السويداء- نورث برس
منذ التّاسع من شباط/ فبراير الجاري، تشهد شوارع السّويداء تشديداً أمنياً، بعد استقدام قوات الحكومة السّورية تعزيزات عسكرية إليها، على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت فيها منذ بداية هذا الشّهر، بسبب إلغاء الدّعم الحكومي المخصص عبر البطاقة الذّكية.
ويقول فادي نعيم (30 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان السّويداء، لنورث برس، إنّ الحكومة تحاول قمع أي حراك شعبي مطلبي سلمي، “بالطّريقة العسكريّة”.
وضمت التعزيزات العسكرية سيارات لحمل الجنود وسيارات دفع رباعي تحمل الدّوشكا، إضافة لنشر القناصات على أسطح الدّوائر الحكومية وقطع شبكة الإنترنت، حسب وكالات إعلام محلية.
وأما عمر حاتم (28 عاماً) من سكان السّويداء، يعلن إدراك الجميع، أنّ سياسة الحكومة اليوم في السّويداء “ترهيبية”، ومشابهة لما حدث في بقية المحافظات.
وفي الحادي عشر من هذا الشهر، والذي صادف يوم الدّعوة إلى الاحتجاجات، شلت الحكومة حركة الطّرقات في السّويداء، ووضعت الحواجز على مداخلها، لمنع سكان الرّيف من دخول المدينة، كما قال “حاتم”.
ومع رفع الدّعم عما يقارب 596 ألفاً و628 عائلة، حمل الحراك الطّابع السّلمي، فتوقف على قطع الطّرق في أوتوستراد دمشق والرَّيف الشّرقي وصولاً إلى بلدة القريا في الرّيف الجّنوبي، والاعتصام أمام مقر عين الزّمان، وساحة الكرامة وسط المدينة.
إلا أنّ ذلك لم يمنعهم من الخروج ورفع أصواتهم بجملة “هنا السّويداء.. هنا سوريا”، حسبما قال “حاتم”.
وطالب المُحتجون بالعيش الكريم والوصول إلى حكم مدني ديمقراطي، وفقاً لما نقلته وكالات إعلام محلية إضافة لما نُشر على مواقع التّواصل.
ويلفت نظر العشريني فكرة حماية الأقليات التي تغنت بها الحكومة السّورية على مدار أعوام، لتستقطب الرأي العالمي.
ومعظم سكان السّويداء من أتباع الكنيسة الأرثذوكسية الشّرقية و الدّروز الموحدون الذين ينحدرون من غرب آسيا، ويشتق اسمهم من محمد بن إسماعيل الدّرزي.
ويضيف “حاتم”: “ألسنا في السّويداء من الأقليات؟، إذاً مفهوم الدّفاع عنا يرتبط بسيارات الدّوشكا التي تسد الطّرق بوجهنا”.
ويرجع استخدام القمع في السّويداء، إلى أنها “آخر ورقة للحكومة، تثبت كذب الصّراع الذي كانت تخوضه خلال السّنوات العشر الأخيرة”.
“القمع وحماية طريق المخدرات”
ومن جانبه يرى النّاشط السّياسي والمعارض مروان مداح، أنّ هذه الحشود العسكرية التي دخلت السّويداء، “استقدمت معها فصائل طائفيّة شيعية تابعة لإيران، بالإضافة لحزب الله الذي وصل إلى البادية الشّرقية للمدينة”.
ورُصدت تحركات “مريبة” لفصائل تابعة لإيران، متُجهة من مناطق الشّرق إلى الجنوب السّوري عبر البادية، حسب وكالات إعلام محلية.
ويعتبر “مداح” أنّ الهدف مما وصفه بـ”المشهد العسكري بعد الاحتجاجات”، إثبات أنّ “لا صوت أعلى من صوت الطّغيان، ولا شيء فوق الحذاء العسكري”.
ورغم دعم الجماعات المُسلحة أمنياً، حافظ حراك السّويداء على السّلمية منذ بدايته، ولكن “الطّاغية لا يتعظ من التّاريخ”، كما قال “مداح”.
ويخشى الناّشط السّياسي من لجوء القوات الحكومية للعنف، “لأنه سيصطدم بسخط المُحتجين. فعلى حد تعبيره “الاحتجاجات الأخيرة، خاطبت عقول السّكان جميعاً”.
