حلب – نورث برس
بعد أنّ أعطى عبد الغني حمادة (50 عاماً) من سكان حي الميدان في حلب وصفته الطّبية للصيدلي ليصرفها، تفاجأ عندما طلب منه الأخير أن يدفع 17 ألف ليرة سورية، مقابل علبة مُضاد للالتهاب (أوغمنتين).
في حين أنّ “حمادة” توقع أنّ يدفع 11 ألف ليرة، وهو الثّمن الذي سعرت الحكومة فيه الدواء منذ ثلاثة أشهر، ورفعته الصّيدلية.
وفي السادس عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2021، رفعت الحكومة السّورية سعر أكثر من 12 ألف صنف دوائي، بنسبة 30 و40 في المئة، بعد تهديدات أصحاب المعامل وشركات الأدوية، بأنهم سيتوقفون عن الإنتاج في حال عدم تعديل السّعر، حسب اللجنة الفنية العلية للدواء.
ويقول “حمادة” وهو يحمل كيس دوائه، لنورث برس، إنه يعاني من التّهابات مُزمنة بجهازه التّنفسي، “عادة ما يصف لي الطّبيب هذا الدّواء، لكن الحكومة رفعته لضعفين، فقبل عام كان بـ 6000 ليرة”.
وبالمقابل لا يتجاوز راتبه التّقاعدي تسعون ألف ليرة سورية، يصرف معظمه على الدّواء، لأنه بحاجة دائمة له.
وينتقد الخمسيني زيادة ستة آلاف ليرة على ثمن دواءه، باعتباره ليس الصّنف الوحيد الذي زاد سعره.
ومع انخفاض قيمة الليرة السّورية أمام الدّولار الأميركي، تتأزم أوضاع السّكان، إذ أنّ دخل الفرد لأسرة مؤلفة من خمس أشخاص، يجب أنّ يفوق الـ 600 ألف شهرياً ليلبي احتياجاتها، ولا سيما مع ارتفاع سعر السّلع الغذائية، حسب تقارير صحفية.
ويضيف “حمادة”: “الحكومة تضع تسعيرة والصّيادلة يبيعونها بتسعيرة أخرى، فزوجتي تستعمل دواء للضغط (فالستاران) كان ثمنه خمسة آلاف ليرة، وقبل 15 يوماً اشتريته بتسعة آلاف”.
ويرجع سبب ذلك، إلى عدم وجود “أي من أشكال الرّقابة”، معتبراً أنّ الدّخول لأي صيدلية لشراء دواء معين معناه أن تصطدم بفروق الأسعار بين “الحكومي المقرر والواقع المفروض”.
وتتوفر أصناف الأدوية بكثرة في السّوق السّوداء، الأمر الذي يجعل السّكان مجبرين على شرائها أو الأدوية البديلة لها من هناك، أيضاً بأسعار مرتفعة، حسب سكان محليين.

بلا حلول
بينما يرى الصّيدلي في حي الشّعار في حلب حسين عجان الحديد (36 عاماً) أنّ من حق الصّيادلة عدم التّقيد بالسّعر الحكومي.
وأفاد بعض السّكان المحليين، أنّ الصيادلة يشطبون الأسعار الحكومية، ويضعون أسعاراً أخرى غيرها.
ويقول “عجان الحديد”: “نحن من نقف في الواجهة ونتلقى اللوم لأننا على تماس مباشر مع السّكان، لكن الحقيقة أنّ رفع الأسعار قرار اتخذته معظم معامل ومستودعات الأدوية”.
ونظراً لارتفاع سعر المواد الفعالة المستوردة عالمياً، وزيادة تكاليف الإنتاج، يتعرض أصحاب المعامل لخسائر مُتلاحقة، بحسب الصيدلي.
وفي خطوة ساخرة نصح ناشطون على مواقع التّواصل الاجتماعي، المرضى بالعودة إلى طب الأعشاب، بعد أنّ أصبح شراء الدّواء عليهم عسيراً.
ويلقي الصّيدلي باللوم على الحكومة، لأنها لم تضع حتى الآن حلولاً وخططاً لتوفير الأدوية بأسعار تناسب دخل الفرد في المدينة، موعزاً ذلك لعدم تدخلها بشكل إيجابي لتوفير المواد لمعامل الأدوية، ولا تأمين مستلزمات الإنتاج كالمحروقات والكهرباء وغيرها.
وتضم مدينة حلب 185 صيدلية، تعمل ثلاثون منها في يوم الجّمعة، إلا أنّ بعض أنواع الأدوية فيها مفقودة، الأمر الذي جعل بعض السّكان يقننون استخدام أدويتهم، وآخرون اشتروا الأدوية بكميات كبيرة، بحسب سكان.
المُتضرر الحقيقي
أما عيسى بيرقدار (48 عاماً) وهو طبيب أطفال في حي الجّميلية بحلب، فيشبه الأمر بأن السّكان “يقعون ضحية إهمال الحكومة وجشع مالكي المعامل والمسّتودعات”.
ويقول إنّ الرّقابة الدّوائية التي تعنى بها مديرية الصّحة ونقابة الصّيادلة “غائبة عن المشهد”، الذي شبهه بـ “المرير” ومن المعمل إلى المُستودع إلى البيع في الصّيدليات تختلف الأسعار بين اليوم وسابقه وصيدلية وأخرى.
وبعض الأصناف يشتريها الصّيدلي ويكدسها في المُستودعات، نظراً لأنها “أجنبية مهربة” تباع بأسعار كبيرة، حسبما أفاد “بيرقدار”.
ومؤخراً، ذكرت تقارير إعلامية، طرح بعض المُستودعات أدوية “الصّرع”، لتتوفر في الأسواق بكثرة بعد انقطاع طويل، وذلك لاقتراب انتهاء صلاحيتها.
ويحلل الطّبيب الموقف هنا بأن “الرّبح الأكبر لصاحب المعمل والمُستودع، وبدرجة أقل للصيدلي، ويبقى المُستهلك هو الخاسر الوحيد هنا”.
وأكثر الأدوية التي خضعت لتحرير الأسعار هي المُضادات الحيوية وأدوية الأعصاب فـ “الكالسيفكس” كان يباع بـ 7500 ليرة ووصل للـ 9500، بينما الـ “أومكسيبين” ارتفع من 2500 إلى 5000 ليرة، كما يقول “بيرقدار”.
وبنسبة تجاوزت الـ200 في المئة، ارتفعت أسعار أغلب الأدوية بشكل كبير، ولا سيما الخاصة بمرضى الضّغط والسّكري، وبعض أنواع المضادات الحيوية والمميعات الدّموية، حسب سكان محليين.
وتتذرع الحُكومة بـ “قانون القيصر”، لتبرير عجزها عن دعم الصّناعة الدّوائية في سوريا، ويرى الطّبيب أنّ “المُشكلة تتعلق بالإهمال، فالحكومة تتعامل مع المنتج الدّوائي بمنطق الكماليات التي لا داعي لها، بالرغم من أنه أساسٌ تتوقف عليه حياة الكثيرين”.