الولادات القيصرية المحفوفة بالمخاطر تزداد في دمشق وأطباء يشجعون عليها

دمشق – نورث برس

لا تزال ليلى عدنان (29 عاماً) وهي سيدة تسكن حي التضامن جنوب دمشق، تعاني من المضاعفات الجسدية والنفسية للعملية القيصرية على الرغم من مضي أكثر من شهر عليها.

تقول الشابة العشرينية: “أعاني من التهاب حاد في بطانة الرحم وجرح في المثانة بسبب خطأ طبي، وعليَّ الآن أنا أخضع لجراحة إضافية بسبب ذلك”.

وتضيف: “هذا عدا عن احمرار والتهاب الشق وتشوه شكل بطني، أكره أن أنظر إلى نفسي في المرآة، فتلك الخطوط على بطني أصبحت كابوساً مزعجاً بالنسبة لي”.

وكانت “عدنان” ترغب بشدة في الولادة الطبيعية رغم معرفتها المسبقة بآلامها، “حتى أتمكن من العودة مباشرة لممارسة حياتي بشكل طبيعي وأتجنب الجراحة وآلامها التي قد تستمر لأسابيع”.

“ولكن طبيبي الذي يعمل في مشفى خاص أخبرني بأن الماء قد نفد من حول الجنين ويجب إجراء ولادة قيصرية في الحال وإلا سأفقد الجنين”.

وأخذت “عدنان” وفقاً لما ترويه لنورث برس، بنصيحة طبيبها ولكن “بعد إجراء العملية بثلاث ساعات، أخبرني طبيب آخر كان مشاركاً في عمليتي أن حالة الرحم والجنين كانت طبيعية ولم يكن هناك حاجة للعملية”.

تعرضت الأم لصدمة، بعد أن علمت أنها وقعت “ضحية” للمشفى الخاص والطبيب، خاصة أن تكلفة الولادة القيصرية فيه تبلغ 700 ألف ليرة سورية، في حين الولادة الطبيعية تكلف 450 ألف ليرة سورية.

“غياب الوعي”

والولادة القيصرية، هي عملية استخراج المولود من رحم الأم عبر جراحة تتضمن شق البطن والرحم، لوجود ضرورة طبية مثل وجود الجنين في وضعية غير صحيحة داخل الرحم أو لكبر حجم الجنين أو في حال مواجهة صعوبات أثناء المخاض وغيرها من الأسباب.

ويستغرق التعافي من الولادة القيصرية وقتا أطول مقارنة بالولادة الطبيعية ويخلف الجرح ندبة في البطن.

ويتهم سكان في دمشق وغيرها من المناطق السورية، الأطباء بأنهم يشجعون النساء الحاملات لإجراء العملية القيصرية بدلاً من الولادة الطبيعية وذلك لكسب المزيد من المال. 

وفي واقعة أخرى لا تختلف كثيراً عن سابقتها، أجرت ريم جميل (26 عاماً) وهي من سكان حي الزهور جنوب شرق دمشق عملية قيصرية بعد أن نصحها الطبيب بأن العملية أسرع وأقل ألماً من الولادة الطبيعية التي قد تستغرق ساعات طويلة من الألم.

وكانت “جميل” قد أنجبت سابقاً طفلين بولادات طبيعية، “وكنت خائفة جداً من تكرار التجربة المؤلمة، لذلك ناقشت مخاوفي مع طبيبي الذي شجعني على العملية القيصرية”.

واستجابت هي الأخرى لرأي طبيبها، إلا أن العملية لم تسر على ما يرام، حيث عانت من نزيف حاد خلال الولادة وبعدها، وفقاً لما ترويه لنورث برس.

وتلوم نفسها، “لقد عرّضت حياتي وحياة جنيني للخطر، كان بالإمكان تجنب هذه المخاطر بالولادة الطبيعية رغم صعوبتها”.

