“البالة” من محدودية الزبائن إلى أسواق شعبية تعجُّ بالحركة

اللاذقية – عليسة أحمد – NPA
لم تكن تلقى الملابس الأوروبية المستعملة والمعروفة شعبياً بـ (البالة) إقبالاً شديداً سابقاً مثلما تشهده اليوم نتيجة ظروف فرضها واقع الأحداث القائمة منذ أكثر من ثماني سنوات. 
الواقع الذي يتلخص في التراجع الاقتصادي والتدهور المعيشي دفع المواطنين لاتخاذ الملابس الأوروبية المستعملة (البالة) ملجأً لهم ولأسرهم من نار أسعار الألبسة التي أشعلتها الأزمة الاقتصادية والتأرجح الجنوني لسعر صرف الدولار الأمريكي.
وكان السوريون قادرون على شراء الملابس والبضاعة الجديدة، إذ أن المعامل الحلبية لوحدها كانت قادرة على إغراق السوق السورية بكل أنواع الألبسة، في حين أن البضاعة السورية كانت متوفرة وتقوم بإكساء أسر بأكملها وبسعر يتناسب لحد ما مع دخل السوريين.
فيما تأثر هذا القطاع نتيجة الأحداث التي جرت في مدينة حلب وريفها، وبشكل خاص في المصانع التي جرى تفكيك بعضها وتدمير القسم الآخر ما تسبب بتوقف هذا القطاع.
تحول البالة لأسواق تعج بالزبائن
تقول هالة صهيوني، وهي أم لأربعة أطفال متفاوتي الأعمار أنها "مضطرة للشراء من البالة لعدم القدرة على مجاراة غلاء أسعار الملابس التي يعادل سعر قطعة واحدة منها لباس عائلة بأكملها من البالة".
وترجع هالة السبب، في إقبالها كغيرها من الناس على هذا النوع من البضاعة، إلى "الراتب الذي لم يعد يكفي لكل متطلبات الحياة".
بينما قالت مايا حداد وهي طالبة جامعية أنها لبست من البالة لمرات محدودة، ولم تكن من مرتادي هذه المحلات، بشكل معلن واصفة حالتها سابقاً أنها "خجل من شراء ألبسة مستعملة".
وأوضحت أن هذا الحرج زال بعد أن أصبح كل جيرانها وصديقاتها يتفاخرون بما يصطادونه من قطع ملفتة من حيث التصميم أو نوعية الأقمشة، وبعد أن أصبح الشراء من البالة أمراً طبيعياً.
أما عمار إدريس، الموظف الحكومي يجد أن البالة أنقذته من مصيبة لم يكن يعرف لها حل، إذ أن دخله المادي لا يكفي لإكساء عائلته المكونة من زوجته وخمسة أولاد معظمهم في الجامعات.
ويضيف عمار أنه لم يكن يشجع البالة من قبل "لأنها تنافس صناعتنا لكن ضيق الحال فرض علينا هذا الواقع الذي نأمل ألا يستمر ونتمنى عودة البضاعة السورية إلى سابق ألقها".
رواج أكبر بعد الأحداث
يقول عبد الله الجاجة، أحد الباعة في إحدى محلات البالة أن محلاتهم شهدت انتعاشاً ورواجاً أكبر بعد الحرب، مضيفاً "أصبحت كافة الشرائح الاجتماعية تشتري من محلاتنا بكثرة وبدون إحراج ويتسابقون للتوصية على قطع معينة".
وأوضح آلية الشراء حيث أن عملية الشراء تتم بالوزن، بينما يتوزع السعر على القطع التي تباع، وأكد أن حركة الأسواق تشهد أحياناً كسلاً في بعض المواسم بسبب ما وصفه بـ"وضع الدولار الذي بات يتحكم في كافة مناحي حياتنا، ولابد من إيجاد حل له".
"مفرزاتٌ للحرب الاقتصادية"
فيما يعتبر الخبير الاقتصادي علي عباس أن "رواج البالة من مفرزات الحرب الاقتصادية التي أفقرت الناس، والتساهل الحكومي برواجها هو فقط رأفة بالناس".
وأردف: "أغلبية الشعب السوري يقع تحت خط الاكتفاء وطبقة الفقر تتسع يوماً بعد يوم على حساب الطبقة الوسطى التي كانت تمثل غالبية السوريين، ما ينبئ بطبقية جديدة وكارثة اقتصادية إذا لم تنهض الصناعة السورية من جديد وبسرعة".