إدلب – نورث برس
تُطلق هيئة تحرير الشّام (جبهة النّصرة سابقاً)، التي تخضع معظم مناطق إدلب لسيطرتها، إضافة للتنظيمات المُنضوية تحت رايتها، يد عناصرها لارتكاب الجّرائم، عبر التّغطية عليهم، وإجبار المُتضررين على قبول التّعويضات.
وأثناء مداهمة المبنى الذي يقطنه مصطفى عزوز (42 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازح من سراقب، استقرت رصاصة عناصر الهيئة، في عموده الفقري عمداً، وهو في شرفة منزله بإدلب، ليفقد على إثرها قدرته على الحركة.
ويدرك الرّجل أنّ تقديمه لشكوى في محاكم الهيئة، “هباء”، إذ دفعوا له مبلغاً قدره ألفي دولار أميركي، ليلتزم الصّمت، بعد أن طالب بمحاسبة الجّاني، كما قال لنورث برس.
ولم يغطِّ التّعويض تكلفة العمليات الجّراحية والأدوية، حسبما يشير مصطفى، فنظراً لعدم قدرته على العمل، يعاني من حالة اقتصادية مترديّة.
ويعيش هو وأطفاله الأربعة على ما يعطيهم إياه ميسوري الحال، كما قال.
حياةٌ مقابل ليترات وقود
وفي الحادي عشر من شباط/ فبراير من العام الجّاري، فرقت الهيئة بالرّصاص احتجاجات نازحين في مخيم أطمة شمال غربي سوريا، طالبت بمحاسبة هيئة تحرير الشّام، بسبب إطلاق النار على فاطمة الحمد (28 عاماً)، وهي نازحة من بلدة سفوهن.
ولم تكن الشّابة تعلم أنّ تهريبها لـ”كالون مازوت”، من مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة في ريف حلب، عبر معبر دير بلوط، لتتمكن من إعالة أطفالها، في ظل أوضاع اقتصادية مُترديّة، سيكلفها حياتها.
وفي العاشر من شباط/ فبراير الجاري، توفيت فاطمة في مشفى باب الهوى الحدودي، مُتأثرة برصاصة في الرأس.
وظهر مقطع فيديو مصور لأحد أطفال فاطمة وهو يقول: “أمي قوصوها بالروسية وبلش الدم يكب منها.. أمي بتشتغل وبتصرف علينا، وبتمنى ترجع بالسلامة مشان تعيشنا”.
وكشفت مصادر مقربة من الضّحية، لنورث برس، أنّ الهيئة “تحاول تمويه الحادثة، لإجبار ذويها على القبول بالدّية، وعدم ملاحقة عناصرها، ومحاكمتهم قضائياً وكأن شيئاً لم يكن”.
وبعد الاشتباكات التي اندلعت بين الهيئة والجموع السّاخطة على ممارساتها، عُقدت جلسة صلح بين قيادة الهيئة وذوو فاطمة، لتخفيف التّوتر.
بخطأ مُباشر روحان سقطتا
وفي منتصف ليلة التّاسع من تشرين الثّاني/ نوفمبر 2020، قتل عناصر الهيئة، شابين وهما عمر طه غنوم، ووضاح عبد الكريم غنوم، أثناء مرورهما على حاجز عين شيب، الواقع في شارع الثلاثين بمدينة إدلب.
وبررت الهيئة الحادثة، بأنها قتل “خطأ لا قصد”، الأمر الذي لاقى سخطاً، عبرت عنه الاحتجاجات التي خرجت وسط المدينة، لتطالب بمحاسبة الجناة وتحويلهم للقضاء، وخروج الهيئة من المنطقة.
وحسب مكتب العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشّام، فإنّهم تلقوا شكوى بوجود حركة غير طبيعية في المكان، مما دفع بعض العناصر للتحري والبحث، وتصادف ذلك مع مرور الشّابين على دراجة نارية.
وأضاف: “سارع الشّابان بالهرب، مما دعا العناصر لإطلاق النّار عليهما، لإيقافهما فقط”.
بينما ذكر البيان الذي أصدره آل غنوم، أنّ أبنيها قتلا ظلماً بإطلاق نار مباشر، وذلك بعد أن خرجا من مزرعتهم الكائنة في مكان الواقعة.
وأجبرت الهيئة ذوو الضّحايا، على قبول الدّية من قبل لجنة الصّلح التّابعة لها، وهددوهم بجملة “يا إما تأخذوا الدّية، يا ما رح يطلعلكم شي”، حسب مصادر مقربة من ذوي المغدورين.

ودعا ذوو المغدوران إلى الخروج في احتجاجات، إلا أنّ عناصر الهيئة عملوا على تفريقها مراراً وتكراراً بقوة السّلاح، في حين أنّ المرصد السّوري لحقوق الانسان يستمر بالتّحذير من الانفلات الأمني المُستمر في تلك المناطق.
أرواح السّكان تتحول لدمى
ويشتكي سكان في إدلب، من تضييق الهيئة الخناق عليهم، عبر أجهزتها الأمنية، وفرض أحكامها ومعتقداتها، في حين يتدخل عناصرها بأدق تفاصيل حياتهم، الأمر الذي يشبه ممارسات تنظيم الدّولة الإسلامية (داعش).
وعلى أطراف الطّريق الدولي حلب – اللاذقية، بالقرب من بلدة الكفير جنوبي جسر الشّغور في ريف إدلب الغربي، عثر السّكان على جثة رجل مجهول الهوية مقيد بسلاسل معدنية، حسب المرصد الحقوقي، وهي الحادثة الرّابعة منذ بداية شباط/ فبراير الجاري.
ومن جانبه، قال رائد صلاح الدّين (28 عاماَ)، وهو اسم مستعار لناشطٍ إعلامي مقيم في إدلب، إنّ الهيئة تطلق العنان لعناصرها للاستمرار بارتكاب الجّرائم بحق السّكان الآمنين، “لا يحاسبون الفاعلين ويتسترون عليهم”.
ويواصل عناصر الهيئة عمليات الاعتقال التّعسفي وتهجير سكان عدد من المخيمات في إدلب، إضافة للترهيب، وتعليق قضايا القتل على ذمة فاعلين مجهولين، ذلك أنها لا تخضع لمحاسبة أو رقابة.
ووصف “صلاح الدّين”، هذه الحوادث بـ”ممارسات العصابات واللصوص”، وطالب بالضّغط على “عناصر الجّولاني”، لأن حياة السكان “ليست ألعوبة بأيديهم”.