تركيا وتنظيم “داعش” ارتباط وثيق تشهد عليه الأحداث
القامشلي – نورث برس
منذ بداية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في كوباني، توالت الهزائم انطلاقاً من منبج وصولاً إلى الطبقة ثم “عاصمة الخلافة” المزعومة مدينة الرقة حتى آخر معاقل التنظيم في منطقة الباغوز بريف مدينة دير الزور، حيث فر المئات من عناصر التنظيم إلى مناطق تسيطر عليها تركيا شمال شرقي سوريا.
ولعل مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2019 في ريف إدلب الشمالي على الحدود التركية ومقتل خليفته أبو إبراهيم القرشي في ذات المنطقة في الثاني من شباط/ فبراير الجاري، هو أكبر دليل على انتقال عناصر التنظيم وقادته إلى مناطق تسيطر عليها تركيا.
وبالرغم من أن تركيا عضو في الناتو وحليف للولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تواجد هؤلاء المصنفين على قوائم المطلوبين في مناطق خاضعة لسيطرة تركيا بات يثير التساؤلات عن سبب اختيار هؤلاء لهذه المناطق.
كما أثارت تساؤلات عن الدعم التركي لهم وتوفير الحماية لهم، ناهيك عن أن تركيا ومنذ بداية ظهور التنظيم فتحت مطاراتها لدخول العناصر الأجنبية إليها والانتقال منها إلى سوريا والعراق عبر الحدود دون أي رقابه.
وانضم قسم كبير من هؤلاء إلى فصائل الجيش الوطني السوري “الجيش السوري الحر سابقاً”، وتسلموا مناصب قيادية في تلك الفصائل في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا.
تركيا تطلق سراح عناصر “داعش”
في أيار/مايو 2019، كشف موقع “نورديك مونيتور” السويدي عن وثائق استخباراتية سرية، كشفت عن إفراج السلطات التركية عن غالبية العناصر الأجانب الذين ألقي القبض عليهم في تركيا، بين عامي 2014 و2016، للاشتباه في نشاطهم “الإرهابي”.
واشتملت الوثائق على بيانات إحصائية سرية، احتفظ بها قسم الاستخبارات بقوات الدرك التركي، بدءاً من الأول من كانون الثاني/يناير 2014 إلى الثلاثين من حزيران/يونيو 2016.
وأشارت تلك البيانات إلى أن المحاكم التركية لم تدن سوى 224 شخصاً، بنسبة 37% من إجمالي 607 معتقلين حسب ما نقل مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا.
وفي الفترة ذاتها، ألقت قوات الدرك، القبض على 311 شخصاً في المناطق الحدودية، ولم يدن القضاء التركي سوى 39% منهم، وأطلق سراح الباقين.
الموقع السويدي، أشار إلى أن تلك الأرقام تمثل جانباً ضئيلاً من الأعداد الحقيقية، في ضوء افتقار الوثائق الاستخباراتية لبيانات الحصر الشامل لعدد المعتقلين، والتي يعدها قسم الشرطة.
ولم تذكر البيانات أي معلومات عن عدد المعتقلين الذين أُطلق سراحهم أثناء المحاكمة، فيما يشير “نورديك مونيتور” إلى أن غالبية الأفراد الذين اعتُقلوا رسمياً بتهمة الانتماء لتنظيمي “داعش” والقاعدة في تركيا، أُفرج عنهم على نحو سريع، أثناء سير الإجراءات القانونية في المحكمة.
وشدد الموقع السويدي على أن الفترة من 2014 إلى 2016 شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد العناصر الأجانب الذين قدموا إلى تركيا، في طريقهم للالتحاق بالتنظيمات المتشددة في سوريا.
وفي عام 2015 وحده، وصل الرقم إلى 499 شخصاً، واتسعت قائمة البلدان التي قدموا منها، لتشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا والسويد وفنلندا واليابان والصين وروسيا والهند، وغيرها.
وتشير الأرقام إلى أن عدد المعتقلين الأجانب والأتراك وصل إلى 700 عنصر، فيما بلغ عدد النساء 202 امرأة، و16 طفلًا.
الوثائق السرية التي حصل عليها موقع “نورديك مونيتور”، فضحت تواطؤ القضاء التركي مع أحد أخطر العناصر المتشددة، يدعى إلهامي بالي، والذي قاد شبكة لتهريب العناصر إلى سوريا للالتحاق بالتنظيمات التي تقاتل قوات الحكومة السورية.
“نورديك مونيتور” قال إن “بالي”، واسمه الحركي “أبو بكر”، أصبح مسيطراً على الحدود التركية – السورية، مهمته تيسير وتنظيم حركة العناصر الأجانب والمحليين في المنطقة الحدودية، ذهابًا وإيابًا.
وأشار إلى أنه ظل لفترة طويلة، تحت مراقبة سلطات العدالة والتنمية، عبر التنصت على هاتفه بشكل منتظم، بأمر من المحاكم الجنائية.
وكشفت تسجيلات صوتية مسربة نشرها الصحافي التركي عبد الله بوزكورت أن “حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مكنت – بل وسهلت – حركة المقاتلين الأجانب والأتراك عبر الحدود التركية إلى سوريا للقتال إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي”.
وتظهر التسريبات الصوتية للمكالمات الهاتفية أن الحكومة التركية كانت تعرف أسماء ومواقع 33 مواطناً تركياً تعهدوا بالعمل كسائقين في “شبكة التهريب التابعة لداعش”.
وقبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية في تركيا، التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015 وقعت ثلاثة انفجارات إرهابية في العاصمة أنقرة أودت بحياة 142 شخصاً.
ممثلو الادعاء العام التركي، اتهموا، أبوبكر (إلهامي بالي) بأنه العقل المدبر للهجمات، والتي كان من شأنها زيادة شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، حسبما اعترف رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو.
وبعد ذلك بعام، أصدرت محكمة جنائية أمراً آخر باعتقال “بالي” لدوره في تفجيرات أنقرة، في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2015، والتي أودت بحياة 120 تركياً، واستهدفت منظمات غير حكومية وأنصار الأحزاب اليسارية، والموالية للكرد، الذين احتشدوا في مسيرة تدعو إلى السلام في سوريا، وترفض التدخل التركي في الحرب.
دعم التنظيم في سوريا
إلى جانب تلك الوثائق التي لخصت الدعم التركي لتنظيم “داعش”، كشفت تقارير إعلامية عن دور تركي لحماية ودعم التنظيم في سوريا.
وذكر مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا في السادس من كانون الثاني/يناير 2019، أن مجموعة من عناصر وقيادات “داعش” فروا من سجون الجماعات المسلحة الموالية لتركيا، بينهم جنسيات غير سورية، من سجن تابع لفصيل “أحرار الشرقية” بمنطقة راجو في مدينة عفرين.
وكشف أن مثل هذه العمليات دليل على “النجاحات الكبيرة” التي يحققها الجهاز الأمني لتنظيم “داعش”، الذي بدأ ينشط في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، ويخطط فيها لشن المزيد من الهجمات على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
ويستفيد التنظيم من الحماية التركية، وعلاقاته الوثيقة مع فصائلها ضمن الجيش الوطني، سيما وأن التنظيم يمتلك ميزانية ضخمة، فيما هذه الفصائل تعاني من شح في التمويل الذي باتت تركيا عاجزة عن توفيره.
وسبق أن تمكن أكثر من 20 سجيناً من عناصر وقيادات “داعش” من الهروب من سجن لأحرار الشام في إدلب، في عملية تمكن فيها السجناء من أسر السجّان.
وفي الثالث عشر من تموز/يوليو 2018، هرب 15 عنصراً من سجن تابع لفصيل فيلق الشام بينهم جنسيات أجنبية.
واستطاع عدد من قيادات “داعش”، الفرار من سجن تابع للمكتب الأمني لحركة أحرار الشام في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، إضافة لتهريب سجناء ينتمون للتنظيم على أيدي هيئة تحرير الشام إبان هجومها على أحرار الشام في الشمال.
وبعد الهجمات التركية على مناطق شمال شرقي سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، استغل التنظيم الهجوم للفرار من السجون، ومن مخيم عين عيسى، لا سيما وأن مسلحي المعارضة كان لهم هدف تخليص هؤلاء كما ادعوا.
وأشاروا إلى أن المعتقلين من “داعش” وعائلاتهم في سجون “قسد” هم “أسرى حرب” وأن تخليصهم “واجب جهادي”، حسب ما أفاد مركز توثيق الانتهاكات.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، كشف مركز تويثق الانتهاكات في شمال سوريا عن قائمة بأسماء 132 عنصراً سابقاً في تنظيم “داعش” يعملون الأن ضمن صفوف فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من قبل تركيا والذي يسيطرون على مناطق في شمال شرقي سوريا.
“داعش” يظهر بمناطق سيطرة تركيا
كشفت صور ومقاطع فيديو بثت في مدينة سري كانيه (رأس العين) عن ظهور علني لعناصر تنظيم “داعش” لأول منذ إعلان تدمير الخلافة في آخر معاقله بمدينة الباغوز بريف دير الزور في آذار/ مارس 2019.
ورفع متظاهرون وعناصر من فصائل المعارضة السورية المسلحة في مدينة سري كانيه شرقي الفرات، علمي تنظيمي “داعش” و”النصرة” أثناء مسيرة منددة بتصريحات ماكرون الأخيرة حول الإسلام وحرية التعبير.
وأظهرت المقاطع العشرات من عناصر التنظيم وهم يرفعون رايات “داعش”، ويرددون أناشيد الخلافة ويرفعون دعوات الانتقام، وذلك ضمن حملة تحريض واسعة تقودها تركيا ضد فرنسا.
ومن أبرز الجماعات المدعومة من قبل تركيا حتى اليوم والمتهمة بارتكاب جرائم حرب وتشرف الاستخبارات التركية على عملها بشكل مباشر هي فرقة الحمزة كما أن غالبية عناصرها من المقاتلين السابقين في تنظيم “داعش”.
وفي حزيران/يونيو 2021، كشف محمد العبدلله وهو أحد القادة المنشقين من تجمع أحرار الشرقية، أحد فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، أنّ العديد من قادة “داعش” السابقين، وعناصره تم إعادة تجنيدهم ضمن صفوف أحرار الشرقية.
وأضاف “العبدالله” أن المدعو حاتم أبو شقرا “أحمد إحسان فياض الهايس”، يدير عمليات تجنيد عناصر “داعش” وحماتهم وتهريبهم.
وبهذا السرد يظهر جلياً الدور التركي في دعم وتأمين عناصر وقادة “داعش” في سوريا، خاصة أن زعيمي التنظيم “البغدادي” و”القرشي”، تم القضاء عليها بالقرب من الحدود التركية.