التعليم في مناطق الإدارة الذاتية.. انقسام في الآراء ينقصه الاعتراف

القامشلي – نورث برس

يبدي نبيل، من سكان القامشلي، أحد المدن الكبرى في شمال شرقي سوريا، فخره بارتياد أولاده الثلاثة مدارس الإدارة الذاتية التي أتاحت الفرصة لتعلم أولاده لغتهم الأم الكردية بعد عقود من منع الحكومة السورية تعلمها في المدارس.

ويقول نبيل إسماعيل (50 عاماً)، بعدما ركن سيارته في السوق المركزي، إن المناهج التعليمية تشهد تطوراً على رغم أنها تجربة فتية، “نرى عاماً بعد عام يتم وضع أسس جديدة، أسلوب وطريقة التدريس جيدة”.

وفي شمال شرقي البلاد، تعتمد الإدارة الذاتية نظام التعليم باللغة الأم، والذي يقر بدراسة كل مكون بلغته الأم كالكردية والعربية والسريانية، إلى جانب مواد للغات أجنبية.

ويدرس منهاج الإدارة الذاتية، 860 ألفاً و 730 طالب وطالبة، موزعين على 4798 مدرسة، وفقاً لهيئة التربية والتعليم في شمال شرقي سوريا.

إلا أن مسألة التعليم، تشكل جدلاً واسعاً في مناطق الإدارة الذاتية، لعدم وجود اعتراف رسمي بها حتى الآن وتنقسم الآراء في الشارع المحلي بين مؤيد ومعارض لها.

وتعتمد الإدارة الذاتية مناهج خاصة بها وتمنع تعليم المناهج المعتمدة من قبل الحكومة السورية في مناطق سيطرتها، مستثنية المربعات الأمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة في مدينتي الحسكة والقامشلي.

ولا تعترف بمناهج الإدارة الذاتية سوى الجامعات التي افتتحتها ضمن مناطقها، وهي “روج آفا” في القامشلي، وجامعة “كوباني” في مدينة كوباني، و”الشرق” في مدينة الرقة.

ولا تضم تلك الجامعات كافة الاختصاصات، ما يقلص خيارات الطلاب في دراسة الفروع التي يرغبونها، الأمر الذي يدفع قسماً كبيراً منهم للدراسة في المدارس الحكومية والالتحاق بجامعاتها في المحافظات الأخرى، كدمشق وحلب والحسكة.

آراء متباينة

وعلى ذات الرصيف على بعد أمتار قليلة من “إسماعيل”، توافقه الرأي، السيدة مزكين حسن التي يرتاد ثلاثة من أولادها مدارس الإدارة الذاتية.

وتقول: “طرائق أسلوب التدريس ناجحة من خلال النقاشات في نقاط غير مفهومة وأولادي مرتاحين في تعليمهم صراحة”.

وتضيف: “أقوم بمتابعة تعليم أولادي، صحيح هناك بعض النواقص لكن بالمحصلة هذه التجربة فتية، نأمل أن تنجح”.

وعلى خلاف سابقيه، يمتنع محمد صالح (40 عاماً)، من سكان حي الغربي بالقامشلي، عن إرسال أطفاله إلى مدارس الإدارة الذاتية، حيث يرتادون المدارس الحكومية في المربع الأمني.

ويقول “صالح”، الذي فضل عدم الحديث أمام الكاميرا، لأسباب خاصة، “لا أمانع دراسة أولادي بلغتهم الأم، لكن المناهج والمدارس التي تديرها الإدارة غير معترف بها حتى الآن”.

وأواخر الشهر الماضي، احتج سكان في القامشلي على قرار الإدارة الذاتية بإغلاق معاهد ومدارس خاصة تعتمد المناهج الحكومية، وتعرّض محتجّون للهجوم من قِبل من وصفتهم قِوى الأمن الداخلي (الأسايش)؛ بمعارضي الاعتصام.

“نظام التقييم”

وفي أسلوب تعليمي جديد، تعتمد الإدارة الذاتية نظام التقييم للطلبة بدلاً من الامتحانات النهائية، والذي يسمح للطالب بدخول الجامعة حسب تحصيله الدراسي وفق تقييمه ضمن المرحلة الثانوية.

وفي مدرسة الكرامة للإناث وسط القامشلي، تشرح المدرسة روشن سليمان ضمن صف مكتظ بطالبات من صف الحادي عشر الثانوي، درساً حول مادة الجنولوجيا (علم المرأة) وهي مادة جديدة أدخلتها الإدارة الذاتية إلى منهاجها التعليمي.

وتصف المعلمة والتي تلقت تدريباً من قبل “مختصين” حول أسلوب التقييم، أنها خطوة “إيجابية”.

