المناهج المدرسية المطوَّرة في المناطق الحكومية.. صعوبةٌ في التطبيق وبُعدٌ عن الواقع

السويداء- نورث برس

مع بداية كل عالم دراسي، يعود الجدل حول مدى فاعلية المناهج المطوَّرة، في استثمار الكفاءات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وسط تساؤلات؛ هل راعت هذه المناهج الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، والتدهّور الاقتصادي الحاصل في البلاد.  

وتتباين الآراء حول ذلك، فيرى البعض أن تلك المناهج بعيدة عن الواقع الذي عاشته سوريا منذ الحرب، فيما يُؤيّد آخرون عملية تطويرها وتغييرها.

وتعتمد المناهج المطوَّرة على التعليم التعاوني، حيث يُقسّم الطلاب إلى مجموعات لإنجاز المهام بشكلٍ جماعي، لتحقيق الأهداف الأكاديمية، والتي تحتاج لنحو 8 إلى15  طالب في الغرفة الصفيّة الواحدة لتحقيق الهدف العلمي.

ولكن مروان حسن، اسم مستعار لمعلم في مدرسة بمدينة السويداء، يقول إن الغرفة الصفيّة تحوي أربعين طالباً، وقد يقلّ أو يزيد من مدرسة إلى أخرى، “ما يصعب من تطبيق مفهوم التعليم التعاوني”.

ورغم تأييده لأي تطوُّر في العملية التعليمية، يرى المعلم أن اعتماد المناهج على البحث العلمي، ومواكبة الانفجار المعرفي،  وافتقار المدارس للأجهزة والأدوات والإنترنت وعدم توفُّر الكهرباء، أدى لعدم الوصول إلى الأهداف الحقيقية للتطوُّر.

 ومنذ بدء الحرب السورية عام 2011، عدّلت حكومة دمشق معظم مناهجها التعليمية عدّة مرات.

ونشرت صحيفة “الوحدة” المُقرّبة من الحكومة، الاثنين الماضي، صورة لمدرسة “التربة”، في قرية عين البيضا، باللاذقية، وهي تفتقر لأبسط الحاجات التعليمية.

“نظام حلزوني”

ولا يتّفق “حسن”؛ مع الفكرة التي تدّعيها لجنة تطوير المناهج في الحكومة أنه نظام “حلزوني”، أي يبدأ بالمعلومات البسيطة في الصف الأول وينتقل تدريجياً مع كلّ صف، “لكننا نرى عكس ذلك في بعض المواد”.

فكتاب علوم الصف الثاني بسيط وغير ملامس للواقع، في حين يوجد في الصف الأول بحثاً مهماً وصعباً، وكذلك نفس الأمر في الصف الرابع والخامس، بحسب قول “حسن”.

والنظام الحلزوني؛ يعتمد على مراجعة المحتوى الذي تمّ شرحه مُسبقاً أثناء الدرس، إضافة إلى الصعوبة التدريجية، حيث يتمُّ تقديم الموضوع في البداية بطريقة بسيطة، وفي وقتٍ لاحق؛ يتمّ التعامل مع الموضوع مرة أُخرى، حيث يُضاف مزيداً من التفاصيل، وستكون أكثر تعقيداً من المرة الأولى.

ولصعوبة استخلاص المعلومات التي تعتمد على البحث، وعدم القدرة على مواكبتها، اضطرّ البعض للاستعانة بالدروس الخصوصية والمعاهد والمدارس الخاصة.

وهذا أدّى بدوره؛ لزيادة الفروقات بين مستويات المُتعلّمين، وازدياد الفجوة بين مُحصِّلاتهم؛ تبعاً للوضع المادي والمعيشي للعائلة، وذلك في ظلّ ظروف مادية لا طاقة للقسم الأكبر من العائلات على احتمالها.

وتقول، منى سلمان، (35 عاماً)، اسم مستعار لوالدة طالبين في السويداء، إن معظم الأُسر يصعب عليها تأمين أجهزة حواسيب محمولة لأبنائها؛ وخاصة أنها أصبحت ضرورة للمناهج في ظلّ التدهّور الاقتصادي الحاصل.

