناتو منذ الصيف الفائت.

وتدور خلافات منذ أعوام بين البلدين الجارين حول الحدود البحرية وحقوق استغلال الطاقة في مناطق متنازع عليها بجزر بحر إيجه وشرق المتوسط.

التأثير على الحلف الغربي

وتهدد التوترات المتصاعدة بين اليونان وتركيا، وكلاهما عضوان في الناتو، فضلاً عن أنها تعتبر بمثابة عائق جديد أمام جهود أوروبا للحفاظ على وحدتها في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية.

ويتصور مراقبون أوروبيون، أن أردوغان حليفاً صعباً في الناتو، وظهر ذلك جلياً بمواقفه القاسية والمماطلة في انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.

هذا بالإضافة إلى علاقات أنقرة على عكس العلاقات الغربية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن يبدو أنها حظيت بغض الطرف نظراً لدور تركيا في التوسط بين روسيا وأوكرانيا، كذلك في صفقة للسماح بعبور صادرات الحبوب الأوكرانية، علماً أنها لم تدخل في العقوبات الغربية ضد موسكو.

والتقى أردوغان يوم الخميس ببوتين في كازاخستان، حيث ناقشا استخدام تركيا كمركز للطاقة لتصدير المزيد من الغاز الروسي بعد تضرر خطوط الأنابيب المتجهة إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق.

وتتهم أثينا أنقرة بانتهاك المجال الجوي فوق الجزر اليونانية، فيما أثارت اتفاقات دفاعية يونانية في الآونة الأخيرة مع فرنسا والولايات المتحدة غضب تركيا.

وفي أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت، أعلنت تركيا أنها سترسل المزيد من القوات إلى قبرص الشمالية، لحماية الأتراك فيها، وتوفير كافة ما يحتاجونه من الأسلحة، رداً على قرار رفع الولايات المتحدة حظر توريد الأسلحة لقبرص اليونانية، وتقديم واشنطن أسلحة لليونان في الجزر اليونانية في بحر إيجه.

وقبل ذلك بأسبوعين، أدانت الخارجية التركية بشدة، تمديد واشنطن قرارها المتخذ في أيلول/ سبتمبر 2020 بشأن رفع حظر توريد الأسلحة إلى إدارة جنوب قبرص اليونانية لمدة عام خلال السنة المالية 2023.

قضية شرق المتوسط

وقبل أسبوع، أثارت الاتفاقية مع ليبيا والتي تمت عبر وفد تركي ترأسه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى طرابلس مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، غضب اليونان ومصر اللتان أكدتا وقتها عبر بيانين منفصلين على الوقوف بوجه أي نشاط في المناطق المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط.

وكانت اليونان ومصر شرعتا في ترسيم حدود منطقتهما الاقتصادية في إطار اتفاقية تمّ إبرامها وفقاً “للقانون الدولي للبحار” عام 2020، وبموجبها تُعتبر “المذكّرة” التركية الليبية لعام 2019 “لاغية”.

وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري، في هذا الشهر، إن الاتفاقية المزعمة بين تركيا وحكومة طرابس التي انتهت شرعيتها، “تثير القلق وتنتهك روح قوانين الأمم المتحدة و مقرراتها.”

وأضاف في تصريح شديد اللهجة أن تركيا “تحاول الاستفادة من الاوضاع المضطربة في ليبيا كي تزعزع منطقة المتوسط”.

وكان وزير حماية المواطنين اليوناني، تاكيس ثويدوريكاكوس، قد اتهم تركيا بـ”التسلّح غير الأخلاقي” للمهاجرين غير الشرعيين.

ورغم تكثيف الإجراءات على الحدود اليونانية، وهي خطوة دعمتها دول الاتحاد الأوروبي، فإن المهاجرين يستمرون في محاولة عبور بحر إيجة صوب أوروبا، بينما انتقل الكثيرون إلى طرق بديلة  إلى شمال إفريقيا، عبر البحر المتوسط.

وقال الوزير اليوناني: “لا شكّ في أنّ تدفق آلاف المهاجرين مدفوع من الجانب التركي، وأتوقّع استمرار ذلك من أجل ابتزاز أوروبا واليونان”.

إعداد وتحرير: هوزان زبير