السوريون و”داعش”

محمد سيد رصاص

كانت معركة كوباني (عين العرب) في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر 2014، للسادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2015، بداية النهاية لصعود تنظيم (داعش)، تلك البداية التي أنهت عملية انتصارات عسكرية له في العراق وسوريا على مدى سنتين ماضيتين منذ إعلان تأسيسه في التاسع من نيسان/ أبريل 2013، وأعطت مؤشراً على هبوط انحداري قادت إلى بداية فقدانه كل ما سيطر عليه من أراضي كانت تعادل مساحة بريطانية، وهو ما توج في آذار/ مارس 2019 مع هزيمته في معركة الباغوز في شرق ديرالزور.

هنا، كانت معركة كوباني (عين العرب) مترافقة مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في العاشر من أيلول/ سبتمبر عن تشكيل (التحالف الدولي ضد داعش)، حيث كانت تلك المعركة تعبيراً عن انخراط فصيل عسكري سوري في الجهد الدولي، ضد الفصيل الإسلامي المتطرف، هو (وحدات حماية الشعب) وهو الذراع العسكرية لـ(الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا)، بعد شهر من صدور القرار الدولي 2170 الذي اعتبر (داعش) و(جبهة النصرة) وسائر ما يرتبط بتنظيم القاعدة منظمات إرهابية.

ولكن مواقف القوى السياسية السورية قد أظهرت آنذاك بأنها لم تكن على موقف واحد من (داعش)، ففي موقف معلن عبر مقابلة مع صحيفة “العرب” الصادرة بتاريخ السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 2014، قال عمر مشوح، رئيس المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أن “تشكيل تحالف ضد تنظيم الدولة وعدم تشكيله ضد النظام هو نفاق غربي”، معلناً رفض هذا التحالف باعتبار “التنظيم يقوم بمحاربة النظام” وأن “المعركة الحقيقية هي ضد النظام ولا يمكن السؤال عن البدائل كما لا يمكن أن تنحرف بنادقنا إلى غيره” كما قال إن “تدخل الغرب من أجل ضرب تنظيم الدولة دون النظام لن يخدم الثورة” ثم كشف مشوح بأن الخلاف بين التنظيم والجماعة ليس سوى “خلافاً فكرياً”.

من جهة ثانية أعلن (المجلس الإسلامي السوري)، وهو تنظيم يضم رجال دين قريبون من جماعة الإخوان المسلمين، عن معارضته لتشكيل تحالف دولي من أجل ضرب (داعش)، وهو ما عبرت عنه تنظيمات عسكرية أيضاً، مثل (جبهة النصرة)، التي كانت قد أعلنت في نيسان/ أبريل 2013، أنها الفرع السوري لتنظيم القاعدة، و(جيش الإسلام) بقيادة زهران علوش، المتمركز في منطقة الغوطة، عندما عبرتا عن الرفض “للتحالف الدولي” ضد داعش واعتبرتا “أنه يفيد النظام” (من تحليل مواقف قامت به “مؤسسة كارنيجي” في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2014، ومن دراسة قامت بها “مؤسسة راند” لشبكات مؤيدي ومعارضي “داعش” على تويتر، صدرت في آب/ أغسطس 2016).

كان ما جرى عام 2014 من تباين لمواقف السوريين تجاه (داعش) هو بمثابة تكرار لما جرى في الشهر الأخير من عام 2012 عندما اعتبرت الخارجية الأميركية (جبهة النصرة) تنظيماً إرهابياً، وكيف وقف رئيس (الائتلاف) الشيخ معاذ الخطيب أمام مؤتمر “أصدقاء سوريا” في مدينة مراكش بالمغرب ضد القرار علناً، فيما اعتبر نائبه جورج صبرة  في  حديث إلى شبكة سي إن إن (19\12\2012) الأميركية حاورته فيه الإعلامية كريستيان أمانبور، أنه “لا يفهم سبب إدراج أميركا جبهة النصرة على لائحة الإرهاب” >وأضاف “أن الشعب السوري يعتبر النصرة جزءاً من الثورة”.

