أطفال مُعيلون في حلب بين الواقع المعيشي وقسوة التّهجير
حلب – نورث برس
يحمل عمر القاضي (14عاماً) النّازح من محافظة حمص إلى المخيمات العشوائية بمدينة أعزاز بريف حلب الشَّمالي، على ظهره الغض كيساً كبيراً فيه بقايا بلاستيكية جمعها من حدائق المدينة وشوارعها، بينما يمسك بيدي شقيقه الأصغر بعامين.
وبكمِّ قميصه المهترئ يمسح الطّفل دمعةً نزلت على خده، وهو يتحدث لنورث برس عن أمله بالعودة للمدرسة التي تركها منذ أربع سنوات ليعيل أسرته.
“أراقب الأطفال يتراكضون كل يوم صباحاً نحو باب المدرسة يحملون حقائبهم على أكتافهم”، يقول “القاضي”.
وبعد أنّ لجأت عائلته في 2018، أصبحت عاجزة عن دفع رسوم المدارس له ولأخويه، فالأب غير قادر على العمل بسبب إصابته بشظية صاروخ في كتفه خلال الحملة الأخيرة على ريف حمص الشّمالي.
ويقول الطفل: “تخلينا أنا وأخي عن الدّراسة لنعيل أسرتنا، ونساعد شقيقنا في الصّف الثاني الابتدائي، على إكمال تعليمه”.
ويتجول “القاضي” وشقيقه أحمد كل يومٍ من الصّباح حتى المساء في شوارع وأسواق المدينة، ليجمعا ما يبيعانه فيما بعد لتاجرٍ، لقاء ثلاثين ليرة تركية (8000 ليرة سورية)، يبيعها بدوره لأحد المعامل.
وحاملاً معه بعض الخبز والخضار ما يزال الطفل، يلتقط علب البلاستيك التي رماها طفل آخر أثناء ذهابه إلى المدرسة.
وبلغ عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس في الدّاخل السّوري أكثر من مليونين ونصف، و750 طفلاً في الدّول المجاورة أربعون بالمئة منهم فتيات، مما يعني بقائهم في المنازل أو دخولهم سوق العمل، ولا أرقام دقيقة عن أعدادهم وظروفهم، حسب تقرير منظمة العفو الدّوليّة.

مطرقة ثقيلة بأيدي نحيلة
وأما رامي العمر (13 عاماً) وهو نازح من قرية كفر حمرة في ريف حلب إلى مخيمات أعزاز، فبعد وفاة والده منذ خمس سنوات متأثراً بأزمة قلبية، تحول من طفل إلى رب أسرة مؤلفة من أربعة إخوة آخرين ووالدته.
وبيديه النحيلتين المُرتجفتين من ثقل مِطرقة الحدادة التي يحملها، يقول: “لا أعرف كيف أخط الحرف، لكنني أرى الأطفال يذهبون للمدارس في نفس الحي الذي أعمل فيه، وعند انتهاء عملي أشاهدهم يلعبون ويلهون في طريق عودتي”.
ورغم أنه يجاهد كل يوم مشقة كبيرة في ورشة الحدادة بسوق الحدادين، إلا أنّ الأجر الذي يتلقاه ضئيل، ولا يتجاوز الـ 25ليرة تركية (ستة آلاف وخمسمئة ليرة سورية).
ويعتبر “العمر” أنه لا يعيش طفولته كما ينبغي، “لم أرَ منها إلا الحرب والنّزوح والحاجة”.
ولا يحصل الطّفل العامل على الأجر نفسه الذي يحصل عليه البالغون، رغم تعلمه للحرفة أو المهنة، وهو ما تعتبره منظمات تعنى بشؤون الأطفال “استغلال”.
في حين أنّ ظروف معظم الأطفال السّوريين داخل بلادهم أو في المهجر سيئة، إذ أنّ معظمهم يضطرون للعمل للإعالة أو لمساعدة المعيل بمهن ترتبط بالصّناعة والنّجارة وغيرها.
“من الخيمة إلى الأرض”
وفي الأراضي الزَّراعية بالقرب من مدينة أعزاز، نرى عمر رحمون وشقيقه خالد الذين لم يتجاوزا الخامسة عشر من العمر، ضمن ورشة عمال، يتقاضى كل واحدٍ منهما في اليوم أجراً لا يتعدى العشرين ليرة تركية (خمسة آلاف ليرة سورية)، ليعلا أسرتهما المؤلفة من تسعة أفراد.
ولا يخفي والدهما مصطفى رحمون (48 عاماً) وهو اسم مُستعار لنازح من بلدة مورك شمالي حماة، نظرات الحزن، عندما يرى ولداه يخرجان في كل صباح من الخيمة إلى العمل بدل المدرسة.
ويقول “طفلاي يعملان بينما أنا عاجز عن تقديم الدّعم لهما، نظراً لقلة فرص العمل، بسبب معاناتي من أمراض القلب والرّئة منذ خمس سنوات، والتي منعتني من الاستمرار بعملي كمصلح دراجات نارية”.
وفي ظل ظروف النَّزوح الصّعبة التي تعيشها أسرة “رحمون” منذ 2019، بات من الصّعب تأمين المعيشة، كما قال “رحمون”.
ويصف مصاريف المنزل اليومية بأنها أصبحت “مرهقة للغاية”، نظراً لأن الأسعار في ارتفاع، و”ليس من السّهل شراء الاحتياجات”.

ولا يكاد يكفي ما يجلبه العاملان الصغيران، فثمن كيلو السّكر اثنا عشر ليرة تركية (ثلاث آلاف ليرة سورية)، وكذلك أسعار الخضروات مرتفعة، “نحتاج ليومين حتى نتمكن من جمع تكلفة الطّبخة” حسب والدهما.
ووفق وكيل الأمين العام للأمم المُتحدة للشؤون الانسانية مارتن غريفيث، إنّ “أعداد السّوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أكثر من 90 بالمئة”.
وفي ظل نقص الدّعم من المُنظمات الموجودة في المنطقة وغياب آلية التّوزيع البعيدة عن الغش والسّرقة، يقول “رحمون”: “منذ أشهر لم تدخل اللحوم منزلي، حتى بت أظن أنّ أطفالي نسوا شكلها وطعمها”.