عراقيون في مخيم الهول يتخوفون من جرائم القتل المستمرة

الهول –  نورث برس

بينما كانت تتحدث لاجئة عراقية وهي تغطي وجهها بوشاح أسود لا يُظهر سوى عينيها، عن أوضاعهن في مخيم الهول، تمد امرأة أخرى، وصلت إلى الجموع التي تجمهرت في المكان، يديها لتنزل كامل الوشاح على وجه اللاجئة في محاولة منها إخفاء عينيها لعدم معرفة هوية المتحدثة، دون أن يكون للأخيرة أي رد فعل.

وقالت اللاجئة التي تسكن في القطاع الثالث الخاص باللاجئين العراقيين، إن السمة الرئيسية في المخيم هي “الخوف والرعب والجوع”.

ورغم كل الإجراءات الأمنية المتبعة في المخيم الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة من قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلا أن خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما تزال ترتكب جرائم قتل.

ويتخوف سكان المخيم وخاصة العراقيون من تفاقم الأوضاع الأمنية، إذ غالباً ما تستهدفهم خلايا “داعش” في القطاع الذي يأويهم.

وأشارت العراقية التي تنحدر من محافظة صلاح الدين الواقعة إلى الشمال من العاصمة بغداد إلى أنهم من الخوف تنام عدة نساء في خيمة واحدة، “أوضاعنا سيئة للغاية، كل ما هو سيء نجده في المخيم”.

وزادت على ذلك، “نحن نعيش بجوع وعوز وخوف ورعب، لا نعرف خلال الليل من ينقض علينا، كما هناك عصابات مافيا تتواجد في المخيم، لا نعرف العدو من الصديق”.

ويضم مخيم الهول الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة، 56.775 شخصاً ويشكل اللاجئون العراقيون غالبيتهم، بينما يسكن الآلاف من زوجات وأطفال عناصر ومعتقلي “داعش” الأجانب في قسم خاص ضمن المخيم.

“المخيم جحيم”

ومنذ بداية العام الجاري وحتى الآن، سجل المخيم 17 حالة قتل، استهدفت 9 سوريين بينهم موظف في الهلال الأحمر الكردي و8 عراقيين، وغالبيتها تمت بواسطة أسلحة نارية، بحسب مصدر أمني في المخيم.

وفي الواحد العشرين من الشهر الماضي، عثرت “الأسايش” على لاجئ عراقي، مصاب بخمس طلقات نارية في المخيم.

وفي ظل تجاهل دول كثيرة لقضية إجلاء رعاياها من عائلات مسلحي “داعش”، لا يبدو أن هناك حلولاً في الأفق لوضع حدّ للجرائم التي بدأت تزداد بشكل لافت منذ ثلاثة أشهر.

وتحدث اللاجئ العراقي الذي فضل هو الآخر عدم نشر اسمه، عن الرعب الذين يعيشونه في المخيم، ويقول بلهجته، “احنا الرعب قتلنا، ما عاد نقدر نتحمل، الله وكيلك من لا جارى عايشين، عايشين على أعصابنا”.

وأضاف الرجل الذي ينحدر من محافظة صلاح الدين، “الخوف والرعب بكل وقت، لا تعرف من هو عدوك ومن هو صديقك”.

وأشار اللاجئ إلى أنه من “أذان المغرب نبقى في خيمتنا ولا نستطيع الخروج لأي مكان آخر، حتى بات الخروج لقضاء حاجاتنا في الليل صعب علينا من الرعب الذي نعيشه في المخيم من قتل ونهب”.

ووصف العراقي حياته في المخيم، “بالجحيم. لا أتمنى حلول الليل، لا تعرف ماذا يصيبك خلال الليل”.

وفي ظل هذا الوضع، يطالب لاجئون عراقيون حكومة بلادهم بالإسراع في إعادتهم لبلدانهم.

“إجراءات بيروقراطية”

وفي آذار/ مارس الماضي، زار وفد عراقي، مناطق شمال شرقي سوريا بهدف إعادة المزيد من اللاجئين العراقيين الموجودين في مخيم الهول.

وبعد نحو ثلاثة أسابيع من تلك الزيارة، شدد علي عباس المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية، على حرص العراق على إعادة كل رعاياه من المخيم “بغض النظر عن انتمائهم للتنظيم داعش، إذ سيكون هناك مؤسسات أمنية وقضائية تتولى أمورهم”.

وأضاف حينها في تصريح لنورث برس: “أما بالنسبة للآخرين الذين لم تثبت عليهم مشاكل أمنية أو ارتباط بالتنظيم، سيتم وعبر آلية معينة إعادتهم إلى مناطقهم”.

ولكن في ذات اليوم، قال نائب الرئاسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فنر الكعيط لنورث برس، إنه “قبل نحو ثلاث سنوات زار وفد عراقي شمال شرقي سوريا، وطلب التعاون من أجل استعادة نحو 32 ألف عراقي من اللاجئين في المخيمات وعائلات عناصر داعش”.

وأشار إلى أن الإجراءات “البيروقراطية” ولأسباب تتعلق بالداخل العراقي، أخرت عملية نقل هؤلاء حتى الآن.

“نعيش في رعب”

ولم يكن لأم محمد وهي لاجئة عراقية، رأيٌ مغاير لما سبقها، فهي الأخرى تعيش بحالة قلق دائمة، وتقول: “في اليوم الواحد نموت مئة مرة من الخوف، نخاف على أرواحنا وعلى أطفالنا، نعيش في رعب وخوف مع قدوم الليل وليس برفقتنا أي رجل”.

وأضافت أم محمد التي اكتفت بالتعريف عن نفسها بهذا الاسم، “ليس هناك أمان أو استقرار أو راحة بال في المخيم، رعب فظيع، نتمنى أن يرحمونا ويعيدونا إلى بلادنا”.

وفجر الثامن والعشرين من آذار/ مارس الماضي، أطلقت قوى الأمن الداخلي بمساندة وحدات خاصة من قوات سوريا الديمقراطية عملية أمنية تحت اسم “حملة الإنسانية والأمن” للبحث عن منفذي جرائم القتل.

وتم إلقاء القبض خلال الحملة التي استمرت نحو أسبوع، على 125 عنصراً من خلايا “داعش” النائمة, 20 منهم مسؤولين عن الخلايا والاغتيالات التي حدثت في المخيم.

كما تم العثور على مستلزمات عسكرية ودارات إلكترونية تستخدم في تحضير العبوات الناسفة، بحسب بيان صدر عن قوى الأمن الداخلي مع انتهاء الحملة.

وفي شهادة أحدهم اقترب من مراسلنا وأخبره بأن النساء الثلاث اللواتي كن بين الفنية والأخرى يقتربن من الجموع ويسترقون السمع للنسوة اللواتي كن يتحدث للكاميرا هن من جهاز الحسبة التابع لتنظيم الدولة والذي شكل في المخيم.

وطالبت لاجئة عراقية أخرى كانت تقف بجانب أم محمد بالعودة إلى بلادها وقالت بلهجتها، “ما كو أمان، ماكو راحة راحة بال واستقرار”.

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: سوزدار محمد