ويتساءل “مداح” عن احتمالية تطبيق الحكومة السّياسة العسكرية القمعية ضد المحتجين في السّويداء، بجملة “هل تستطيع الحكومة استهداف الجبل كله؟ وهي الأعلم بتاريخ السّويداء النّضالي ضد الاحتلال”.
وذكر الناشط السياسي سبباً آخر لهذه التعزيزات، حيث يعتبر أنّ الحكومة السّورية وحزب الله تحولا إلى “المصنع رقم واحد لإنتاج المخدرات”.
وتعد الحدود الجنوبية والجنوبية الشّرقية منطقة حرة لتجارة المخدرات، حسب تصريحات ناشطين، شددوا على أنّ تعزيزات الحكومة، تهدف لحماية طريق تهريب المخدرات، خاصة بعد قرار الجيش الأردني التّعامل بحزم، مع أي محاولة تهريب.
ومن وجهة نظر “مداح”، فإن وجود المعبر مع الأردن من شأنه أن “ينعش المحافظة اقتصادياً”، في حال خروجه من بين أيدي الحكومة السّورية وما وصفها بـ”الميليشيات الإيرانية”.
احتمالية أخذ المتخلفين موجودة
وبدوره يقول عمر الطّويل (36 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة شهبا، أنه خلال هذه السّنوات لم يكن هناك محاولات للحكومة لردع العصابات المُنتشرة بالسّويداء، “جاءوا فقط عندما طالبنا بأبسط حقوقنا”.
ويتساءل “الطّويل” عن مكان هذه الجيوش، “عندما دخل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المدينة في 2018، وعندما قتل يوسف نوفل ومجد سريوي وأسعد البربور وغيرهم، على أيدي العصابات المدعومة أمنياً”؟.
وينفي الكاتب والمعارض السّوري حافظ قرقوط، ادعاء استقدام التّعزيزات لمحاربة “الإرهاب”، إذ أنّ الحكومة “تعرف أفراد العصابات بالأسماء وتمولهم وتحميهم”.
ويذكر “قرقوط”، ما حدث الصّيف الماضي بمدينة شهبا، عندما قُتل ثلاثة من آل الطّويل على يد أفراد العصابات.
ورفض آل الطّويل الأخذ بعزاء ابنيهما صقر وياسر، الذين كانا في السّويد وعادا قبل الواقعة بأيام، ومنجد الطّويل الذي اختلف مع شقيق أحد أفراد العصابات، لأنه يزعجه بصوت دراجته النّارية.
وعند انتفاض سكان المدينة بوجه العصابات، وملاحقتهم، يشير الكاتب إلى أنهم عثروا في حوزتهم على مادة السّيفور التي لا تصنع إلا في المنشآت العسكرية، إضافة لبطاقات أمنية بأسماء أفراد العصابات.
ولا يعتقد “قرقوط” أنّ هذه التّعزيزات قادرة على التّصادم مع أبناء الجبل لتجنيدهم أو حتى اعتقالهم على الحواجز.
وفي حال حدث ذلك، لا ينفي “قرقوط” حدوث اصطدام مباشر، كالذي جرى في عهد الشّيخ وحيد البلعوس، “إن وصل الأمر لهذا الحد، حتى الأطراف السّاكنة ستكسر صمتها”.
وفي الرّابع من سبتمبر/ أيلول 2015، تعرض وحيد البلعوس مؤسس حركة رجال الكرامة للاغتيال، وكان قد حمى الرّافضين للانضمام إلى الخدمة العسكرية الإلزامية.
وفيما يتعلق بالوساطة الرّوسية، توقع “قرقوط” تدخلهم لإيجاد حلول، “إلا أنهم لن ينجحوا بذلك”.
وحول هذا الموضوع يعلق الشّيخ ليث البلعوس نجل الشّيخ وحيد، بالقول: “موقفنا معروف للقاصي والدّاني، ولن نتراجع عنه”.
وزُودت المراكز الأمنية في السّويداء بنحو 150 إلى 300 عنصر، إضافة لتعزيزات على الحواجز، وزيادة عددها.
ويلعب سكان الجبل حتى الآن دور “المراقب” كما وصف “البلعوس” الأمر، ولكن في حال حدوث أي اعتداء “سيكون الرّد قاسياً”.
ودعا الشّيخ سكان الجبل للوقوف بكرامة و”الإجتماع على كلمة واحدة”.