كان هناك اتجاه آخر مثلته (هيئة التنسيق الوطنية)، التي كانت تضم قوى سياسية عديدة منها (حزب الاتحاد الديمقراطي- pyd) الذي جمد عضويته في الهيئة بكتاب يحمل تاريخ 7\1\2016 ولم ينسحب منها، أن المشي مع الاتجاه الدولي ضد الرايات السود التي تحملها (النصرة) و(داعش) يساعد على تحقيق عملية التغيير في سوريا ويكسب أشرعة سفن التغيير رياحاً دولية مساعدة، لذلك وقفت (هيئة التنسيق) ضد داعش في معركة كوباني (عين العرب) وكانت ضد موقف (الائتلاف)المدافع عن (النصرة) في وجه قرار الخارجية الأميركية. هنا، كان موقف (هيئة التنسيق) مبني على أحاديث سمعها معارضون سوريون من مسؤولين أميركان وأوروبيين عن أن “تصدر الإسلاميين لصفوف المعارضة السوريين هو معيق للتغيير في سوريا وهو وضع غير مشجع للقوى الدولية على الانخراط فيه”.

وهناك كثير من المعلومات الشفوية في عالم المعارضة السورية عن أن واشنطن قد شجعت روسيا على التدخل العسكري في سوريا في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2015، لما كان تقدم المعارضة الإسلامية المسلحة في محافظة إدلب والغاب وفي محيط دمشق يهدد وجود النظام السوري ويجعل سقوطه محتملاً، وخاصة أن سقوط مدينة الموصل بأيدي (داعش) في العاشر من حزيران/ يونيو 2014، قد أطلق تقدمات عسكرية لـ”داعش” جعلته يسيطر على مجرى نهر الفرات من جرابلس وحتى الفلوجة وفي دجلة من الموصل إلى تكريت مما هدد مدينة بغداد بالسقوط.

ولم يكن المجتمع الدولي يريد سيناريو سوري في عام 2015 شبيه بما جرى من سيناريو عراقي بصيف 2014 أعقب سقوط الموصل وهو ما استدعى تشكيل التحالف الدولي ضد (داعش) في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2014، من قبل رئيس أميركي هو باراك أوباما كان يظن عند اكتمال الانسحاب العسكري الأميركي من العراق باليوم الأخير من عام 2011، أنه يغادر الشرق الأوسط مع إنهاء العملية العراقية التي بدأت عام 2003 من أجل التفرغ لمواجهة الصين في الشرق الأقصى.

بالمحصلة: كانت (داعش) موضع عدم توحد سوري ضدها، ولم تكن رغم كونها تنظيماً متطرفاً عاملاً لتجمع السوريين بمواجهتها، وحتى محاولة واشنطن للاستعانة بتنظيمات إسلامية مسلحة ضد (داعش) كانت بالنتيجة فاشلة، وهناك كثير من المؤشرات بأن قيادة (حركة أحرار الشام) لما أبيدت في تفجير أثناء اجتماعها بيوم التاسع من أيلول/ سبتمبر 2014، في بلدة رام حمدان في محافظة إدلب فإن هذا كان بفعل إما (داعش) أو المخابرات التركية حيث حصل الاجتماع بعد مجيء زعيم الحركة حسان عبود من اجتماع مع مسؤولين بالسفارة الأميركية في أنقرة وكانت الغاية أخذ موافقة قيادة الحركة على الاشتراك في القتال ضد (داعش)، وهي الحركة التي طردت (داعش) من محافظة إدلب وشمال حلب بعد قتال عنيف في كانون الثاني 2014 قتلت فيه مؤسس (داعش) الفعلي سمير الخليفاوي (حجي بكر) في بلدة تل رفعت وهو عقيد سابق في الجيش العراقي زمن صدام حسين.

من جهة ثانية، كانت (داعش) ذريعة عند موسكو لفك عزلة النظام السوري العربية من خلال اقتراح روسي قدمه وزير الخارجية سيرغي لافروف في حزيران/ يونيو 2015 لتشكيل تحالف اقليمي ضد (داعش) يضم دمشق والرياض وعمان وبغداد وأنقرة وهو مالم يلاقي تجاوباً.

من جهة ثالثة، وفعلاً، كانت (وحدات حماية الشعب)، ثم (قوات سوريا الديمقراطية-قسد) منذ تأسيسها في 10\10\2015، هما الوحيدان بين الفصائل العسكرية المعارضة السورية التي يمكن القول إن لها جهداً حقيقياً في هزيمة (داعش).

الآن، يبدو أن (داعش) يحاول الاستفاقة من هزيمته.. السؤال: هل يتوحد السوريون ضد (داعش) هذه المرة، بخلاف المرة السابقة؟.