امرأة بريف دمشق تخرق خطوطاً حمراء بدراجة نارية
دمشق- نورث برس
كأي أم أخرى، تبدأ آلاء النفوري (32 عاماً) نهارها منذ السابعة صباحاً بإنجاز واجباتها المنزلية، لكنها تبدو مختلفة بعد قليل حين تحضّر الطلبات التي استقبلتها عبر الهاتف والماسنجر في اليوم السابق، لتنقلها على دراجتها النارية.
وفي العام 2019، بدأت المرأة مشروعها في مدينتها النبك بريف دمشق، فقامت بداية بتحضير مربيات وطبخات شعبية، سوّقت لبيعها عبر حساب صفحة لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
ومرت آلاء بصعوبات كثيرة، غالبيتها تتعلق بعدم تقبل المجتمع المحلي لعمل امرأة تقود دراجة نارية وتسوق لمنتجاتها دون مساعدة أحد.
إلا أنها وبعد مرور عامين، أصبحت من أشهر السيدات في مدينتها لتتمكن من إعالة أطفالها الثلاثة مما تجنيه من عملها.

خارج الصندوق
وتشمل الأطعمة التي تعدّها “النفوري” مربى الكرز والمشمش والمنتج المعروف في سوريا باسم “قمر الدين” وأصنافاً للكبة وللفطائر النبكية، تقوم ببيعها لعائلات في مدينتها.
ولكل موسم منتجاته الأبرز، ففي الصيف تعدّ حلوى “قمر الدين”، وفي الشتاء تسوّق التين اليابس وأصنافاً من الخضار المجففة، أما الكبة بأنواعها “فموسمها لا ينتهي في النبك التي تشتهر بها.
جربت آلاء توصيل بعض الطلبات بدراجة هوائية لمسافات قريبة نسبياً، ثم اختارت الدراجة النارية التي توفر الجهد والوقت، “وحتى تصل الأغذية طازجة بمنظر جيد”.
ويتيح صندوق على دراجتها حفظ المنتجات وإبقاءها آمنة أثناء الطريق، وهو ما لم تكن الدراجة الهوائية توفره لا سيما خلال الصيف الحار.
تعتبر أن دراجتها النارية الصغيرة أصبحت جزءاً منها، فهي تتمكن بفضلها ممن إضافة أجرة التوصيل لثمن ما تبيعه من منتجاتها اليدوية.
وفي مدينتها وسائر المناطق السورية، يتقبل غالبية الناس عمل المرأة في الأعمال الزراعية وبعض الوظائف الحكومية.
تمكنت آلاء من تجاوز القيود التي فرضتها الأعراف لعقود وربما قرون مضت، لكن الأمر لم يكن سهلاً.
“لن أقود سيارة”
وكان أول المعارضين لقيادة الدراجة النارية هم أهلها وأقاربها، لكنها نجحت في تحدي الجميع.
تقول لنورث برس: “تحدَيتُ كل مجتمعي لأعيش بكرامة”، في إشارة إلى أن المجتمع المحلي ما زال ينظر لمسألة قيادة الفتيات والنساء للدراجة النارية كخط أحمر.
لكنها تحدت المعتقدات لتتجاوز هذا الخط، حتى تبدأ فصلاً جديداً من حياتها.
تستذكر الآن ردها على أشخاص كثيرين تنمروا عليها بتوجيه عبارات من قبيل “ما بتخجل من حالها”. فكان ردها: “لماذا يجب أن أخجل! ما دمت أعمل بكرامة”.
تحاول، الآن، أن تشجع فتيات من معارفها في المدينة على التفكير خارج الصندوق وخارج قيود المجتمع ليفعلن بثقة ما يحتجن إليه من خطوات لتحسين حياتهن.
وترى أن الاعتقاد السائد في المجتمع مثل “لصق قيادة الدراجة النارية بالذكور” ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً.
تقول إنها لا تفكر في أن تتخلى عن دراجتها إلا لتشتري دراجةً أحدث، “فلن أقود سيارة أبداً”.
ومن الصعب جداً أن يتمكن سوري موظف أو عامل يعتمد على دخله من اكتساب منجزات حياتية تعتبر اعتيادية في بلاد أخرى كاقتناء سيارة أو شراء منزل.

“ما يهمني أطفالي”
لا تحبذ آلاء الحديث عن تفاصيل شخصية حول ما تسميه “تعاسة سنوات سابقة”، فالأولوية الآن لأطفالها التي تحلم أن تنقضي الحرب وأزماتها كي يعيشوا بأمان وسلام في بلادهم.
تصور آلاء كل ما تنتجه وتسوقه عبر صفحة على موقع فيسبوك وتضع رقماً للتواصل والتوصيل، تقول إن “السوشيال ميديا” ساعدها في الكسب من عملها.
واستفادت من خبرتها في التعامل مع الناس خلال عملها مع متطوعة في منظمات إنسانية محلية.
وتعتبر أن علاقتها مع زبائن عملها الخاص الآن تحتوي كثيراً ممن المودة والاحترام، حتى في الأوقات التي تكثر فيها الطلبات كشهر رمضان والأعياد.
وتتعامل الباعة مع السوق ككل باعة البلاد، ترفع أسعار منتجاتها مع كل غلاء للمواد الأولية، وتحرص أن تبقى نسبة الارتفاع في حدود مواكبة التكاليف التي ازدادت.
وتضيف ثمن توصيل المنتجات، فيكون عملها كاملاً من إنتاجها دون الاعتماد على أي شخص آخر.
وفي المقابل لا ينتهي التنمر، فهي تسمع بأذنها “حتى الشتائم أحياناً”.
لكنها لا تكترث لأي كان، “فكل ما يهمني ألا ينام أطفالي جياعاً، وأن أقدم لهم ما يحتاجونه ليكونوا بخير وسلام وصحة”.