“جريمة “

ويرى نادر الحسن (56 عاماً) وهو طبيب مختص بأمراض النساء والتوليد، أن تشجيع النساء وخاصة الصغيرات في العمر على إجراء العملية القيصرية، دون وجود مبرر طبي، “جريمة إنسانية وطبية”.

ويشير الطبيب إلى أن هذا النوع من العمليات أصبحت رائجة في سوريا وفي العالم في السنوات الأخيرة، “حيث وصلت نسبتها في البلد إلى أكثر من 50% من الحالات بداعي أو بدون داعٍ طبي”.

ويضيف “الحسن” أن هذه النسبة المرتفعة تخالف المعايير والنسب المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية التي تؤكد بأن نسبة العمليات القيصرية في أي دولة يجب ألا تتجاوز الـ 25 بالمئة.

ويرجع الطبيب المتعاقد مع أكثر من مشفى حكومي وخاص في دمشق، ارتفاع النسبة لسببين، أولهما قلة وعي المرأة بالمخاطر واستسهالها للعملية ورغبتها في تجنب آلام المخاض والمحافظة على شكل أعضائها الأنثوية.

أما السبب الثاني، فهو “طمع بعض الأطباء من ضعاف النفوس وتسرعهم باللجوء للعملية دون إعطاء الحوامل مهلة كافية لوضع مواليدهن بشكل طبيعي، فالقيصرية تختصر لهم الكثير من الوقت والمجهود، إضافة إلى مربحها المادي”.

ووفقاً لدراسة نشرت في دورية “بلوس” الطبية الأسترالية، فإن الولادات القيصرية تحرم الأطفال من تعرضهم لبكتيريا جيدة موجودة في ممر الولادة عند أمهاتهم.

ويرى معدو الدارسة أن هذه البكتيريا تساعد على تعزيز الاستجابات المناعية لحديثي الولادة ويمكن أيضا نقلها بعد الولادة عن طريق الرضاعة الطبيعية ومن خلال ملامسة الجلد للجلد في وقت مبكر.

“عودة للولادة الطبيعية”

وتتراوح تكلفة الولادة القيصرية في المشافي الحكومية بين 50 إلى 60 ألف، بينما تتراوح في المشافي الخاصة بين 450 و800 ألف ليرة سورية.

أما الولادة الطبيعية فتبلغ تكلفتها في المشافي الحكومية ما بين 20 إلى 30 ألف، أما في المشافي الخاصة فتتراوح بين 250 ألف إلى 400 ألف أو أكثر بحسب المشفى.

ويقول مختص توليد إن “الأصل في الولادة هي الطبيعية، وليس العكس، فالقيصرية عملية يجريها الطبيب في حالة تعثر الولادة الطبيعية جراء وجود دواعٍ صحية خاصة بالأم أو الجنين”.

ويضيف: “دور الطبيب يكمن في اختيار نوع الولادة التي تناسب الحالة وليس التشجيع على نوع معين”.

أما بالنسبة لمضاعفاتها، فيشير “الحسن” إلى أن مثلها مثل أي عملية جراحية لها مضاعفات ممكنة وواردة، ولم يستبعد أن يلتهب الشق أو يجرح المثانة أو بطانة الرحم أو يحدث نزيف “ويتوقف ذلك على مدى تمتع الأم بالصحة ومهارة الطبيب”.

ويزيد على ذلك، “في حال تطلبت الحالة الخضوع للقيصرية، على الطبيب التدخل لشرح ماهية العملية ونجاحها وتأثيراتها الصحية على الأم والجنين”.

وعلى رغم من مضاعفات القيصرية ومخاطرها على الأم والجنين، “لكن إلى الآن لم تسجل أي حالة وفاة حتى وإن حدثت فهي نادرة جداً”، بحسب الطبيب.

ويشجع الطبيب كل امرأة على العودة للولادة الطبيعة في حال كانت قادرة على ذلك جسدياً ونفسياً، “كونها تعزز الرابط بين الأم وطفلها وتحتاج إلى فترة تعاف قصيرة، إلى جانب تكاليفها القليلة”.

إعداد: ياسمين علي- تحرير: سوزدار محمد