لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب الروسية على أوكرانيا، فحسابات موسكو بحرب سريعة خاطفة، تؤدي إلى انهيار دراماتيكي سريع للحكومة الأوكرانية، بقيادة الرئيس زيلنيسكي، لم تكن دقيقة، ولعل ما يزيد المشهد تعقيداً على الأرض، هو حجم المقاومة التي يبديها الأوكرانيون، وقدرتهم على إبطاء الهجوم الروسي، لا سيما في ظل مد الدول الغربية لأوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة القادرة التي توجيه ضربات موجعة للآلة العسكرية الروسية، كل ذلك بالتوازي مع العقوبات الهائلة التي فرضها ويفرضها الغرب على روسيا، بغية شل القدرة العسكرية الروسية الجامحة، فضلا عن جملة معطيات توحي بأن الغرب وضع خططاً مسبقة لإدارة هذه الحرب دون المشاركة المباشرة فيها. حتى الآن ترسم مراكز الأبحاث والدراسات في الغرب، جملة سيناريوهات على شكل تحديد مآلات هذه الحرب، لعل أهمها: 1- انتصار بوتين: ينطلق أصحاب هذا السيناريو من عاملين أساسيين، الأول، الفارق الكبير في القوة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا. والثاني، له علاقة بشخصية بوتين التي تحمل أحلام قيصرية وشخصية تتجاوز أوكرانيا نفسها، ويرى أصحاب هذا الرأي أن بوتين لن يوقف الحرب إلى أن يحقق أهدافه، وهذا ما أكده مراراً خلال اتصالاته مع زعماء الدول الذين حاولوا التوسط لوقف الحرب، لكن بالتأكيد تحقيق هذا السيناريو، كما السيناريوهات اللاحقة، يواجه عقبات كثيرة.
2- انتصار أوكرانيا: يقوم هذا السيناريو على أن قضية هزيمة أوكرانيا لم تعد قائمة بعد أن نجحت في استيعاب المرحلة الأولى من الحرب، ونظمت المقاومة على أسس وطنية وشعبية، وحصلت على كميات هائلة من الأسلحة القادرة على تدمير الدبابات الروسية على أبواب المدن الكبرى، لاسيما العاصمة كييف، ومقياس الانتصار الأواكرني هنا، له علاقة بمنع روسيا من تحقيق هدفها النهائي، أي السيطرة على كامل أوكرانيا، إذ أن مثل هذا السيناريو كفيل بإغراق روسيا في (المستنقع) الأوكراني، ودفع الأوليغارشيين من حول بوتين إلى التخلي عنه، وخلق تداعيات كبيرة في الداخل الروسي، وربما دفع هذا الداخل إلى التحرك ضده، وصولاً إلى عزله وإخراجه من السلطة، سواء بإنقلاب عسكري، أو من خلال تعديلات دستورية وقانونية، أو تحت وقع الشارع الذي لن ينتظر طويلاً للخروح إذا طالت الحرب، وأثرت أكثر على لقمة عيشه، ودخله، وخدماته اليومية. 3- سيناريو الأفغنة: مع إطالة عمر الحرب، وعجز أي طرف عن الانتصار، يلوّح سيناريو الأفغنة برأسه في المشهد الأوكراني، إذ أن قوافل المتطوعين والمسلحين من أنحاء العالم بدأت تتدفق إلى الأراضي الأوكرانية للقتال ضد هذا الطرف أو ذاك، واللافت هنا، أن هذا المشهد المتدفق يتكامل مع عوامل داخلية في ظل وجود عشرات الجماعات المسلحة المقاتلة، على رأسها جماعة آزوف التي تفرغت لقتال الجماعات المطالبة باستقلال دونتسك ولوغانس في حوض دونباس شرقي أوكرانيا، وظهور جماعات مسلحة مماثلة في غرب أوكرانيا تنشد القتال ضد الروس، وما يشي بهذا السيناريو هو وجود فروقات هوياتية وعرقية وجغرافية ومذهبية، بين شرق أوكرانيا وغربها، بين شرق يرى أنه أقرب إلى روسيا ويدعو إلى الارتباط بها، وبين غرب يتطلع إلى الارتباط بالغرب وحلف الأطلسي. وكل ما سبق يشكل مقدمات لتقدم سيناريو الأفغنة، وإن اختلفت الظروف والمعطيات والشعارات. 4- سيناريو الانفتاح على المجهول: مع التأكيد مجدداً على أن لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب، يبقى خيار توسعها حاضراً، لاسيما في ظل إشهار بوتين سلاح الردع النووي، واحتمال انتقال الحرب إلى الدول المجاورة لأوكرانيا، وتحديداً مولدوفا التي تشكل الخاصرة الرخوة في هذه الحرب، والحديث عن استخدام الطيارين الأوكرانيين لمطارات بعض دول أوروبا الشرقية، وهو ما عده بوتين مشاركة فعلية في الحرب، بالتزامن مع توجه دول الحلف الأطلسي إلى دعم أوكرانيا بالطائرات الحربية، في حين حدد الحلف بوصلته بعدم التورط المباشر في هذه الحرب إلا إذا اعتدت روسيا على دولة عضو في الحلف، وهو ما يعني تلقائيا دخول الحلف في الحرب، وفق المادتين الرابعة والخامسة من ميثاقه، ولعل وصول الأمور إلى هذه النقطة، يعني الانفتاح على المجهول على اعتبار أن الحرب قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة مدمرة. 5- سيناريو التسوية: ثمة من يرى أن هذه الحرب محكومة بالتسوية، تسوية تقوم على الحفاظ على الحكومة الأوكرانية الحالية، مقابل تحديد خياراتها السياسية المستقبلية دون التعارض مع الهواجس الروسية، وهو ما يطلق عليه خيار أوكرانيا المحايدة، وبمعنى أدق التخلي عن خيار انضمام أوكرانيا إلى عضوية حلف الأطلسي على اعتبار أن هذا الخيار يشكل خطاً أحمر روسي دونه استمرار الحرب، وهنا تتوجه الأنظار إلى الصين التي تملك ثقل التأثير على روسيا، لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية، خاصة أنها القطب الدولي الأقرب إلى موسكو في الصراعات الدولية الجارية، ولعل هذا ما يفسر النداءات الغربية للصين للقيام بدور ما في هذا المجال، وهو ما قد تجده الصين مكسباً دبلوماسياً وسياسياً، خاصة أن القضية تعنيها بشكل مباشر، إذا ما علمنا أن لها قضية مشابهه للقضية الأوكرانية، أي قضية تايوان، وعليه قد تجد في تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، سيناريو ممكن لحل أزمتها التاريخية العالقة مع تاييبه، ومن خلف الأخيرة الغرب. في الواقع، من الصعب الجزم بأن أي سيناريو من السيناريوهات السابقة سيشكل مخرجاً لأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ أن جميعها مترابطة، وتتداخل وتتقاطع مع بعضها، ويتوقف نجاح هذا السيناريو أو ذاك على عامل الميدان الذي قد يحمل في طياته مفاجأت كثيرة، تدفع بالأمور نحو سيناريو ما، لتحديد مآل الحرب الجارية.