مخاوف من تمدّد الصحراء.. الجفاف يُنذر بكوارث بيئية وغذائية في شمال شرقي سوريا

الحسكة – نورث برس

تحت وطأة حرارة الصيف، يتحسّر علي، على أشجار الفاكهة في بستانه، على ضفاف نهر الخابور، بريف مدينة الحسكة، بعدما أهلكها العطش، وحول أوراقها الخضراء إلى يابسة.

وكانت منطقة حوض الخابور، في الجزيرة السورية، تعُرف بأنها من أغنى المناطق الزراعية الخصبة، إلا أن شحّ الأمطار في العامين الأخيرين، وقطع تركيا للمياه عن النهر منذ نحو ست سنوات، أدت بمساحات خضراء للاختفاء، وتحوّلت إلى أراضٍ جافة متشققة.

وبات التغيّر المناخي؛ الذي يعصف بالمنطقة، يهدّد مصير الزراعة التي تعدّ الركيزة الأساسية للاقتصاد، ومصدراً رئيسياً لدخل آلاف العائلات.

لمتابعة جميع الأخبار… حمل تطبيق نورث برس من متجر سوق بلاي

وعلى أطراف قريته شموكة، شمالي الحسكة، يُمسك علي أمين، (30 عاماً)، أوراق أشجاره اليابسة وينثرها على الأرض، بعدما قضى الجفاف على العشرات منها.

ويقول المزارع الشاب، الذي يضع قبعة خضراء، ويشد ظهره بوشاح أبيض وأسود، إنه وبسبب جفاف الخابور، وشحّ الأمطار، “لم تعدُ المياه الجوفية تكفي لسقاية أراضينا”.

ويُضيف، وهو يقف أمام شجرة تفاحٍ يابسة، “هذه الأشجار مصدر رزقنا، لكن 100 شجرة قد يبست، بسبب الجفاف”.

وكغيره من المزارعين يعتمد “أمين”، على الآبار لريّ محاصيله، إلا أنها باتت على وشك الجفاف أيضاً، بسبب استهلاك المخزون الجوفي بكثرة؛ في الأعوام الأخيرة جرّاء شحّ الأمطار.

وسنوياً، كان المزارع يحصد مواسم وفيرة من أشجاره المزروعة بالتفاح والمشمش والخوخ والدراق والعنب وغيرها، قبل أن يتراجع إنتاجه في السنوات الأخيرة.

ويُعبّر “أمين”، عن مخاوفه من استمرار الجفاف، الذي سوف يقضي على جميع أشجاره، “سنترك مهنتنا ونهاجر إذا بقي الحال هكذا”.

تمدّد الصحراء

ويخشى مراقبون، أن يؤدي استمرار الاحتباس المطري، إلى كارثة بيئية وغذائية، في مناطق شمال شرقي سوريا، في ظلّ مؤشراتٍ على جفاف الكثير من الآبار في المنطقة، بسبب استهلاك المخزون الجوفي للمياه بكثرة.

ويصف طراد شيخ إبراهيم، مهندس بيئي، من الحسكة، جفاف الخابور بأنه “كارثي”.

وكانت مياه النهر، تزيد من نسبة الغطاء النباتي، إذ كانت تُغذّي المياه السطحية للآبار؛ التي بدورها كانت تستخدم لسقاية المحاصيل الصيفية والشتوية.

ولجفاف الخابور تأثير على تلوّث البيئة؛ بسبب موت النباتات، والأشجار، وقلة الرطوبة في الجو؛ التي بدورها تزيد من نسبة الغبار والغازات، بحسب المهندس.

ويُرجع مراقبون للوضع البيئي في مناطق شمال شرقي سوريا، شحّ الأمطار؛ إلى الاحتباس الحراري جرّاء القطع الجائر للأشجار، بهدف بيع حطبها خلال السنوات الفائتة، وزيادة نسبة العوادم من السيارات والمعامل والمولدات في المدن؛ والتي تُشكّل جميعها زيادة في نسبة ثاني أوكسيد الكربون وقلة الاوكسجين في الجو.

ويُحذّر “إبراهيم”، من مواجهة المنطقة لكارثة بيئية في المستقبل، “ففي حال لم تهطل الأمطار، ستتجه المنطقة نحو الأسوأ، وتتحرّكُ الصحراء وتزحف من الجنوب إلى الشمال، بطريقة عكسية بعدما كانت من الشمال إلى الجنوب”.

ويختصر المهندس البيئي، هذه المخاطر، بأن “مصيرنا يتعلق بالأمطار ووعي السكان بالاستهلاك للمياه الجوفية”.

“الحالة مأساوية”

وزادت نسبة الجفاف والتصحّر بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، وباتت ملامح هذه الأزمة، تلوح في الأفق، وخاصة أن منطقة الجزيرة السورية، التي تعدّ بمثابة السلة الغذائية للبلاد، باتت تواجه تراجع في محاصيلها؛ التي أثّرت حتى على الثروة الحيوانية التي تحتل المرتبة الثانية.

وتحت خيامٍ، على أطراف مدينة الحسكة، وصل، آيات الله نومان، ( 50عاماً)، الذي ينحدر من محافظة حماة، قبل أيام قادماً من مدينة الرقة، بعدما أنهكه ارتفاع أسعار ضمان الأراضي الزراعية؛ التي يعتمد عليها كمرعى لماشيته لأكثر من 100 ألف ليرة للدونم الواحد.

ويقول “نومان”، وهو يقف بالقرب من أغنامه التي أنهكها الجوع، “نحن بحالة مأساوية، الثروة الحيوانية سوف تنعدم؛ كوننا نعيش منذ سنتين في جفاف لعدم هطول الأمطار”.

ويُشير، إلى أن أسعار ضمان الأراضي الزراعية، التي يتخذها مرعى للماشية؛ باتت باهظة الثمن؛ بسبب تراجع المساحات الزراعية.

والعام الماضي، كان لدى مربي الماشية 600 رأس، تبقّى منها حالياً  150رأس فقط، وكان لدى الأقرباء نحو 2000 رأس، تراجع عددها إلى 100رأس، بحسب ما يذكره لنورث برس.

ويستطّرد: “العام الماضي بِعتُ إحدى سياراتي؛ لشراء العلف للماشية، بعد أن كانت على حافة النفوق”.

ويُضيف: “في حال استمر الجفاف سيكون الوضع صفر”، في إشارة منه إلى مخاطر الجفاف على الثروة الحيوانية في المنطقة.

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: سوزدار محمد