إدلب ـ نورث برس
يقع سكان مناطق سيطرة المعارضة بين خيارين “أحلاهما مرّ”، فإما العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، هرباً من واقع اقتصادي متردي وفوضى أمنية تعكس مستقبلاً مشوه الملامح، لكن دون أي ضمانات، أو البقاء في ذلك الواقع تحت “رحمة” هيئة تحرير الشام التي تدير المنطقة من كافة النواحي.
والشهر الماضي، افتتحت الحكومة السورية مركزاً للتسوية في مدينة خان شيخون بإدلب، لاستقبال الراغبين بتسوية أوضاعهم من المطلوبين العسكريين والمدنيين في المنطقة. وتزامن ذلك مع الخطاب التركي الداعي للتقارب مع دمشق.
ومؤخراً، جرت بعض الترتيبات على الأرض لفتح المعابر بين مناطق الحكومة وتحرير الشام.
ورأت مصادر محلية، في سراقب، في حديث لصحيفة ”الوطن” شبه الرسمية، أن “هذا الإجراء يعدّ خطوة باتجاه افتتاح المنفذ الإنساني الذي أقامته محافظة إدلب سابقاً”.
وأوضحت، أنه “من شأن ذلك مساعدة عبور الراغبين بتسوية أوضاعهم العسكرية من المدنيين من أبناء إدلب، إلى مركز المصالحة الذي أقامته الجهات السورية المختصة في السابع من هذا الشهر في مدينة خان شيخون، جنوب المحافظة؛ كبادرة حسن نية سورية- تركية؛ مشتركة للدفع بترتيبات المصالحة قُدماً”.
أسباب ومخاطر
يبتدئ عيسى الأشقر (48 عاماً) من سكان بلدة معرة النعمان بريف إدلب، حديثه لنورث برس، بجملة (أجبرني على المرّ ما هو أكثر مرارةً)، وذلك بعد وصوله إلى مزرعته في البلدة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.
24 ساعة قضاها “الأشقر” مع أبناءه الأربعة وزوجته، في خوف وقلق خلال رحلة هروبهم من ريف إدلب الشمالي عبر محور معمل الثلج القريب من بلدة سراقب شرقي إدلب.
وواجهة العائلة خلال رحلة العودة صعوبات كبيرة حيث تنقّلت من مهرب إلى آخر وتكلفت مبلغ قدره 400 دولار أميركي حتى وصولهم للبلدة، لتتوجه بعدها إلى مركز التسوية في خان شيخون.
ويقول “الأشقر”: “عودتنا الى مناطق حكومة النظام لا تعني أنه الأفضل، لكن لم نجد حلاً أفضل”.
ويرجع الرجل سبب اختيار العودة، إلى “الوضع الأمني المتردي في مناطق نفوذ الجولاني وعصابات الجيش الحر”.
ويضيف: “ذلك الوضع جعل المناطق دويلات متنافرة تحت سلطات مختلفة تدعي جميعها أنها الوجه الأكرم للمعارضة. والحقيقة ما هم إلا عصابات تعيش على امتصاص دمائنا رغم ما نحن فيه من نزوح ومعيشة متدهورة”.
ورغم الواقع المعيشي المتهالك والوضع الأمني السيء الذي فرضته الأرقام المختلفة لأفرع أمن الجولاني، كـ(105، 106 و107) وغيرها، إلا أن خوفها على مستقبل أبناءها التعليمي كان السبب الرئيسي لمخاطرة وداد السويد بالعودة إلى بلدة التح بريف خان شيخون.
و”السويد” (36 عاماً) هي امرأة معيلة لأبنائها بعد أن فقدت زوجها، فشلت ثلاث مرات في الوصول إلى بلدتها بسبب القبضة الأمنية للجولاني.
تقول لنورث برس: “ولديَّ عفاف وطارق يجب أن يكونوا في الصف الثالث الثانوي، لم تسمح لهما الهيئة بدراسة منهاج الحكومة السورية أو تقديم الامتحان في مراكز الامتحانات التابعة لوزارة التربية السورية”.
وتضيف: “بل فرضت الهيئة عليهم مناهج بعقول المعارضة ممهورة بختم الأتراك، وبشهادات تخرج لا يعترف عليها أي طرف محلي فضلاً عن الأطراف الدولية”.
تحذيرات واعتقالات
وكان جهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام، حذر وتوعد السكان الذين يفكرون بالعودة إلى مناطق الحكومة وإجراء عمليات تسوية بـ”الضرب بيد من حديد وبشكل فوري، كل من يثبت عزمه الذهاب إلى مناطق النظام عن طريق المعابر التي يروج لها سوادٌ في ريف حلب أو إدلب”.
وأكد مصدر من أمنية الـ107 التابعة لتحرير الشام “القبض على عدد من المهربين ومعهم عائلات مدنية كانت في طريقها لمناطق تخضع لسيطرة الحكومة السورية في أرياف إدلب وحماة وحلب”.
وتم تغريم المهربين بـ5000 دولار، إضافة لحكم قضائي يصل حتى الثلاث سنوات، بينما تم توقيف العائلات بما تضمه من أطفال وكبار سن وأخذ أوراقهم الثبوتية بهدف مراجعتهم الأفرع الأمنية التابعة للهيئة وإجراء دراسات أمنية حولهم قبل توقيعهم على تعهد بعدم تكرار ذلك، بحسب المصدر.
مراحل التهريب
أبو إلياس المعراوي (40 عاماً) وهو من سكان جبل الزاوية، يعتبر أبرز المهربين في المنطقة، يشرح طرق التهريب، “طبعاً التهريب ينقسم إلى مرحلتين الأولى التنسيق مع القيادات العسكرية المرابطة على جبهة سراقب لتسهيل المرور بعيداً عن أعين الأمنيين، والمرحلة الثانية التنسيق مع قوات النظام”.
ويضيف: “المرحلة الأولى أصعب لوجود عناصر أجانب كالأوزبك والمغاربة وغيرهم مع أمنية الهيئة وهو ما يجعل التنسيق أحيانا صعبٌ للغاية”.
بينما التنسيق مع عناصر قوات الحكومة “يكون أسهل”، و باعتبار أن أي تحرك يتطلب دفع نقود بهدف إرضاء الأطراف، فإن تكلفة تهريب العائلات تكون “مرتفعة نسبياً ما بين 400 و500 دولار للشخص الواحد، ناهيك عن عملية تهريب المواشي والسيارات فتلك لها تسعيرة أخرى.
ولفت أبو إلياس، النظر إلى أن الفترة الممتدة من بداية شهر أيلول/ الماضي، وقت إطلاق التسوية الحكومية في خان شيخون وإلى اليوم، شهدت أكثر عودة للسكان إلى مناطق سيطرة الحكومة.
يخافون العودة
وفي المنطقة ذاتها، ورغم الوضع الذي ذكر سابقاً في مناطق تحرير الشام، إلا أن سكاناً يخافون العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية لأسباب أمنية وغيرها.
بلهجته المحلية، يقول مهند الأبرش (51 عاماً) من سكان مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، “كيف بدي أرجع على بيتي يلي مسيطر عليه جيش بشار الأسد يلي قتل معظم أفراد أسرتي و اعتقل إخوتي؟”.
ومنذ ما يقارب الثلاث سنوات، نزح سكان المدينة منها بعد سيطرة القوات الحكومية عليها، “لا توجد عائلة في معرة النعمان لم تفقد فرداً منها بنيران النظام السوري. لا أحد يصالح على دم ابنه أو أخيه”، يقول الرجل الخمسيني.
والأربعاء الفائت، قال مدير إدارة المخابرات العامة، لدى الحكومة السورية، اللواء حسام لوقا، وخلال كلمة ألقاها في “مهرجان السلام الوطني” الذي أقيم بمدينة خان شيخون جنوبي إدلب، أنه “سيُسمح لأهالي مدينة معرّة النعمان، بالعودة إلى منازلهم، بتوجيهات من الرئيس السوري”.
وسيطرت الحكومة على معرة النعمان في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2020، وأدى ذلك لنزوح أكثر من 300 ألف نسمة من سكانها نحو المخيمات والمناطق الحدودية مع تركيا شمال إدلب.
ويصف “الأبرش” الذي يقيم في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، إعلان الحكومة لعودة السكان إلى معرة النعمان بالقرار “الاستفزازي”.
وتساءل: “كيف يمكن العودة لمدينة مدمرة بشكل شبه كامل، والأنقاض لا تزال في الطرقات؟”.
ويضيف: “العودة لن تكون إلا بعد خروج النظام منها، حينها سيعود السكان ويعيدون بناء ما تدمر”.
ويرى صهيب سليمان (41 عاماً) وهو من نازحي مدينة معرة النعمان ويقيم في بلدة أطمة على الحدود السورية التركية شمال إدلب، أن “العودة إلى حضن النظام السوري مجدداً تعني الموت والاعتقال حتى مع الوعود بعدم المساس بهم بعد تسوية أوضاعهم”.
ويقارن “سليمان” بين الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية في كلا المنطقتين، والتي يصفها بـ”السيئة جداً” على حد سواء.
ولكنه يستدرك ويقول: “كيف لنا نحن الذين نعيش في مناطق خارجة عن سيطرة النظام ورغم سوء أوضاعنا أيضاً، أن نعود إلى منطقة يفكر من هم بها بالهروب منها”.