أعوام من “الاحتلال” وعفرين خارج أجندة دمشق والدول المعنية بالشأن السوري

ريف حلب – نورث برس

مع اقتراب الذكرى السنوية الرابعة لبدء الهجمات التركية برفقة فصائل المعارضة المسلحة الموالية لها على منطقة عفرين، ما زالت قضية عفرين والعودة الآمنة للنازحين خارج أجندة الحكومة السورية والدول المعنية بالشأن السوري.

وتتجاهل الحكومة قضية “احتلال” عفرين ولا تعتبرها قضية سورية ولا تضعها ضمن أولوياتها، وسط غياب أي أطروحات جديدة للحل السياسي في سوريا وعدم تدخل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات التي تشهدها المنطقة بشكل يومي.

بل تزيد الحكومة على ذلك، بفرض حصار على مناطق توزع نازحي عفرين بريف حلب الشمالي، لتساهم بذلك بتفاقم معاناتهم إذ أنهم لم يعودوا يمتلكون شيئاً غير خيمة من النايلون بعدما اضطروا لترك أراضيهم وممتلكاتهم تحت ضغط القصف التركي.

وفي العشرين من كانون الثاني/ يناير من عام 2018، شنت القوات التركية برفقة فصائل المعارضة المسلحة الموالية لها هجوماً برياً وجوياً على عفرين،  تحت ذريعة طرد الجماعات “الإرهابية” وحماية أمنها القومي.

لكن القصف المدفعي والجوي، حينها، والذي لم يتوقف على مدار 58 يوماً، تسبب بمقتل 498 مدنيّاً وإصابة أكثر من 696 آخرين منهم 303 أطفال و213 امرأة، وفقاً لما وثقته منظمات ومراكز حقوقية تنشط في شمال شرقي سوريا. 

كما أدى الاجتياح التركي لتهجير أكثر من 300 مدني من المنطقة، بحسب إحصائية الإدارة الذاتية لإقليم عفرين العاملة حالياً بريف حلب الشمالي.

وتوزع قسم من النازحين في مخيمات العودة وعفرين وبرخدان وسردم وشهبا، بينما توزع آخرون على 42 قرية وبلدة بريف حلب الشمالي.

في حين فضلت عائلات أخرى العيش في مدن وبلدات سورية أخرى، لا سيما التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهاجر آخرون لخارج البلاد.

وفي مثل هذه الأيام، يخرج نازحو عفرين عن صمتهم، ليبدأ سرد مخزون المآسي والذكريات، صور جميلة للحياة قبل الغزو التركي ثم فظائع بشعة بحق من أبى أن يترك منزله وأشجار زيتونه.

حصار حكومي وقصف تركي

وقال شيخو إبراهيم، المنسق العام لشؤون مخيمات نازحي عفرين، إن “الحكومة السورية لا تتعامل مع نازحي عفرين على أنهم مواطنون سوريون هجروا من ديارهم وقراهم”.

وأضاف: “على العكس، فعند ظهور أي خلاف أو تناقض بينها وبين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تستخدم الحكومة نازحي عفرين كورقة ضغط على الإدارة الذاتية عبر تشديد الحصار عليهم”.

ومنذ تهجير سكان عفرين إلى مناطق ريف حلب الشمالي، تلجأ الحكومة بين فينة وأخرى لفرض حصار على تلك المناطق، حيث تمنع وصول المحروقات والغاز والمواد الاستهلاكية والأدوية والطحين إليهم.

وقضى النازحون خلال فصول الشتاء الماضية معظم أيامهم بلا تدفئة، حيث لم تسمح الحواجز الحكومية  بالقرب من مدينة منبج بعبور المحروقات من مناطق الجزيرة إلى ريف حلب الشمالي.

وتسكن قرابة 1850 عائلة في المخيمات الخمسة بعدد أفراد يبلغ نحو 7800 شخص، بحسب المنسق العام لشؤون مخيمات نازحي عفرين.

