“الذهب الأبيض” بمنبج.. إقبال على الزراعة ولكن التكاليف باهظة والدعم “خجول”
منبج – نورث برس
يلاحق حسن، مياه نهر الفرات، في ظلّ تراجع منسوب النهر، وبين الحين والآخر يشتري المزارع قساطل؛ لتوصيلها بمحرك جرّ المياه خاصته، لسقاية أرضه المزروعة بالقطن.
ويترتّب عليه من ذلك، تكاليف إضافية عدا عن ثمن القساطل، إذ إنه في كل مرة يغير موقع المحرِّك، ويبعده عن أرضه ليقربه من النهر، وذلك يزيد من أعطال المحرِّك واستهلاكه للوقود.
حسن الحميد، (62 عاماً)، مزارع من سكان قرية الشجرة، 25 كم، جنوبي منبج، شمالي سوريا، زرع أرضه هذا العام بالقطن.
وتقع قرية الشجرة، في منطقة تل حوذان، جنوبي منبج، والتي تشتهر بزراعة القطن، فقد بلغت المساحة المزروعة بالقطن في الخط، لما يقارب 250 هكتار.
والقطن؛ من المحاصيل الاستراتيجية المهمّة في سوريا، ويزرع بكميات كبيرة في شمال شرقي سوريا، ويعدّ القطن السوري من أفضل وأجود الأنواع في العالم، كما تعتبر سوريا؛ من أهم وأوائل الدول في إنتاجه.
ويطلق عليه المزارعون لقب “الذهب الأبيض”، تراجعت زراعته منذ 2012، وفي ظلّ تشجيع الإدارة الذاتية؛ لزراعته وافتتاحها مراكز لاستلامه من المزارعين، عاود للنهوض، وتوسّعت مساحاته.
يقول “الحميد”، لنورث برس، إن خبرته في زراعة القطن دفعته لزيادة المساحة هذا الموسم، حتى وصلت لست هكتارات، لكنه يعاني من مشكلة تراجع المياه، وقلة المحروقات المقدَّمة من لجنة الزراعة في منبج.
تكاليف باهظة
ويضيف: “منسوب النهر ابتعد عن مستواه إلى ما يقارب 300 متر، وهذا يتسبّب بأعباء إضافية علينا من ناحية صرف المحروقات، حيث بات يستهلك برميلاً ونصف البرميل، عدا عن الأعطال في محركات استجرار المياه”.
وتكلّف المزارع “الحميد”، مصاريف زائدة لزراعة أرضه، إذ اضطرّ لشراء المحروقات لجرّاره الزراعي من السوق الحر، “كلفتني حراثة أرضي برميلي مازوت (400) ليتر، لم تقدِّم هيئة الزراعة لنا أي شيء”.

وينتقد “الحميد” الدّعم المقدّم من الزراعة، “يدعمون الزراعة، لكن الدّعم غير كافٍ”، على حدّ قوله.
ورغم رشه لأرضه أربع مرات إلا أن المبيدات لم تُجدِ نفعاً، “يجب أن توزِّع الزراعة المبيدات الحشرية، وتشرف عليها، هناك من يصنعون المبيدات محلياً ويختمونها بختم المنتج الأصلي”، طبقاً لـ “الحميد”.
وحذّرت مديريات الزراعة في الإدارة الذاتية، من انتشار الأدوية والبذور المغشوشة، المصنّعة والمعبّئة محلياً، “كثُر هذا الأمر في الذرة الصفراء”.
وطالب المزارع بتوزيع الأسمدة من قِبل لجنة الزراعة، في ظلّ تحكم التجّار بأسعار الأسمدة، حيث وصل سعر الكيس بوزن(50) كغ إلى ما يقارب الـ 40 دولار أميركي، “الإدارة تبقى أرحم، نحتاج للسماد الأسود لأراضينا”.
وتحتاج أراضي منطقة تل حوذان، جنوبي منبج؛ للسماد الأسود “الترابي”، بسبب ضعف الأراضي الزراعية وافتقارها لعناصر تحتاجها النباتات في النمو والإنتاج.
والقطن، من أكثر المحاصيل الزراعية التي تحتاج لعناية وأيدي عاملة، ورشّ بالمبيدات، والسماد، وهو ما يجعلها الزراعة الأكثر تكلفة.
النقل إلى الرقة
أمام كل ما سبق، تبقى مشكلة نقل محصول القطن من منبج إلى الرقة هي الأصعب أمام “الحميد”، لما يترتّب عليها من مصاريف زائدة وتلف بالمحصول.
بينما يقطف محصوله، وينتظر حتى تكتمل حمولة السيارة التي يستأجرها لنقل المحصول، والتي يكلفه أجارها 300ألف ليرة إلى الرقة، وفي حال تأخّر في التسليم ليوم آخر تُحسب عليه أجور إضافية.
وفي الخامس من أيلول/ سبتمبر، الجاري، حدّدت هيئة الزراعة في الإدارة الذاتية، سعر شراء القطن بـ 4300 ليرة للكيلو الواحد، وقالت حينها؛ إن تحديد تسعيرة القطن جاء بإضافة هامش ربح يلامس نصف تكلفة الزراعة.
وحدّدت الإدارة في نهاية آب/ أغسطس، الماضي؛ ثلاثة مراكز لاستلام محصول القطن من المزارعين، وهي محلج الحسكة، مركز (7 كم)، في دير الزور، مركز الأقطان في الرقة، سيسلم فيها المزارعون محصولهم، بموجب شهادة منشأ صادرة عن اللجان الزراعية، أو الوحدات الإرشادية.
إضافة لذلك، يُدفع لعمال القطاف 300 ليرة عن الكيلو الواحد، و50 ألف ليرة لسيارة الأجرة التي تنقلهم للحقل يومياً، يضاف لها ثمن أكياس تعبئة مادة القطن، حيث اشترى الواحد منها بـ 22 ألف ليرة.
كسابقه، يعاني منلا الحمادي، مزارع من ذات القرية، من قلة الدعم بالمحروقات من قبل لجنة الزراعة في منبج، ونقل المحصول إلى الرقة، وما يترتّب عليه من تكاليف إضافية.
ويقول، إن مستلزمات زراعة القطن كثيرة وأسعارها مرتفعة، وفي الوقت ذاته الدعم المقدَّم من قبل الزراعة “خجول” وفيه نوع من “التقشُّف”، بحسب وصفه.
وطالب “الحمادي” بفتح مراكز لشراء القطن في منبج، كونها منطقة زراعية، ولتشجيع زراعته، وتخفيف الأعباء على المزارعين.
لا حلّ
وبحسب عبد الحميد الحسين، الإداري في الإرشادية الزراعية، في خط تل حوذان، قال؛ إنهم على علم ودراية بالهموم والمشاكل التي يعاني منها المزارعين، نتيجة الجفاف، وموجات الحشرات الضارّة على حقولهم، والغلاء في أسعار المبيدات.
ويرى، إن التسعيرة التي حدّدتها هيئة الزراعة في الإدارة الذاتية، لشمال وشرق سوريا، لشراء القطن؛ مُرضية ومشجّعة لزيادة المساحات المزروعة.
وأشار “الحسين”، إلى أن لجنة الزراعة في منبج، وبالتنسيق مع لجنة الرقة، حدّدت يوماً في الأسبوع لاستلام القطن من مزارعي منبج، لضمان عدم تأخير المزارع، وزيادة تكاليف أجور النقل.
ولم يبدِ “الحسين”، أي حلول أو اقتراحات لحلّ معاناة مزارعي القطن.