ومن بداية العام الدراسي وحتى نهايته، يتم تقييم الطالب بموجب التقييم الشفهي والكتابي والمشاريع التي يقدمها، وبالمحصلة يتم تقسيم تقييمات الطالب بدءاً من الصف العاشر والحادي عشر والثاني عشر على ثلاثة، وعليه يخرج الناتج العام ويدخل إلى الجامعة أو المعاهد التابعة للإدارة الذاتية.

ورغم أن هذه التجربة جديدة في المدارس، إلا أن سميرة حج علي، الرئيسة المشاركة لهيئة التربية والتعليم لشمال شرقي سوريا، تشير إلى أن هدفهم هو بناء الإنسان على مبدأ الفهم وليس الحفظ.

وتضيف: “يجب أن يكون للطالب تحليله وشرحه ومشاركته، وأن يكون له بحثه ويتطلب منهم مشروع في كل فصل، بهذا الشكل بالإمكان توجيه الطالب في بناء مجتمعه”.

ويوجه الكثير من السكان المحليون، انتقادات للكوادر التعليمية في مدارس الإدارة الذاتية بـ”قلة الخبرة في التعليم”، نظراً لكون الكثير من المعلمين ليسوا خريجي الجامعات وذوي كفاءات.

ولتفادي تلك النواقص، عملت هيئة التربية والتعليم عبر مديرياتها خلال العطلة الانتصافية على تدريب 42178 من مدرسيها في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا، وتصقيل مهاراتهم في التدريس وأسلوب التعليم المعتمد، بحسب “حج علي”.

وتزيد على كلامها، “التدريب يساعد المعلمين على كيفية تقييم الطلاب وكيفية تحديد علاماتهم، وهذا التقييم يتم وفق امتحانات شفهية وكتابية، كون الطالب لربما في المواد العلمية شفهياً ضعيف في النطق لكن كتابياً يكون متفوقاً”.

منهاج اليونيسيف

وتستثني هيئة التربية والتعليم في تدريس مناهجها، مناطق دير الزور والطبقة والرقة، ويتم تدريس منهاج اليونيسف إلى جانب المواد العلمية التابعة للإدارة الذاتية في هذه المناطق.

ونظراً لطبيعة هذه المناطق المحافظة، وبناء على طلب الأهالي، عملت الإدارة الذاتية على إدخال مادة التربية الإسلامية أيضاً في مناهج هذه المناطق والتي لا تتوفر في المناطق الأخرى.

ولكن خلال العام الجاري، أعادت الإدارة الذاتية مادة التربية الإسلامية إلى مناهجها للطلاب المسلمين، مع إضافة مادة التربية المسيحية للمسيحيين والإيزيدية للإيزيديين.

ومع بدء العام الدراسي الجديد لعام 2022 – 2023، وزعت الإدارة الذاتية مليونين و400 كتاب على مدارسها، وفقاً لهيئة التربية.

وتسببت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والهجمات التركية على مناطق الإدارة الذاتية، خلال الأعوام الفائتة، بدمار 180 مدرسة بشكل كلي، بالإضافة إلى 169 مدمرة جزيئاً، فيما تم ترميم 380 مدرسة بالتنسيق ما بين الإدارة الذاتية والتحالف الدولي والمنظمات الإغاثية “والعمل في هذا الجانب مستمر”، بحسب “حج علي”.

وتؤكد الإدارة الذاتية بأنها خلال السنوات الست الماضية عملت على تطوير الكثير من موادها العلمية، لتكون مواكبة للتطورات العلمية التي يشهدها العلم، رغم جميع الهجمات والعراقيل التي اعترضت العملية التربوية.

كما عملت الإدارة الذاتية خلال السنوات الماضية على توقيع مذكرات تفاهم مع الكثير من الجامعات الأوروبية والأميركية لتبادل الخبرات في مجال التعليم.

وتقول “حج علي”، في هذا المضمار، “مستمرون بالتعاون مع المنظمات الدولية لتبادل المناهج وإرسال وفود أو استقبالهم في مناطقنا لتطوير مناهجنا والعملية التربوية”.

ورغم بذل القائمين على قطاع التعليم في الإدارة الذاتية، جهوداً ومحاولات جمة لجعل تجربة التعليم باللغة الأم ناجعة، إلا أنها تصطدم برفض شعبي، حيث يمتنع سكان وحتى مسؤولون وموظفون في مؤسسات الإدارة الذاتية عن إرسال أطفالهم إلى مدارس الأخيرة.

وأمام هذا الحال، يطرح البعض تساؤلات جدية حول ازدواجية سياسة المسؤولين في الإدارة الذاتية الذين يفضلون تعليم أطفالهم في المدارس الحكومية، بينما يطلقون “شعارات رنانة” حول أهمية التعليم باللغة الأم.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد