بناء في حلب إنهار وآخر هدم و9912 مصنفة كـ”عالية الخطورة”

حلب – نورث برس

للحظة أغلقت السماء أنوارها في عيون محمد مدبس (27 عاماً) من سكان حي الفردوس شرق حلب، حتى وصل إلى أمام البناء المنهار، وهو يرسم في مخيلته رسوماً علّها تُغير فكرت أن عائلته جميعها تحت الركام.

عند الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم، تلقى الشاب الذي كان يعمل في مشغل للخياطة اتصالاً من أحد معارفه في الحي يخبره بأن عائلته فارقت الحياة.

ذهب مسرعاً وهو يواسي نفسه بأنه حلم وسيستيقظ منه، لكن خمس ساعات مرت ولم يخرج أحد من أفراد عائلة “مدبس”، من تحت الأنقاض رغم أن فرق الإنقاذ تعمل على إخراج العالقين.

لم يكن بمقدور الشاب، وهو أيضاً طالب سنة ثانية في الهندسة الكهربائية، استيعاب فكرة أنه بقي وحيداً دون عائلة أصبح أفرادها بلحظة أمواتاً، تحت أنقاض البناء المنهار.

وفي وقت العصر من السابع من هذا الشهر، فقد الشاب العشريني ستة أشخاص من عائلته في كارثة الانهيار، هم “ثلاثة أخوة (شاب وفتاتين)، ووالدته، إضافة لزوجته وجنينها الذي لم يرَ النور بعد، وابنته التي لم يتجاوز عمرها السنة والنصف”.

وقال مسؤول في الدفاع المدني، لنورث برس، حينها، “إنهم تمكّنوا من إنقاذ طفلين وسيدة من بين الأنقاض، مصابين بكسور عدّة، نُقلوا إلى مشفى الرازي الحكومي”.

وأضاف، أن فِرق الإنقاذ، قامت بانتشال 11 جثة, في البداية تعود لـ”سبع نساء ورجل وثلاثة أطفال”.

انهيارات سابقة وإهمال حكومي

يقع البناء في الجزء الشرقي من مدينة حلب، ويبعد عن جسر الحج حوالي الواحد كيلو متر، ويعد الحي من الأحياء السكنية الشعبية ذات الكثافة السكانية.

والبناء مكون من خمسة طوابق، وتم الانتهاء من إعماره قبل تسعة أشهر، كما قال سكان في الحي. 

وسبق أن عاشت هذه الأحياء في الجزء الشرقي للمدينة، عدّة انهيارات لأبنية سكنية، آخرها كان في كانون الأول/ ديسمبر، الماضي، في حي الصالحية.

بين عامي 2012 و2016، سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على أحياء في حلب، وتعرضت تلك الأحياء لقصف بالطائرات الحربية والبراميل المتفجرة، ما ألحق دماراً في بنيتها التحتية.

ولكن “إهمال” المؤسسات الحكومية، بحسب سكان، لتلك الأحياء الشعبية، على اعتبار أنها مناطق مخالفات، دفع الكثير من المتعهدين للاستثمار فيها وإعادة بناء ما تم تدميره.

وإعادة البناء جرت بمتابعة من البلدية (مجلس المدينة بحلب) والذي يتفرع عنه قطاعات كلٌ منها مسؤول عن تقديم الخدمات لعدد من الأحياء، بحسب التوزيع المقرر من المجلس.

وحمَّل سكان في تلك الأحياء، (مجلس المدينة)، مسؤولية الإهمال في مراقبة المتعهدين، والذي كانت نتائجه كارثية على السكان.

“تعمي البصر وتأتي بالقدر”

يصف رضوان مكاراتي (35 عاماً)، وهو من سكان حي الفردوس، يقيم بالشارع المجاور للبناء المنهار لحظة الانهيار، فيقول: “تعمي البصر وتأتي بالقدر، لم يكن الصوت قوياً بمقدار الغبار الذي انتشر في الشارع وحجب الرؤية ولم يعد أحد يعلم ما حدث حتى مضي دقائق وهدوء الغبار لتظهر الكارثة في رؤية ركام البناء”.

