مراقبون سياسيون: روسيا “مفتاح” عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة في ظل قانون “قيصر”

نورث برس

 

قال مراقبون سياسيون، إن روسيا ربما تكون مفتاحاً لتقريب وجهات النظر ما بين الحكومة السورية وتركيا، في ظل تطبيق قانون "قيصر"، في حين أشار آخرون إلى أن القانون ربما يكون بوابة للتقارب بين الأطراف المتنازعة والمتناحرة داخل سوريا، سواء الحكومة السورية ومن خلفها روسيا وإيران، أو الطرف التركي الذي ربما سيتأثر في حال طالت العقوبات روسيا وإيران.

 

ويتصدر قانون "قيصر" والمزمع تطبيقه خلال الشهر الجاري، واجهة الأحداث في الملف السوري وسط ترقب حذر لانعكاساته في حال تطبيقه على كل الأطراف الرئيسة اللاعبة على الأرض السورية.

 

وقال الدكتور "سليم الخراط" الأمين العام لحزب التضامن الوطني الديمقراطي والمنسق العام لائتلاف قوى التكتل الوطني الديمقراطي، والمقيم في دمشق لـ"نورث برس"، إن "العلاقات في منطقة الشرق الأوسط مصالح وطنية وإقليمية أولاً حيث تتسارع الأحداث والمواجهات والتحديات، التي آخرها تفعيل الحصار الخانق على سوريا وشعبها في محاولة لخلط أوراقها وملفاتها المتعددة، ليضاف إليها تفعيل تطبيق قانون قيصر، الذي سيطال الكثير من الشركات والأشخاص والأعمال والدول الداعمة للمواقف السورية في عدالة قضيتها بمواجهة الإرهاب العالمي، ومنها جمهورية روسيا الاتحادية".

 

وأوضح، "لكن ولأن روسيا ليست باللقمة السائغة والسهلة الهضم، فهي قطب وقوة عظمى بالمطلق إلى جانبها الصين والدول الصديقة في آسيا والعالم هم في مجموعهم أصدقائها وحلفائها، بل هي اليوم في مواجهة أصعب التحديات ومع تحدي آخر، من خلال الإعدادات والاستعدادات لبدائل كثيرة يتم العمل على اعتمادها، ومن بينها تطوير البروتوكول للتعاون السوري الروسي في توسيع المناطق المستثمرة في الساحل السوري، وخلفية هذا التوسع من خلال استثماره كميناء مفتوح للبواخر والسفن الروسية والصديقة والحليفة".

 

تقارب بهدوء تام

 

ورأى "الخراط" أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد مفاجآت قادمة أهمها "تقارب في العلاقات بين النظام السوري وتركيا، والذي يتم الإعداد له بهدوء تام، وله الكثير من المفاعيل والانفراجات أيضاً، خاصة وأن روسيا هي المفتاح في إصلاح العلاقات وهي الضامن للطرفين، لما لها من المصالح الكثيرة الاستراتيجية والمشتركة اقتصادياً في كلا البلدين".

 

وأشار إلى أن ما يدعم ذلك التقارب التركي، الذي وصل إلى مرحلة التحالف في البحر الأبيض المتوسط وفي ليبيا تحديداً، تحت عنوان الدفاع المشترك عن المصالح والاستثمارات التركية والروسية في ليبيا، وما يتبع ذلك مما يجري ميدانياً ما بين الدول المعنية، ما دفع بأقطاب دولية وأوربية لرفع صوتها وتنديدها، إلا أن الموضوع مستمر بشكل طبيعي".

 

وختم بالقول إنه "تبقى السياسة كلام وأمر واقع حين يتم تنفيذها بسياسة القوة وفرضها لحماية المصالح، وهو ما يتم اليوم ويجري تنفيذه واقعاً ميدانياً، فلا صديق أبداً ولا عدو أبداً، بل سياسة المصالح أولاً".

 

تأجيل قانون "قيصر"

 

وألمح محللون إلى إمكانية تأجيل تطبيق قانون "قيصر" خاصة في ظل انعكاساته وتضارب المصالح بين روسيا والولايات المتحدة، حيث تعمل روسيا على بسط سيطرتها على الطرق الدولية وخاصة طريق الـ(M4)، لافتين إلا أنه ليس من مصلحة واشنطن التصعيد مع موسكو في الفترة الراهنة.

 

وقال الباحث السياسي السوري والمتخصص في العلاقات الدولية "بشار بصرو شيخ علي" لـ "نورث برس"، إن "قانون قيصر المفترض دخوله حيز النفاذ هذا الشهر، ربما يعتبر شكلاً موسعاً وشاملاً للعقوبات السابقة".

