مراقبون: توسع رقعة الخلاف بين روسيا وتركيا ينذر بتطورات متلاحقة في إدلب

اسطنبول ـ نورث برس

 

قال مراقبون، الأحد، إن ملف منطقة إدلب السورية بات على "صفيح ساخن" ينذر بتطورات متلاحقة في ظل توسع رقعة الخلاف الحاصل بين روسيا وتركيا.

 

وبدأت أولى مؤشرات الخلاف الروسي ـ التركي، من خلال الرسائل التي حاولت أنقرة إيصالها لموسكو بأن "انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار بخصوص إدلب من الممكن أن يتحول في أي لحظة لحقيقة"، تلاها تأجيل الاجتماع الذي كان مقرراً الأسبوع الماضي بين الطرفين على مستوى الوزراء لبحث ملفي ليبيا وإدلب السورية.

 

وفي وقت تحاول فيه أنقرة الضغط على روسيا ومحاولة سحبها للقبول بتواجدها في ليبيا من خلال التلويح بورقة انتهاء وقف إطلاق النار في إدلب، تفيد الأنباء الواردة من شمال غربي سوريا، وحسب مصادر محلية لـ"نورث برس"، عن تحشدات لقوات الحكومة السورية من جهة جبل الزاوية جنوبي إدلب، الأمر الذي يشي بأن الهدنة بين روسيا وتركيا ربما تكون شارفت على الانتهاء.

 

مرحلة قادمة

 

وتعليقاً على ذلك قال الباحث السياسي السوري والمتخصص في العلاقات الدولية "بشار شيخ علي" لـ "نورث برس" إن "التلميحات التركية حول انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في 5 آذار/ مارس بين روسيا وتركيا، يشير إلى كثرة التناقضات داخل البيت التركي، فإن ذلك التصريح سبقه تصريح آخر حول سعي تركيا للحفاظ على الاتفاق، ولكن على أرض الواقع فإن البيان التركي حول إرسال المزيد من القوات العسكرية إلى إدلب ينفي فاعلية الجهود الدبلوماسية واقعاً وعملاً".

 

وأضاف أن ذلك البيان كان السبب الرئيسي في تأجيل الاجتماع الروسي التركي على المستوى الوزاري حول ليبيا من قبل الجانب الروسي، وفشل تحوله إلى اجتماع ثلاثي جديد بين إيران وتركيا وروسيا، "بالتالي فالتناقضات بين ما يحدث على الأرض من معارك وحشود عسكرية والميدان السياسي الذي أصابه الجمود فعلاً بعد تحول مؤتمر آستانا لمجرد غرفة لإدارة الأزمة وليس حلها أو تسويتها، كل ذلك يشير إلى أن الأمور لا تجري كما هو مطلوب أو صحيح".

 

وحاولت تركيا التلميح بأن توازن القوى في منطقة إدلب مرتبط بـ"خيط هش من القطن" وأن لا خيار أمامها سوى زيادة قواتها العسكرية في المنطقة، الأمر الذي رأى فيه مراقبون أن تركيا تخشى من أي تحرك عسكري روسي على الأرض، أو أنها باتت تدرك أن الصبر الروسي بدأ ينفد في ظل المماطلة التركية وتمددها في ليبيا على حساب إدلب، ومن أجل ذلك تحاول إيصال مجموعة من الرسائل لروسيا.

 

تعقد الأمور

 

وقال "شيخ علي" إن "تشابك تلك الأمور حالياً له أسباب تمتد إلى خارج حدود الأزمة السورية فعلاً، ومنها ما هو مرتبط بالأزمة الليبية وشعور الجانب التركي بشيء من القوة بعد إعادة خلط أوراق موازين القوى في غرب ليبيا حالياً، ثم التبدلات المنتظرة في العلاقة بين واشنطن وأنقرة خاصةً بعد الضوء الأخضر الذي أخذته أنقرة في دعمها للعمليات العسكرية في ليبيا، بالتالي قد تنتظر تركيا أن تتغير موازين القوى في إدلب على غرار ليبيا".

