ما بين تركيا وإيران

ما بين تركيا وإيران توجد الدول العربية التي هيأتها أزماتها المتناسلة بعضها من بعض بتأثير الخارج حيناً، ونتيجة النظام السياسي العربي دائماً، لتكون ساحة للتنافس ومجال حيوي لمشاريعها الخاصة.

خلال العقدين الماضيين كان لافتا دخول إيران وتركيا إلى المجال الحيوي العربي لتصير قصة دخولهما، خلال مدة زمنية قصيرة، الشغل الشاغل للطبقة السياسية العربية وللجمهور العربي على حد سواء. ليس هذا وحسب، بل صارت القصة عينها محط اهتمام الفواعل السياسية الدولية، خصوصاً، أولئك الذين حرصوا دائما على إبقاء الساحة العربية مباحة لهم وحدهم، ساحة للتنافس وتأكيد النفوذ من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أعني الفواعل الغربية عموماً.

لقد شكل الدخول الإيراني ومن ثم التركي إلى المجال السياسي العربي علامة بارزة في العقد الأخير من خلال نجاحهما اللافت في جذب الاهتمام المحلي والدولي هذا من جهة، ومن خلال نجاحهما في تأسيس قاعدة قوية لمصالحهما الخاصة سواء من الناحية الرسمية أم الشعبية من جهة اخرى. وفي كلتا الحالتين ساهمتا ولا تزالان تساهمان في تحريك المياه السياسية العربية الراكدة، وتنشيط النقاش السياسي والأكاديمي والشعبي حول أسباب هذا الدخول السياسي وأهدافه القريبة والبعيدة.

ينبغي الاقرار بأن الدخول الإيراني والتركي إلى الساحة العربية هو دخول طبيعي فهما يتحركان ضمن مجالهما الحيوي الإقليمي بحكم كونهما دولتان في المنطقة، يتشاركان مع الدول العربية، فضاء ثقافياً واحداً وجزءا من تاريخهما. ولذك ثمة مشتركات كثيرة، بين السياسة الإيرانية والسياسة التركية تجاه الدول العربية من أبرزها ما يأتي:

     1- كلتا الدولتين لديهما مشاريع وطنية كبيرة يسعيان لتأمين بعض عناصر نجاحها في المجال الحيوي العربي وعلى حسابه.

      2-كلتا الدولتين في حالة خصومة مع أغلب الدول العربية، إيران في ظل حكم رجال الدين، وتركيا في ظل حكم العدالة والتنمية ذي التوجه الاسلامي أيضاُ.

3- كلتا الدولتين تستخدمان قوى محلية وتوظفانها في خدمة مشاريعهما السياسية، فإيران تستخدم الشيعة في حين تستخدم تركيا حركات الاسلام السياسي.

     3-كلتا الدولتين تحتلان أجزاء من بعض الدول العربية، إيران تحتل عربستان وبعض الجزر الإماراتية، وتركيا تحتل لواء الاسكندرون السوري وتطمع  لضم مناطق اخرى من سورية إليها.

لكن ثمة جوانب اختلاف جوهرية  بين سياسات الدولتين نذكر منها:

      1-دخلت إيران إلى المجال السياسي العربي من بوابة الأيديولوجيا، من خلال الترويج لنموذجها الإسلامي في الحكم وفي بناء الدولة. في حين دخلت تركيا من بوابة السياسة للترويج لنظامها السياسي الاسلامي الليبرالي.

     2-  تقدم إيران نفسها كعدو لإسرائيل وهي تقيم تحالفات قوية مع حركات المقاومة العربية وتقدم الدعم العسكري وغير العسكري لها، في حين تقدم تركيا نفسها كصديق لجميع الأطراف وتقيم علاقات تعاون معها تسعى من خلالها إلى إيجاد حل سياسي تفاوضي لقضية فلسطين، ولقضايا الصراع العربي الإسرائيلي الأخرى.

      3-تسعى إيران لتأكيد قوتها العسكرية في المنطقة مما يولد هواجس معينة لدى دول الخليج العربية. في حين تسعى تركيا لتأكيد نفوذها السياسي والاقتصادي لتأكيد زعامتها الاسلامية السنية، مما خلق أيضا بعض النفور لدى دول عربية معينة وفي طليعتها السعودية ومصر.

     4-في الساحة السورية تقف ايران الى جانب النظام وتدعمه، في حين تقف تركيا إلى جانب القوى  الاسلامية الجهادية المتطرفة.   

ويبقى السؤال كيف يتفاعل العرب مع الدور السياسي الإيراني والتركي المستجد؟

لقد اختلف العرب فيما بينهم، في تقويم كل من الدور السياسي الإيراني والتركي في المجال السياسي العربي. ففي حين وقفت سوريا مع إيران منذ قيام الثورة الإيرانية ولا تزال، وقف أغلب الدول العربية ضدها واتهمها بالتدخل في شؤونها الداخلية. وتوترت العلاقات أكثر بين هذه الدول وإيران بسبب مشروع هذه الأخيرة النووي، ورأت فيه تهديدا امنياً استراتيجياً لوجودها ولمصالحها.

أما بالنسبة لتركيا، فكانت علاقاتها مع أغلب الدول العربية طبيعية لكنها كانت متوترة كثيراً مع سوريا، من جهة بسبب دعم سوريا، في حينه، لحزب العمال الكردستاني وإيوائها لزعيمه عبد الله أوجلان على أراضيها. ومن جهة ثانية بسبب  تدخلها في سورية بعد تفجر ازمتها دعماً للقوى الجهادية المتطرفة. لكن علاقاتها مع أغلب الدول العربية توترت لاحقا من جراء محاولاتها تقديم نفسها كزعيمة للدول الاسلامية ومن خلال دعمها للحركات الاسلامية وخصوصا المتطرف منها.

بصورة عامة، يمكن القول، إن المواقف العربية من كل من إيران وتركيا، تختلف باختلاف التزاماتها السياسية الخارجية غالباً، وقليلا ما تنبع من مصالحها الوطنية. هذا لا يعني إن إيران لا تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فدعمها لحركات التشيع، ومواقفها تجاه قضايا الأمن في الخليج، أو تهديدها لبعض دوله جميعها مواقف سياسية تولد الشك والريبة تجاهها.

أما بالنسبة لتركيا فإن مواقفها السياسية تجاه الدول العربية أقل إشكالية فهي متعاونة مع بعضها بخصوص الأزمة السورية، متنافرة بخصوص سعيها لقيادة العالم الاسلامي ودعم حركات الاسلام السياسي.

إن غياب العرب، عن ساحة الفعل السياسية، والاقتصادية، وغياب أي مشروع نهضوي حقيقي، سواء على صعيد الدول العربية منفردة ام على صعيدها مجتمعة هو المسؤول عن إباحة الساحة العربية للآخرين البعيدين منهم أم القريبين. لا ينبغي أن يلام أحد وهو يدافع عن مصالحه في المجال العربي، بل اللوم كل اللوم يقع على العرب، الذين لا يستطيعون الدفاع عن مصالحهم في مجالهم الخاص، عداك عن مجال الآخرين.