وتُشير إلى أن، هذه المناهج فرضت على ذوي الطلاب مفهوم الدروس الخصوصية، لأنه وبحسب قولها، “طريقة استخلاص المعلومة القيّمة من الدروس صعبة عليهم حتى وإن كانوا مُتعلّمين”.

وتتساءل، ما الغاية من تطوير المناهج ونظام التحصيل المدرسي يعتمد على العلامة النهائية لامتحان الثانوية؟، “فالطّالب يهتمّ بالبحث العلمي والثقافي في دراسته، وفي الامتحان النهائي يمرض أو ينسى المعلومات فيرسب”.

“بعيدة عن الواقع”

ويجد آرام الخطيب، (17عاماً)، اسم مستعار لطالب في صف الحادي عشر العلمي، بالسويداء، صعوبة في التأقلم مع المنهاج، “فهو كثيف”.

ويُشير إلى أن، المناهج الأجنبية، بما يُعرف بـ”سلسلة إيمار” للغتين الإنكليزية والفرنسية، لم تلقَ استحسانه، “هكذا سلسلة تعليمية من المفترض أن تبدأ التعليم بها من الصفوف الابتدائية، وتتطوّر في كل عام حتى الوصول إلى المرحلة الثانوية”.

ويؤكّد، آصف أبو لطيف، دكتور في التربية المقارنة والإدارة التربوية، بالسويداء، على إيجابيات المناهج المطوَّرة، “كيف عُزِّزت بأفكار علمية، وسلّطت الضوء على القضايا المعرفيّة والمجتمعيّة”.

بالإضافة إلى محاولات المناهج؛ بمحاكاة مهارات القرن الواحد والعشرين، وتشجيع الأنشطة التفاعلية، وتعزيز مهارات التفكير والإبداع والتعلُّم، وربط المفاهيم العلمية بالحياة.

وكما أكّدت تلك المناهج، بحسب “أبو لطيف”، على أهمية التكامل بين المواد الدراسية، وانسجامها، وحاولت إدخال التقانة وتوظيفها في العملية التعليميّة والتعلُّميّة.

ولكن ومن وجهة نظره، فإن المناهج لم تستطع تحقيق الأهداف المرجوّة منها؛ “وذلك لابتعادها عن الواقع وعدم أخذها بعين الاعتبار جهوزية المُعلّم والتلميذ والمدرسة”.

فعلى الرغم من وضع برنامج تدريبي وتأهيلي للمعلمين؛ لتدريبهم على كيفية التعامل مع تلك المناهج، إلا أن تلك الدورات كانت مُختصرة وغير احترافية، ولم تأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين المُعلِّمين وظروفهم وواقعهم المعيشي والمادي، بحسب قول الدكتور.

ويرى “أبو لطيف”، أن المعلم يحتاج وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً للتأقلم مع تلك المناهج.

ويتّفق هو الآخر، مع “حسن”؛ بأن المناهج الجديدة بعيدة عن واقع المدارس، وسوء تجهيزاتها وبنيتها التحتية، ومشكلة الكثافة الصفيّة.

كما أن إدخال مفاهيم جديدة على حساب الخطة الدراسية المزدحمة أصلاً، كالتعلّم الوجداني والعاطفي والتربية المهنية لاحقاً وغيرها، أرهقت المدرسة والتلميذ والمعلم وذوي الطلاب، بحسب “أبو لطيف”.

ويُشدّد “أبو لطيف”، على أن المناهج التربوية المطوّرة؛ يجب أن تخضع لتعديلات جوهرية شاملة، وخاصة فيما يتعلّق بكثافة المواد الدراسيّة، وتحسين البُنية التحتيّة للمدارس، ورفدها بالتجهيزات والوسائل الضرورية.

إعداد: رزان زين الدين- تحرير: سوزدار محمد