تزوير الشهادات في جامعة دمشق.. ظاهرة تستفحل لضعف القانون والفساد الحكومي
دمشق- نورث برس
تطمح سناء الأحمد (23 عاماً) وهو اسم مستعار لشابة من مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، بأن تصبح ممرضة في إحدى مشافي مدينتها، وذلك بعد أن تمكنت من الحصول على شهادة مزورة في التمريض من جامعة دمشق.
وتعتقد الشابة العشرينية بأن لديها كل القدرات والإمكانيات التي تؤهلها لممارسة مهنة التمريض بعد أن تدربت لمدة ثلاثة أشهر مع منظمة محلية في منطقتها.
وتبرر “الأحمد” رغم معرفتها أن الشهادة المزورة جرم يعاقب عليه القانون بأن خبرتها العملية كافية لممارسة المهنة وأنها لم تجد طريقة أفضل من ذلك لتحقيق طموحها بعدما رفضت المشافي توظيفها لأنها لا تمتلك أي مؤهل علمي أو شهادة.
وتمكنت الشابة من الحصول على شهادة في التمريض من جامعة دمشق بعد أن تواصلت مع طالب في دمشق يمتهن تزوير الوثائق الجامعية، عبر حسابه الوهمي على فيسبوك “واستغرق الأمر ثلاثة أشهر فقط مقابل ثلاثة آلاف دولار أميركي”.
والتزوير في القانون السوري، هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يحتج بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.
ويجرم القانون جميع الأشخاص الذين يرتكبون جرم “تزوير الأوراق الرسمية” ويعاقب عليه بـالسجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة المؤقتة، حسب المادة 448 من قانون العقوبات.
بينما تنص المادة 151 بمعاقبة كل شخص بذات العقوبة عند إبراز وثائق مزورة أو كاذبة أو محرفة أو منظمة بطريقة تخالف الحقيقة وهو عالم بذلك.
ويعاقب الموظف الذي ينظم سنداً من اختصاصه فيحدث تشويهاً في موضوعه أو ظروفه بالأشغال الشاقة المؤقتة لخمس سنوات على الأقل.
“سهولة الإفلات من العقاب”
وتُعد ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية من مستجدات ما بعد عام 2011 ويرجع انتشارها في هذه الفترة حسب بعض المراقبين والسكان، إلى “سهولة إفلات المزورين من العقاب نتيجة ضعف القضاء وشيوع عامل الرشاوى”.
ورغم اعتراف حكومة دمشق في أكثر من مناسبة، بوجود عصابات تمتهن تزوير الشهادات الجامعية وغيرها من الوثائق الرسمية، مع تورط بعض موظفيها، إلا أن الإحصائيات التي نشرتها لا تمثل إلا نسبة قليلة جداً من عدد جرائم التزوير المنتشرة في مناطقها، بحسب سكان.
ويستخدم السماسرة وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب الزبائن والترويج لعروضهم وخدماتهم.
ويتقاضى محمود كامل (27 عاماً) وهو اسم مستعار لشاب يعمل كميسر للمعاملات الحكومية في دمشق مع مجموعته التي يعمل لصالحها ما بين 2000 إلى 3000 دولار أميركي مقابل شهادة جامعية مزورة لكل شخص مقيم داخل أو خارج سوريا.
وقبل ستة أعوام تعرف “كامل” على شاب كان يدرس معه في الجامعة “وأخبرته عن ضيق أحوالي المادية، فطلب مني أن أعمل معهم في تحصيل الأوراق الرسمية دون أن يحدثني عن تفاصيل أكثر”.
ويقول الشاب العشريني إنه بعد ثلاثة أشهر من العمل في المعاملات القانونية، بدأوا يمهدون ويعرضون عليه العمل بشكل غير قانوني (تزوير الشهادات)، مقابل مبلغ مالي كبير.
ويبرر موافقته على العمل بتزوير الشهادات بأنه لم يكن أمامه سوى قبول العرض، “فأنا المعيل الوحيد لخمسة أفراد من عائلتي”.
ويضيف: “لقد مضت أعوام طويلة وأنا أعمل في تحصيل الأوراق والشهادات الجامعية غير القانونية من مختلف الاختصاصات والفروع، باستثناء تزوير شهادات الطب بكل اختصاصاته”.
ويزاد على ذلك، “الأمر لا يتعلق فقط بصعوبة استخراجه والتدقيق القانوني على فروع الطب، إنما لا أستطيع تحمل مسؤولية أن أتسبب بعاهة أو مرض أو وفاة شخص ما”.
“موظفون حكوميون متورطون”
ووفقاً للشاب فإن 70% من زبائنه هم من المقيمين خارج سوريا، لم ينهوا تعليمهم، بسبب ظروف الحرب أو الفرار من الخدمة الإلزامية أو مواقفهم السياسية، في حين البعض الآخر يطلب بداعي تحسين وضعه الوظيفي أو تسريع لم الشمل.
أما 30% الآخرين من زبائنه، فهم من سكان المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية مثل شمال شرقي سوريا.
وفي التاسع والعشرين من نيسان/ أبريل الماضي، ، كشف تحقيق صحافي لقناة “SVT” السويدية حول الشهادات المزورة في السويد أنه في السنوات الأخيرة زاد عدد بلاغات الشرطة عن الشهادات المزورة من خارج البلاد بشكل كبير، 60% منها لسوريين مقيمين في السويد.
ويشير “كامل” إلى أنه هناك إقبال كبير من قبل الشباب والشابات من مناطق الإدارة الذاتية، “الذين يسعون بشتى الطرق للحصول على هذا النوع من الشهادات، للعمل مع المنظمات الدولية التي تكثر في مناطقهم”.
ولكل فرد في المجموعة التي يعمل معها “كامل” مهمة خاصة، فهناك من تنحصر مهمته في استقطاب الأشخاص وهناك من يختص بالفوتوشوب والسكنر، إضافة إلى التعاقد مع بعض الموظفين في بعض الجامعات.
ويشير الشاب إلى أن عملية التزوير تتم بطرق احترافية يصعب كشفها وأن العائق الوحيد أمامهم هو الختم الرقمي، “فمحاولة تغيره يؤدي إلى تلفه وبالتالي تظهر الشهادة على أنها مزورة وهنا يأتي دور الموظف الذي يسهل عملهم بالحصول على كل ما يحتاجونه”.
وتختلف المبالغ المالية التي يتقاضاها كل فرد بحسب صعوبة مهمته، “إلا أن الدفعة الأكبر تكون عادة من نصيب الموظف ومختص الفوتوشوب”، بحسب المصدر.
وتصدر المجموعة التي يعمل “كامل” لصالحها والذي تحفظ على عدد أفرادها، من 2 إلى 3 شهادات جامعية شهرياً، أي ما يقارب 36 شهادة سنوياً.