وأشار “إبراهيم” إلى أن النازحين يعانون ظروفاً معيشية صعبة، “فلا فرص عمل، إلى جانب غلاء الأسعار وسط فقدان أدوية ومواد غذائية ومحروقات والغاز المنزلي بسبب الحصار الحكومي”.

وغالباً ما يتزامن الحصار الحكومي على نازحي عفرين، مع قصف للقوات التركية وفصائل المعارضة لريف حلب الشمالي.

ويرى نشطاء وسياسيون أن القصف التركي المستمر على مناطق توزع نازحي عفرين يهدف إلى تهجيرهم من تلك المناطق حتى لا يبقَ لهم أي مطلب للعودة إلى عفرين ويصبح مصيرها كمصير لواء اسكندرون.

وبحسب الإحصائيات التي حصلت عليها نورث برس من مشفى “آفرين”، فإن 141 مدنياً بينهم أطفال فقدوا حياتهم وأصيبوا نتيجة انفجار ألغام وقصف تركي على مناطق تواجد نازحي عفرين بريف حلب الشمالي.

لا عودة في ظل التواجد التركي

وبعد مرور أربعة أعوام على سيطرة تركيا على عفرين، يرفض معظم النازحون السوريون العودة إلى ديارهم تحت الراية التركية، خوفاً على مصيرهم.

ويأتي هذا نظراً للانتهاكات التي ترتكبها الفصائل المسلحة المتواجدة في عفرين بحق السكان الأصليين للمنطقة والعائدين إليها بعد دعوات أطلقها المجلس الوطني الكردي والمجالس المحلية التابعة للفصائل في عفرين يدعون فيها للعودة.

ولكن إبراهيم شيخو، الناطق الرسمي باسم منظمة حقوق الإنسان في عفرين والعاملة حالياً في ريف حلب الشمالي، قال إن معظم الذين عادوا إلى عفرين “اختطفوا واعتقلوا وتعرضوا لشتى أنواع الضرب والتعذيب ودفع مبالغ مالية”.

اطفال في مخيم برخدان الخاص بنازحي عفرين بريف حلب الشمالي- نورث برس
اطفال في مخيم برخدان الخاص بنازحي عفرين بريف حلب الشمالي- نورث برس

وأشار إلى أن بعض العائدين يسكنون مع أقاربهم أو جيرانهم، “إذ تستولي الفصائل المسلحة على منازلهم وترفض إخلائها”.

وفي الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اعتقلت فصائل موالية لتركيا أسد محمد علي حيدر من سكان قرية حمام التابعة لناحية جنديرس، فور عودته من مناطق ريف حلب الشمالي.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، اعتقل فصيل “الجبهة الشامية” الشاب غريب حسن وهو من سكان قرية خلنيرة التابعة لمركز مدينة عفرين، أثناء عودته إلى عفرين.

وذكر “شيخو” أنه حتى اللحظة لا توجد ضمانات دولية تضمن حق العودة لسكان عفرين أو تتحمل مسؤولية ما يتعرض لها العائدون إلى ديارهم.

وأضاف أن القوات التركية تعقد اجتماعات بين الفينة والأخرى مع قيادات الفصائل “وتأمرهم بالضغط على من تبقى في عفرين من سكانها في سبيل تهجيرهم لاستكمال مشروع التغيير الديمغرافي”.

من جانبه، رأى بكر علو، الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي لإقليم عفرين العامل حالياً في مناطق توزع نازحي عفرين، أن إصرار الإدارة الذاتية  للحوار مع الحكومة السورية يعطي “الأمل والقوة لتحريرعفرين والعودة إليها عسكرياً أو سياسياً”.

وأشار إلى أن مصير عفرين مرتبط بمصير سوريا التي شهدت خلال العام الماضي تراجعاً في العمليات العسكرية بين الأطراف المتصارعة، “وهذا ربما يكون مؤشراً على حل ستشهده البلاد”.

إعداد: ناريمان حسو- تحرير: سوزدار  محمد