قانون الجريمة الإلكترونية يلاحق السوريين عبر وسائل التواصل ويقضي على متنفسهم الوحيد
دمشق- نورث برس
منذ يومين، ينشغل رائد هادي (34 عاماً)، وهو اسم مستعار لأدمن صفحة محلية مهتمة بنقل الأخبار الخاصة بدمشق، بحذف منشورات قديمة نشرها بين عامي 2017 و2022، كانت ناقدة للمؤسسات الحكومية والواقع الخدمي في البلد.
وبعد دخول قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية حيز التنفيذ، تخوف الشاب الثلاثيني أن تظهر المنشورات السابقة، لأن ما يكتب على فيسبوك قبل سنوات قابل لإعادة الظهور حال ورود أي تعليق جديد أو إعجاب عليه.
وفي حال هذا، فقد يعتبر الظهور الجديد للمنشور بحكم الجديد اللاحق لصدور القانون، ما يؤدي إلى السجن.

يقول الشاب باستهزاء وبنبرة لا تخلو من الغضب، “الآن علي أن أفتح صفحة جديدة على منصة فيسبوك ونستقبل القانون الجديد بصفحة بيضاء، لا أريد أن أعتقل أو أن أكون سبباً في اعتقال أحد بسبب منشوراتي على فيسبوك”.
وبتهكم يضيف: “حقاً بلادنا بخير، لا يوجد فيها فساد ومحسوبيات ولا سرقة، والشعب سعيد ويعيش في نعيم، فالكهرباء والماء والغاز والمازوت والبنزين والخبز متوفر، ولا ننسى الموظف السعيد الذي يقبص راتباً يكفيه ويزيد”.
وفي عام 2017، أنشأ “هادي” مع بعض أصدقائه صفحة عامة مختصة بنقل كل الأخبار التي تختص بدمشق وتركز على نقد تردي الواقع الخدمي والمعيشي في المدينة بطريقة ترفيهية، حيث وصل عدد متابعيه إلى أكثر من مليوني شخص.
“كم الأفواه”
ويرى “هادي” كما سكان آخرين، أن قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية ما هو إلا “كم للأفواه” وخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت تعد المنفس الوحيد لتعبير البعض عن همومهم وغضبهم وأوضاعهم السيئة.
وفي الثامن عشر من الشهر الماضي، أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، قانوناً يقضي بتعديلات على جرائم المعلوماتية المتضمنة في المرسوم التشريعي في العام 2012.
والأربعاء الماضي، أعلنت الحكومة السّورية تفعيل القانون الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية.
ويقضي القانون الجديد بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية، حسب ما نشرت وكالة الأنباء “سانا” التي تديرها الحكومة السورية.
ويعرف القانون أشكال الجريمة المرتبطة بالمعلومات، ويهدف إلى مكافحة الجريمة المعلوماتية بما يتوافق مع التطور التقني وانتشار الجريمة الإلكترونية والحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية.
وبحسب القانون الجديد تتراوح عقوبة الحبس من شهر إلى خمسة عشرة عاماً بحسب نوع الجرم، فيما تتراوح الغرامات المالية ما بين 200 ألف ليرة سورية إلى 15 مليون ليرة.
ويضم القانون خمسين مادة أبرزها العقوبات المتعلقة بالجرائم الواقعة على الدستور والنيل من هيبة الدولة ومكانة الدولة المالية.
وتتراوح العقوبة ما بين الاعتقال المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمسة عشر عاماً مع غرامة مالية من خمسة ملايين إلى خمسة عشر مليون ليرة.
للمزيد:
صحفيون ومحامون في حلب: قانون الجريمة المعلوماتيّة كمٌ لأفواه السّوريين بطابع قانوني
“لا لنقد الدستور”
ويبدو من حديث علي يونس (47 عاماً)، وهو اسم مستعار لمهندس ميكانيك، ويسكن حي الميدان جنوب بدمشق، أنه تعمق في قراءة القانون.
وتعد الفقرة 27، من وجهة نظر المهندس أخطر فقرات القانون كونها مناطة بأشد العقوبات، حيث تصل عقوبتها إلى سجن 15 عاماً وغرامة مالية قدرها 15 مليون ليرة سورية.
ويعلق الأربعيني على الفقرة أعلاه، “هذا يعني أن أي كلام عن محتوى الدستور السوري أو تغييره خارج دائرة القرار، سيعاقب صاحبه ويغرم بأشد العقوبات، وهذا دليل كافٍ وقطعي على حجم العداء لكل من يجادل في الدستور”.
ويشدد القانون على الابتعاد عن نشر كل شيء يخص الدستور السوري، “يعني ألا ينال المنشور من هيبة الدولة والمسؤولين أو يمس بالوحدة الوطنية، أما المنشورات الأخرى فهي أقل وطأة منه”، وفقاً لما يلفت إليه “يونس”.
ويتساءل المهندس: “لماذا لا يوجد فقرة يجرم فيها المسؤول الذي يكذب جهاراً نهاراً ويعد شعبه بتحسين الواقع الخدمي والمعيشي، عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ينفذ منها شيئاً؟”.
ويستغرب جداً من بعص فقرات القانون، “تخيل أنك ستعاقب لمجرد وضع إعجاب ومشاركة منشور ناقد لمؤسسات الحكومة وسوء الخدمات فيها، لأن ذلك يعد جريمة”.
“ضد الحريات”
وتوافق عائشة حسن (24 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة جامعية، على أن قانون الجريمة الإلكترونية هو ضد الحريات العامة، “من العار سن هذا القانون، فكل الأمم تتقدم في مجال الحريات، إلا نحن، فهذا القانون مخالف لجميع القوانين العصرية”.
وتضيف “حسن”، التي تسكن المدينة الجامعية بدمشق وتنحدر من مدينة حمص، “ما يحز في نفسي هو أننا لم نتعلم من سنوات الحرب. بل على العكس تماماً نحن نتجه نحو إغلاق البلد وكمِّ الأفواه وإعلاء شأن الفاسدين”.
وتفسر الطالبة التي تدرس قسم الأدب الإنكليزي بجامعة دمشق، السبب وراء إصدار هذا القانون، “على ما يبدو أنه باب رزق جديد للفاسدين، فذلك واضح من التركيز على موضوع الغرامة بالذات، فهي تفوق نظيرتها في قانون العقوبات العام”.
وتستدرك نفسها، “لا أنكر بأن هناك نقاطاً إيجابية من شأنه ضبط الفضاء الإلكتروني من الانتحال والتشهير والتنمر وغيرها، ولكن موضوع إلغاء فكرة النقد من القاموس السوري يجعل الأمر مستفزاً”.