مالا تجهر به روسيا عبر قنواتها الرسمية

مالا تجهر به روسيا عبر قنواتها الرسمية (السياسية أو الدبلوماسية)، بخصوص الأزمة السورية، وخصوصاً ما يتعلق منها بالنظام السوري، تُعلن عنه عبر قناة غير رسمية، لكنها ذات مصداقية عالية، تتمثّل بشخص، رامي الشاعر؛ وثيق الصلة بوزارة الخارجية الروسية.

كتب السيد رامي الشاعر، بتاريخ 25/8/2022، مقالة مطوّلة نسبياً، بعنوان” حوار دمشق مع القامشلي وأنقرة؛ الخطوة الأولى والأخيرة للحلّ السوري”،  وذلك بعيد زيارة وزير الخارجية السوري، إلى موسكو، والمؤتمر الصحفي، الذي عقده مع السيد لافروف. يقول الشاعر في مستهل مقالته: ” يُشير منطق التفكير الإيجابي البنّاء، وفقاً لجميع الأُطر والمعايير السياسية للعلاقات الدولية؛ إلى أن العلاقات الثنائية بين الجارتين سوريا وتركيا، لا يمكن أن تستمر على وضعها الراهن للأبد، وتقتضي مصلحة البلدين أن يعود التعاون والصداقة وتبادل المصالح ..”. في هذه العبارة يغمز الشاعر إلى النظام السوري، كما يفهم من سياق المقالة، إذ أن الوساطة الروسية مع تركيا، قطعت أشواطاً لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، مما جعل الشاعر يقول بثقة: ” إن امكانية التقارب أصبحت قريبة جداً”، لكن ذلك يتطلّب من “القيادة السورية”، القيام بخطوات عملية على الأرض، ويحدّد الشاعر هذه الخطوات؛ بأن يبدأ النظام “بحوار جدّي مع المعارضة السورية ..اليوم لا غداً..”، وأن لدى تركيا بحسب الشاعر: ” الكثير من الحلول للمساعدة..”، وإذا كانت تركيا لا تضع شروطاً مُسبقة للحوار مع النظام السوري؛ بحسب الشاعر، غير أن التقارب معها يحتاج إلى حديث مع “المعارضة”، وحديث آخر أكثر دقة وحساسية بشأن “القضية الكردية”.

يعتقد الشاعر، أنه ” بعد مرور أكثر من عشر سنوات؛ على اندلاع الحرب الأهلية، أصبح من الواضح والمعروف للأطراف السورية ما يجب عليهم جميعاً القيام به؛ لإنقاذ بلادهم وتخفيف معاناة شعبهم”. هنا السيد الشاعر يُجانب الحقيقة، فليس جميع أطراف الأزمة السورية يدركون ما ينبغي عليهم فعله لإنقاذ بلدهم وشعبهم، والأصح هم لا يريدون ولا يعنيهم الأمر بقدر ما يعنيهم المحافظة على مواقعهم وامتيازاتهم، وإذا كانت الخطوة الأولى مطلوبة من “النظام”، بصفته الممثل “الشرعي الوحيد  للدولة السورية والشعب السوري” ، فإن تركيا ” ستتجاوب مع مثل هذه الخطوة”؛ بحسب الشاعر، وإذا تطلّب الأمر لقاءً بين الرئيسين؛ فسوف” ينعقد هذا اللقاء بكل تأكيد”، لكن من غير الممكن عقد هكذا لقاء، وعلى هذا المستوى قبل أن يقوم نظام دمشق بمبادرة فعلية وجدية من أجل “حوار واقعي وبناء مع المعارضة… على أساس القرار2254 “، هذا ما يطلبه “منطق التفكير الإيجابي البنّاء..”؛ الذي استهل به الشاعر مقالته، إلا أن النظام السوري لم “ينضج” بعد بما فيه الكفاية؛ بحسب الشاعر، ليدرك أن الاستمرار بالتفكير بمنطق ما قبل الأزمة لم يعد صالحاً لحلها.

 لقد لاحظ الشاعر، الفرق الكبير بين ما صرّح به وزير الخارجية السوري، ووزير خارجية روسيا الاتحادية، في المؤتمر الصحفي، الذي عُقد بتاريخ 24/8/2022، فبينما أكّد لافروف؛ على ضرورة ” الحوار ” لحلّ الأزمة السورية، وعلى تنفيذ  “القرار 2254″، وأن الطريق الوحيد إليه هو العمل في إطار اللجنة الدستورية، في المقابل ركّز المقداد، على الخطوات المطلوبة من تركيا، وهي احترام “سيادة الدول، والتوقّف عن دعم  الإرهاب، وعدم التدخُّل في شؤون الدول”، وهي مطالب مُحقّة بلا شك، لكنها تتجاهل أن سوريا، شهدت صراعاً مسلحاً، دام نحو اثنتي عشرة سنة، يعني ذلك، بحسب الشاعر؛ أن القيادة في دمشق، لم ” تنضج بشكل جدّي للمشاركة في حلّ سياسي، منطقي وواقعي، يضمّ جميع أطياف الشعب السوري..”، وبالتالي فهي لا تزال تُصرُّ على الدوران في حلقة مُفرغة، متجاهلة ما يعانيه الشعب السوري، وأن هذا الواقع؛ يمكن أن يستمر عقوداً من السنين، تصير خلالها وحدة سوريا مهدّدة بالتقسيم.

اللافت أيضاً، في مقالة السيد  الشاعر، حديثه عن القضية الكردية، وما يقترحه من حلٍّ لها، ونفيه المطلق لوجود نزعة انفصالية لدى الكُرد السوريين كحالة عامة، يلفت السيد الشاعر، الانتباه إلى وجود مصالح ضيقة تعمل على بقاء “الأوضاع” في مناطق الوجود الكردي كما هي عليه؛ لتحقيق مكاسب ” سياسية وحتى مادية”. لحل هذا الإشكال وتجاوز هذا الوضع؛  ينبغي الشروع بـ “حوار” عاجل بين دمشق والكُرد، وتحديداً ” مسد “، إذ لا يمكن تجاهل ما قدمته “القوات الكردية المسلّحة لمحاربة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها”، أضف إلى ذلك، لم يعد من الممكن تجاهل “حق الكُرد الشرعي بالمطالبة بحقوقهم الثقافية والاجتماعية، واعتماد اللغة الكردية في إطار إدارة ذاتية يعتمدها التعديل الدستوري..”.

من حيث المبدأ السياسي والتاريخي والأخلاقي؛ من حق الكُرد أن يكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة، غير أن الجغرافيا السياسية التي رسمها سايكس وبيكو للمنطقة؛ تحول دون ذلك، وإذ يُشير الشاعر، إلى القضية الكردية في مقالته، فهذا يعني أنه يتم تداولها بين روسيا وتركيا والنظام السوري، وربما مع دول أخرى؛ كإحدى القضايا التي ينبغي أن يشملها أي حلّ نهائي للأزمة السورية. مع ذلك ينبغي الإقرار، بأن القضية الكردية في سوريا، معقدة جداً، وتثير الهواجس في الداخل والخارج، فهي ليست قضية داخلية بحتة، بل قضية إقليمية أيضاً، ومن المشكوك به إلى حدٍّ كبير، أن يوافق النظام السوري والنظام التركي على وجه الخصوص، على أي حلّ؛ يعطي الكُرد أكثر من بعض الحقوق الثقافية، ونوعاً من الإدارات المحلية المعتمَدة في سوريا بموجب القانون 107.