مهنة الخياطة سبيل نازحات من عفرين في ريف حلب الشمالي لإعالة عائلاتهن

ريف حلب- نورث برس

تنهمك أسمهان كريم (35 عاماً) وهي نازحة من مدينة عفرين في خياطة ثوب نسائي بينما تروي ذكرياتها مع مهنتها وورشتها والظروف التي عاشتها بعد نزوحها من مسقط رأسها.

وفي مخيم سردم الخاص بنازحي عفرين بريف حلب الشمالي، تعمل السيدة الثلاثينية ونساء أخريات في ورشة خياطة الملابس لإعالة عائلاتهن ومواجهة الظروف المعيشية الصعبة في منطقة النزوح.

وكانت “كريم” قبل نزوحها، صاحبة ورشة خياطة تضم أكثر من 30 آلة خاصة بحبكة الملابس وخياطتها، وتقدر قيمتها الآن بأكثر من عشرين مليون ليرة سورية وكانت تعمل لديها قرابة 30 امرأة.  

ولكن بعد الاجتياح التركي برفقة فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا لمنطقة عفرين، تركت “كريم” ورشتها وخرجت برفقة عائلتها من عفرين ولم تستطع إخراج محتويات الورشة معها.

وفي العشرين من كانون الثاني/ يناير من عام 2018، شنت القوات التركية برفقة فصائل معارضة مسلحة موالية لها، هجوماً برياً وجوياً على عفرين، تحت ذريعة طرد الجماعات “الإرهابية” وحماية أمنها القومي.

لكن القصف المدفعي والجوي، حينها، والذي لم يتوقف على مدار 58 يوماً، تسبب بمقتل 498 مدنيّاً وإصابة أكثر من 696 آخرين منهم 303 أطفال و213 امرأة، وفقاً لما وثقته منظمات ومراكز حقوقية تنشط في شمال شرقي سوريا. 

كما أدى الاجتياح التركي لتهجير أكثر من 300 مدني من المنطقة، بحسب إحصائية الإدارة الذاتية لإقليم عفرين العاملة حالياً بريف حلب الشمالي.

وتوزع قسم من النازحين في مخيمات العودة وعفرين وبرخدان وسردم وشهبا، بينما توزع آخرون على 42 قرية وبلدة بريف حلب الشمالي.

في حين فضلت عائلات أخرى العيش في مدن وبلدات سورية أخرى، لا سيما التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهاجر آخرون لخارج البلاد.

“أجر قليل”

وقبل نحو ثلاث سنوات، افتتحت هيئة المرأة التابعة للإدارة الذاتية في إقليم عفرين والعاملة حالياً في ريف حلب الشمالي، الورشة، إلا أنه وبسبب ضعف الإمكانات أغلقت عدة مرات، ليعاد افتتاحها قبل نحو ثلاثة أشهر، بدعم من جمعية “أنقذوا عفرين” وهي جمعية غير رسمية تضم نازحين من عفرين في المهجر.

وتعمل حالياً في الورشة اثنا عشر امرأة، ثمانية منهن متدربات وثلاثة تشرفن على العمل وتخطن الملابس وواحدة  مسؤولة عن الورشة.

وتضم الورشة خمس آلات خاصة بالخياطة وتتدرب وتعمل عليها النساء يومياً لمدة ساعتين فقط، وذلك اعتماداً على الكهرباء التي تصل إلى المخيم من الساعة الثانية عشر ظهراً إلى الثانية عصراً فقط.

وتشير “كريم” وهي مشرفة على تدريب النساء في الورشة، بحكم خبرتها الطويلة في مجال الخياطة، إلى أن ظروفها المعيشية المتدنية بعد النزوح وقلة فرص العمل في المنطقة يجبرها على أن تعمل وتترك أطفالها الثلاثة في الخيمة خلال ساعتي العمل.

ولكن الأم المعيلة لثلاثة أطفال، يعاني أحدهم من قصور في النمو، بينما تشتكي هي من قصور في الغدة النخامية، من قلة أجرها والذي بات “لا يغير من وضعنا شيء، المبلغ الذي أحصل عليه بالكاد يكفيني لشراء الأدوية لي ولطفلي المريض”.

وتتقاضى المتدربات في الورشة 50 ألف ليرة سورية شهرياً، فيما يبلغ أجر المشرفات 100 ألف ليرة سورية.

وتتحسر “كريم” على ما آلت إليه حالها بعد النزوح، “بعد نزوحنا من ديارنا تغيرت أوضاعنا كلياً، لم نعد نملك شيئاً”.

“إمكانات ضعيفة”

ولكن زلوخ رشيد، رئيسة هيئة المرأة في إقليم عفرين أرجعت ضعف أجر العاملات إلى “ضعف الإمكانات، كما أن تمويل الجمعية للمشروع متواضع”.

وتشير “رشيد” إلى أن الحصار “الخانق” الذي تفرضه الحكومة السورية على مناطق توزع نازحي عفرين وما يرافقه من فرض ضرائب على البضائع والأقمشة عند دخولها إلى المنطقة، من أبرز العوائق التي تحول دون تطوير المشروع وافتتاح مشاريع مشابهة في المخيمات الأخرى.

ورغم تقدمها في العمر وصعوبة العمل، تتردد فضيلة خليل (51 عاماً) إلى الورشة لتعلم مهنة الخياطة واكتساب الخبرة، فالظروف المعيشية “صعبة”.

وتملك السيدة الخمسينية التي تنحدر من قرية قنطرة التابعة لناحية ماباتا بريف عفرين، وتسكن في مخيم سردم برفقة عائلتها، آلة خياطة وتعتمد عليها في تصليح بعض الألبسة وذلك بعدما تعلمت آلية العمل عليها.

وعند السؤال عن وضعها الحالي، لم تتردد “خليل” كباقي النازحين عن مقارنته بوضعها في عفرين، “كنا نعيش من خيرات أملاكنا، نزرع ونحصد ولم نكن نشعر بصعوبة الحياة، الآن الوضع صعب جداً، عائلتي كبيرة وزوجي مسن ولا يستطيع العمل”.

وتأمل السيدة الخمسينية العودة إلى ديارها، “فمع العودة سيتحسن حالنا أيضاً”.

ولا يختلف حال هيفين محمد (40 عاماً) وهي نازحة من قرية بيكه التابعة لناحية بلبل في عفرين وتسكن في مخيم سردم عن سابقتها، إذ أجبرتها الضائقة المالية للعمل في الورشة رغم الأجر القليل.

وكانت “محمد” تعمل في عفرين ضمن ورشة خياطة وتشاطر سابقتها في المعاناة، وتقول: “نعمل في هذه الورشة ولكن الأجر لا يكفي لشراء احتياجاتنا الأساسية، مصروف أولادي يزداد يوماً بعد يوم”.

وتضيف السيدة الأربعينية وهي والدة أربعة أولاد، بينما كانت تستعد لبدء خياطة ثوب، “نمر بظروف صعبة، أسعار المواد مرتفعة جداً، ساء حالنا بعد النزوح”.

إعداد: ناريمان حسو- تحرير: سوزدار محمد