منبج _ نورث برس
يتعمد النّازح الخمسيني “محمد العساني” من المنطقة الحراريّة شرقي حلب، اصطحاب أحفاده إلى حمام “قصر العظم” في منبج، لينخرطوا في الأجواء التي عاشها قديماً، بعيداً عن زحمة التّطور التّكنولوجي.
وقال “العساني” لنورث برس مستذكراً شبابه: “كنت وأصدقائي نذهب كل خميسٍ لحمام السّوق، ونتسامر ونُغني، هكذا كنا نجد مساحة للتنفس”.
ويعتبر حمام السّوق عادةً قديمة توارثها السّوريون، “سكان منبج لم يعتادوا الذّهاب إليه، فلا يوجد لديهم إلا حمام واحد، لا يستخدم”، كما أفاد “العساني”.
ويوجد في منبج قديماً حمام عمره مئة عام تقريباً، ونتيجة سيطرة الفصائل المُسلحة على منبج في 2012، تحول إلى كافيه بعد توقفه عن الخدمة في ستينيات القرن الماضي، وفي 2014، وإبان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المدينة تحول الحمام لـ”مركز إعلامي”.
وبعد خروج “داعش” من المدينة لم يعد هناك أي استخدام للحمام القديم وأصبح مهجوراً ومن هنا جاءت فكرة افتتاح حمام جديد في منبج.
وافتتح حمام قصر العظم في منبج نهاية العام الماضي، وتفاصيله المعمارية مشابه لحمام قصر العظم في دمشق.
واستوحى المُنشئ فكرة بناء حمام ومطعم في منبج، من الحمامات الدّمشقية القديمة، ليحرص على إدخال الألوان والنّقوش الشّامية، واقتبس الاسم من “قصر العظم” في دمشق، كما ورد على لسانه.
فاستحضر رياض الحميدي وهو صاحب الحمام، الألوان المقاربة للألوان في الحمامات القديمة كاللون الأصفر والأسود المتداخلين على شكل خطين متوازيين.
بالإضافة لهيكل البناء كالقناطر عند دخول الحمام والأواني الحجرية التي يوضع فيها الماء والتي تعتبر تقليداً للحمامات الدمشقية.
وحول الهدف من الحمام، قال “الحميدي”: “أرغب باستحضار تراث الماضي المنسي، وإرجاع عادة زيارة الحمامات كل خميس، إلى الحياة”.
وحمام قصر العظم في دمشق كان خاصاً بـ”أسعد باشا العظم” أثناء حكمه وتوليه لـ”دمشق” في عام 1744م، وهذا الحمام يختلف عن حمامات السوق، فهو حمام خاص بـ”أسعد باشا” وعائلته فقط.
ويعد الحمام تحفة معمارية بشكله، والداخل إليه يمكنه أن يتصور حالة الترف والرخاء التي كان يعيشها أهل القصر، فالحمام فيه من الزخارف والنقوش الموجودة على الجدران والأرضيات ما يليق بأن تكون في قاعات القصر المعدة للاستقبالات الكبرى.
ويصف “الحميدي” تفاصيل الحمام المعمارية، بالقول “يقودك باب الحمام الخشبي التّراثي لردهة كبيرة (البراني) فيها مسبح شتوي، ومدخل آخر يفضي للحمام (الجواني) المقسم لغرف صغيرة لا تتجاوز الثلاث أمتار”.
وتحتوي كل غرفه عُدة للاستحمام من “الصّابون وأكياس الفرك”، أما المياه فهي ضمن أواني حجرية توحي بلمسات الماضي، حسب كلامه.
ولفت النّظر لوجود “غرفة السّاونا” التي يدخلها الزّائر قبل أو بعد الحمام “الحرارة فيها تُرخي الجّسد”، ليقوم المُدلك بمساج للمُستحم، وبعدها يخرج إلى (البراني) ليجلس مع رفاقه.
ومن جانبه، يعتبر أنس الحسين (25 عاماً) وهو أحد سكان منبج، تجربة القدوم إلى الحمام غير مألوفة بالنسبة له، “كان لدي فضول لأجرب الماء السّاخن، والتدليك، والسّاونا”.
وتسعيرة الاستحمام عشرة آلاف ليرة سوريّة، يجدها “الحسين” مقبولة لأصحاب الدّخل المتوسط والجيد، “ذوو الدّخل المحدود سيحرمون من هذه التّجربة”.
وبالمقابل يرى صاحب حمام “قصر العظم” التّسعيرة ملائمة، “هي تتماشى مع التّكاليف التي أدفعها من محروقات لتسخين الماء، ومواد التّنظيف”.
وأضاف “الحميدي”، يوجد مطعم يقدم المأكولات على اختلاف أنواعها في نفس المبنى والأطعمة التي يقدمها هي اللحوم المشوية والفروج بأنواعه إضافة للأسماك أيضاً بأنواعها يقصده زوار المطعم وبعض الزبائن ممن لا يرغبون بالاستحمام ويفضلون تناول الطعام فقط.
ويعمل في الحمام والمطعم ثلاثٌ وعشرون عاملاً يتقاضون بين 50 ألف والـ100 ألف ليرة سورية أسبوعيا بحسب طبيعة عمل كل واحد منهم ويتناوبون في دوامين صباحي ومسائي، ويقول الحساني أنّ ذلك لإتاحة الفترة الصّباحية للنساء، بإدارة نسائية بالطبع.
ويلقى الحمام إقبالاً ملحوظاً منذ افتتاحه، على اعتبار أنه شيء جديد وتجربة يحبذ جميع الزوار القيام بها والاستمتاع بأجواء الاستحمام القديمة.
ويخطط “العساني” للمُداومة على زيارة الحمام كل خميس كما جرت العادة في السابق.