يضيف “مكاراتي” لنورث برس: “تجمع السكان حول البناء لمحاولة سماع أصوات عالقين أو إخراج أحد ولكن الأمر كان صعباً”.

ويصف الرجل، يوم الانهيار بـ”المأساوي الذي تدمى له القلوب قبل العيون”، مضيفاً: “ولحظات إخراج جثث الأطفال والنساء من تحت الركام لا يتمنى مشاهدتها أي أب أو أم كونه مشهد يصعب تصوره إلا ضمن الأفلام”.

وبعد مضي 7 ساعات من عمليات البحث وإخراج 11 ضحية كانوا من النساء والأطفال، استكملت فرق الإنقاذ البحث في اليوم الثاني لتخرج جثتين لطفلين أحدهما هو أخ محمد مدبس يدعى محمود (13 عاماً) والآخر طفل بعمر خمس سنوات وبذلك ارتفعت الحصيلة إلى 13 ضحية.

وما أن انتهت فرق الإنقاذ من البحث، حتى أخلى مجلس محافظة حلب، مبنى في حي الصالحين شرقي حلب، بعد ورود معلومات عن أن البناء يعاني هبوطات في الأساسات.

“مبينة بغير أساس”

وحول وضع الأبنية في الجزء الشرقي للمدينة، قال معن مدلجي وهو رئيس البلدية في حلب، لنورث برس، إن معظم المباني مهددة بالانهيار، وأن المساحات في تلك المناطق مبنية بغير أساس أو حتى خضعت لتخطيط هندسي”.

وأضاف “مدلجي” أن “البناء المنهار هو ضمن منطقة سكنية عشوائية، وبحسب تقارير للجنة السلامة العامة واللجان المختصة، فإنه تم تصنيف وجود 9912 مبنى عالية الخطورة وكان يجب إزالتها لكن ذلك يدمر المدينة”.

وذكر “مدلجي” أن الوضع الإنشائي للأبنية ضمن الأحياء التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، قامت به الشركة العامة للدراسات الفنية واطلع عليه المحافظ ووزير الإدارة المحلية منذ عام 2019.

ولكن المسؤول لم يتطرق للحديث عن تعويضات قد تمنح للمتضررين من انهيار البناء أو حتى تأمين مسكن لذوي الضحايا يأوون إليه.

وبحسب سكان في الأحياء الشرقية، “هناك الكثير من الأبنية التي تمت إعادة بنائها وبموافقة البلدية، لكن دون إيجاد حل للأبنية التي تهدد حياة السكان”.

وفقد “مكاراتي” والدة زوجته واختها وأطفالهم، “كانوا ضحية جشع تجارة المال والاتجار بأرواح البشر”، يقول الرجل.

وبعد يومين من الحادثة، أعلنت قيادة شرطة مدينة حلب، الجمعة، عن إلقاء القبض على مجموعة من المتورطين بتشييد البناء الذي انهار بالسكان في حي مساكن الفردوس.

وصرح مصدر خاص من قيادة شرطة حلب، لنورث برس، أن “المسؤول عن تشييد البناء هما الشقيقان محمد وعمر عبود وهم الآن قيد الاعتقال والتحقيق معهم، فيما لايزال باقي الشركاء احمد وجمال هاربين”.

ويملك كل من الأخوة الأربعة مكتباً لتجارة البناء والتعهدات في الحي واختفيا لحظة انهيار البناء بالسكان.

كما تمت الرجوع إلى السجلات وتوقيف كل المسؤولين عن الأعمال الخدمية في فترة تشييد البناء، إضافة لتسليم جثامين الضحايا لذويهم للدفن والعزاء.

وبذلك تبقى مشاكل السكان عاقلة بين بناء منهار لفساد موظفين وإجلاء دون تعويض وأطفال بحاجة للدعم بمختلف أشكاله مع افتتاح العام الدراسي خاصة مع اقتراب دخول فصل الشتاء.

إعداد: رافي حسن – تحرير: قيس العبدالله