 

ويهدف قانون "قيصر" والذي يجري العمل عليه من ست سنوات تقريباً إلى هدم أي إمكانية لدمشق وحلفائها في عملية إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وبناء الاقتصاد السوري من جديد، "والجديد هنا أن القانون يذكر روسيا وإيران بشكل مباشر فيما يتعلق بالعقوبات، بهدف منع أي جهة من الاستثمار في الداخل السوري إلى أن يتم التوصل للحل السياسي وفق الرؤية الأمريكية ضمن مشروع القانون"، بحسب "شيخ علي".

 

وأضاف أن "أثر هذا القانون يتوقف على عدة عوامل، الأول يتعلق بروسيا، فقدرة هذا القرار على ردع روسيا يتوقف بالأساس على الإمكانيات المتاحة لدى الإدارة الأمريكية في الدخول في مواجهة اقتصادية جديدة، علاوة على المواجهة الأولى مع الصين التي لم تنتهي بعد ولازلت تتطور وترمي بثقلها على الاقتصاد العالمي، وكذلك مدى تأثر الشركات والمستثمرين الروس المعنيين بهذا القانون، سوف يكون له دور كبير في المواقف التي تتخذها موسكو".

 

ولفت إلى مواقف الدول الأوروبية التي تحثها واشنطن وخاصة ألمانيا وهل ترغب بدخول هذه المواجهة في ظل الروابط الاقتصادية القوية بين الطرفين.

 

وفي أرض الميدان، تسعى روسيا لتأمين الطرق الدولية خاصة الـ (M4) ذو الأثر الاقتصادي الكبير، مما يعني أن الموقف الروسي الحالي مبني على العديد من المعطيات الواقعية التي تدفعها نحو الاستمرار بتنفيذ رؤيتها المتعلقة بسوريا، "ويظل الأمر رهنًا بمدى جدية الإدارة الأمريكية، وأن تصعيد التوتر مع موسكو مجددًا لا يصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن مما قد يأجل تنفيذ القانون مؤقتًا"، بحسب المتخصص في العلاقات الدولية.

 

الموقف الإيراني

 

وأوضح أنه فيما يخص موقف إيران "فلم يشهد تغيرًا كبيرًا، ذلك أن إيران ترزح منذ عقود طويلة تحت طائلة حزم كبيرة من العقوبات الأمريكية، التي أنهكت الاقتصاد الإيراني بشكل كبير، بالتالي موقف إيران وعلاقتها مع الولايات المتحدة قضية شائكة تستلزم إعادة النظر، إذ يبدو أن قانون قيصر سوف يزيد الأمر تعقيدًا".

 

وبينما تعول دمشق على حلفائها وعلى استثماراتهم في عملية الإعمار، حسب "بصرو شيخ علي"، فإن هذه الظروف الدولية الحالية من ركود اقتصادي وعقوبات وأزمات عالمية مثل فيروس كورونا، وتمايل الداعم الروسي بين كافة الأطراف تارة والضغط على دمشق للتنازل تارة أخرى، ولا ننسى أن الاقتصاد السوري يتأكل بشكل تدريجي كبير مع انهيار الليرة السورية وضعف المؤسسات السورية في توفير المقومات الأساسية، بالتالي فإن قانون "قيصر" قد يكون دافعًا نحو المزيد من الدبلوماسية والمفاوضات.

 

وفيما يتعلق بالتقارب "السوري- التركي" برعايةٍ روسية، فهو أمر ليس بجديد ذلك أن الطرفين دخلا في عمليات شد وجذب خلال السنوات الأخيرة مرات عدة، أبرزها محطة مؤتمرات "آستانا" والتفاهم الثلاثي المعلن بين تركيا وروسيا وإيران، التي شكلت تمهيدًا لعمليات التسوية على الميدان، ويعول كثيرون على "اتفاق أضنة الأمني" كركيزة أساسية لعودة التقارب بين الطرفين، ولاسيما أن العلاقات التركية – الروسية بدأت تتحسن بشكل كبير في مقابل العلاقات "التركية – الغربية"، حسب الباحث السياسي المصري.

 

وختم بالقول إنه "في النهاية يمكن النظر إلى قيصر كمدخلٍ تحاول واشنطن من خلاله العودة لدائرة الأزمة السورية بشكل مغاير عما سبق، خاصة بعد الانحسار الذي شهده هذا الدور بدايةً من فشل مؤتمر جنيف ونجاح مؤتمر آستانا في تحقيق نتائج ملموسة".

 

ويبدو أن تطورات الملف السوري مع تطبيق قانون "قيصر" لن تكون كما كانت سابقاً، حسب مراقبين، وربما تشهد المرحلة المقبلة تغيرات متسارعة خاصة فيما يتعلق بإعادة توطيد العلاقات بين أطراف على حساب أطراف أخرى، وكل ذلك في سبيل تحقيق المصالح والمكاسب على الأرض السورية "اقتصاديا أولاً وبشكل كبير ومن ثم ميدانياً".