نساء في القامشلي يعشن العنف وقوانين لم تفعل

القامشلي- نورث برس

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم، باليوم العالمي للمرأة، تجلس فاطمة العلي (26 عاماً)  وهو اسم مستعار لشابة من مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا في إحدى زاويا المنزل وهي تحتضن طفلتها البالغة من العمر خمسة أشهر، بينما يدوي في مدينتها القامشلي أصوات تنادي للقدوم إلى مكان الاحتفال.

وتتساءل الشابة، “أي عيد وأي حال! هذا حالي في هذا المنزل”.

تضيف فاطمة التي فضلت عدم الظهور في مقطع مصور أو ذكر اسمها الحقيقي، “أشعر أنني أمةٌ في هذا المنزل، رغم أني أقوم بجميع واجباتي وأكثر، إلا أن والدي لا يكف عن ضربي وكأنه يريح عن نفسه عندما يعنفني”.

وفي القامشلي، كما جميع المناطق السورية، تتعرض نساء للعنف بكافة أشكاله، في ظل عدم تطبيق مواد قانون “حماية المرأة” الذي أقرته الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا عام 2014.

وينص القانون  على “حماية المرأة من الاضطهاد وضمانة مساواة كاملة مع الرجل في كل شيء” وعلى الإدارة الذاتية الديمقراطية مكافحة كل أشكال العنف والتمييز من خلال تطوير الآليات القانونية والخدمات لتوفير الحماية والوقاية والعلاج لضحايا العنف.

بالإضافة إلى منع تزويج الفتاة بدون رضاها وتجريم القتل بذريعة الشرف ومنع تعدد الزوجات والمساواة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة.

قانون لا يحمي

لكن كل المواد لم تمنع من حدوث 1689 جريمة بحق المرأة في مناطق الإدارة الذاتية، خلال العام 2020، تلاه في العام الماضي وقوع  1397 حالة عنف ضد المرأة، من بينها حالات قتل وضرب وإيذاء واغتصاب وتهديد وغيرها، وفقاً لإحصائيات مجلس العدالة الاجتماعية لشمال شرقي سوريا.

وقفة احتجاجية في القامشلي ضد جرائم قتل نساء حدثت خلال العام الماضي- نورث برس/ أرشيفية

أرقام العنف وصفها البعض بـ “المرعبة” وخاصة أن هناك حالات عديدة للعنف تتكتم المرأة المعنّفة عنها، ولا تتقدم بشكوى إلى الجهات المختصة، “بحجة حفظ الروابط الاجتماعية ومنع التفكك الأسري”.

وقبل شهرين، تعرضت فاطمة للضرب من قبل والدها أثناء عودته من العمل، “إذ أن طعام العشاء لم يكن جاهزاً بينما كنت نائمة”.

وأصيبت فاطمة بكسر في الأنف وهو ما بدا واضحاً في شكله غير السوي.

وتشير إلى أنه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها للضرب من قبل والدها منذ أن توفي زوجها بحادث سير قبل أشهر في الطريق الواصل بين الحسكة والقامشلي، لتنتقل بعد ذلك برفقة طفلتيها إلى منزل والدها.

ورغم أنها تصف ذلك العنف المتكرر بحقها بأنه، “عبودية”، إلا أنها لم تتقدم بأي شكوى إلى الجهات المختصة وترجع ذلك إلى خوفها من والدها وعدم وجود أقرباء يدعمونها، على حد قولها.

عنف يزداد

وفاطمة ليست الفتاة الوحيدة في عائلتها، في حين لديها أربع أشقاء، “ولكن لا أحد منهم يساعدني أو يقف معي أثناء تعرضي للعنف”.

والعام الماضي، توفيت والدة الشابة إثر جلطة، “فلم يبقَ لي سند وخاصة بعدما علمت أن والدي كان يرغب أن يرزق بذكر بدلاً مني”.

وتضيف بعد صمت دام بضع ثوانٍ، “والدي يعتبر أن النساء عار”.

وتعتقد رئيسة هيئة المرأة في إقليم الجزيرة، زينب صاروخان، أن قانون المرأة غير كافٍ للحد من ظاهرة العنف، “فلا بد من تفعيل القانون ومتابعة قضاياها في المحاكم من قبل التنظيمات النسائية وعدم فتح المجال لكي يتم حماية الطرف الذي يمارس العنف”.

وتعليقاً على حديث “صاروخان”، يتساءل سكان عن الجهة المسؤولة عن تفعيل قانون المرأة وخاصة أن هيئة المرأة في شمال شرقي سوريا تمثل النساء في كافة مقاطعات المنطقة؟، “ليبقى حبراً على ورق”، على حد تعبيرهم.

وتشير إحصائيات الإدارة الذاتية ووفقاً لما أكدته “صاروخان” لنورث برس، إلى ازياد حالات العنف ضد المرأة في العامين الماضيين مقارنة مع السنوات التي سبقتها.

ويرى ناشطون اجتماعيون أن تفاقم الأوضاع المعيشية وتداعيات الحرب زادت من حالات العنف الأسري.

خوف من تقديم شكوى

وتخشى هناء إبراهيم (20عاماً) وهو اسم مستعار لشابة من القامشلي، هي الأخرى، أن تتقدم بشكوى ضد زوجها الذي يعنفها باستمرار.

وهناك العديد من الجهات في شمال شرقي سوريا تهتم بشؤون المرأة، ومن بينها هيئات المرأة ومجلس عدالة المرأة ومؤتمر ستار، بالإضافة لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية المرأة.

 ومنذ ما يقارب العام، تزوجت “إبراهيم” من رجل، ولكنها تقول إنها لم تكن تعلم أنه كان يتعاطى الكحول.

وتروي الشّابة التي تغطي الكدمات جسدها جراء الضّرب، معاناتها مع زوجها: “بعد فترة وجيزة من زواجي، تعرف على مجموعة أصدقاء وبدأ يشرب معهم يومياً ولا يأتي إلى المنزل إلا في أوقات متأخرة”.

وتشير إلى أن زوجها يعنفها باستمرار، ولكنه بدأ مؤخراً ووفقاً لما تقوله “إبراهيم”، بتهديدها “بقتل ابنها الذي لا يتجاوز عمره سبعة أشهر في حال طلبت منه الطلاق أو تقدمت بشكوى ضده”.

وتتخوف “إبراهيم” من تنفيذ زوجها لتهديداته، “وهو ما يمنعني من القيام بأي شيء”.

وتضيف بلهجتها المحلية، “ليس لدي عائلة حتى ألجأً إليها، فهم زوجوني ليخلصو مني”.

 إعداد: آسو ابراهيم – تحرير: سوزدار محمد