 

وأضاف أن الجهود التركية منذ مؤتمر آستانا حتى اتفاق وقف إطلاق النار، في الالتزام بتلك البنود تمت المماطلة فيها كثيراً، حتى أن عملية تحجيم الميليشيات الجهادية لم تثمر مطلقاً، وهي بالأساس كانت محور تلك المحادثات والمناوشات العسكرية، التي اشتعلت لفترات متقطعة بين أنقرة ودمشق، ثم أن رغبة الجانب الروسي باتت واضحة في مراجعة شاملة للأوراق بين الطرفين وتوجيه رسالة للأتراك حول جدية موسكو وعدم تهاونها خاصةً بعد الأحداث التي تدور في ليبيا بين الجانبين".

 

ورأى أنه "على أرض الواقع، التصعيد العسكري والخروقات لهذا الاتفاق لم تتوقف أبداً، بل هي مستمرة حقيقية منذ توقيع هذا الاتفاق، بالتالي فإن جانب عدم الالتزام من الطرفين على الأرض يشوبه القصور، ما يشي بأن هذا الاتفاق قد لا يكون موجوداً فعلياً على أرض الواقع، فقط في المنصات الإعلامية والصحفية الرسمية".

 

مستقبل إدلب

 

وحول مستقبل إدلب، وحسب "شيخ علي"، فإن هذه المنطقة كانت ولازلت يبحث الضامنون لها عن مخرج مع أقل الخسائر، ولكن ظروف الأزمة السورية التي أدت للأوضاع الحالية في إدلب، قد وضعتها على الدوام في موقف حرج بل وعالة على عاتق أطراف الأزمة، قد تشتعل في أي لحظة خاصة مع استمرار عمليات الحشد والتعبئة العسكرية.

 

ورغم أن الاتفاق الأخير بخصوص إدلب بين أنقرة وموسكو لم تكن إيران طرفاً فيه، إلا أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى تركيا الأسبوع الماضي، "تشي بعكس ذلك، وتوضح أنه ما يزال لها دور رئيسي في الملف السوري رغم محاولة تهميشها من تركيا وروسيا معاً".

 

وفي هذا الصدد قال "شيخ علي" إنه "في المقابل قد يلعب الطرف الإيراني دوراً في دفع الاتصالات قدماً بين الجانبين الروسي والتركي بعد زيارة جواد ظريف لتركيا، وأن رغبة الجانبين في التهدئة وعدم التصعيد مجدداً قد تدفعهم مكرهين كما في السابق إلى التفاهم كما هو الحال، إذ أن ليبيا تختلف بالكثير من شروطها وظروفها عن شمال غربي سوريا".

 

وبدأت تركيا مؤخراً بمحاولة التماهي مع المواقف الأمريكية بخصوص سوريا وليبيا معاً، بعد أن أيقنت أن الطرف الروسي يريد أن يكون له كلمة في تلك الملفات وعدم السماح لها بالتفرد بها.

 

ومن أجل ذلك تحاول الدبلوماسية التركية الإيحاء بأن هناك تقارباً إيجابياً في وجهات النظر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا أيضاً يندرج في إطار الرسائل المرسلة لروسيا، حسب مراقبين.

 

صراع جديد

 

وأوضح "شيخ علي" أن "إمكانية تجنب حدوث صراع جديد، مرتبط بظروف علاقات أنقرة مع واشنطن والتغيرات التي قد تطرأ عليها، مع الإشارة إلى أن هذه العلاقة متوترة فعلاً في شمال شرقي سوريا، وأيضاً قدرتها على تحجيم وضبط الفصائل الجهادية، وبجدية روسيا في دفع تركيا نحو التراجع دبلوماسياً وعسكرياً، وهو ما تسعى إليه موسكو حالياً من خلال استكمال القصف الجوي لريف إدلب حالياً وتأجيل الاجتماعات الوزارية".

 

وقال إنه بناء على ما سبق، "الأزمات أصبحت مرتبطة جداً ببعضها، وذلك يعني المزيد من قصور الجهود الدبلوماسية، ولا يمكن تحقيق أي تقدم دون الفصل بين تلك الملفات كلاً على حدى".

 

وتبقى كل تلك الأحداث رهينة بما تخبئه قادمات الأيام، وإن كان كل طرف سيغامر بضرب علاقاته ومصالحه مع الطرف الآخر سواء على الساحة الليبية أو على الساحة السورية وتحديدًا في إدلب، خاصة وأن الموقف التركي ضعيف، كون تعنتها سيخرجها من إدلب وهذا ما لا ترضاه لسببين الأول أنها لا تستطيع مجدداً احتواء ملايين اللاجئين، والثاني خسارة إدلب عسكرياً يعني إخراجها من المعادلة السورية، حسب مراقبين.