سكان وسط التصعيد بريف إدلب يحفرون ملاجئ ويعيدون تأهيل كهوف
إدلب- نورث برس
يحفر عامر الرشيد (42 عاماً)، وهو من سكان بلدة كفرلاتا جنوب إدلب، شمال غربي سوريا، في الجرف الصخري المقابل لمنزله منذ قرابة أسبوع ملجأ يشبه الكهوف في تصميمها ليحتمي به مع عائلته أثناء تعرض المنطقة للقصف.
يقول الرجل إن عمق الملجأ يصل لأكثر من 15 متراً في الجرف الصخري ويستخدم في الحفر آلة حفر ومجرفة يدوية.
ويتوقع “الرشيد” الانتهاء من الحفر والتجهيز خلال أيام، “ولكن احتاجت لجهد كبير لأن الأرض صخرية ويصعب الحفر بها”.
وتتجاوز تكلفة حفر وتجهيز ملجأ بهذه الطريقة، يتسع لعدة عائلات وعلى هذا العمق، 500 دولار أميركي، إذ تحتاج بعد حفرها لإنشاء ركائز إسمنتية داعمة في وسطها وعلى بابها لتتحمل القصف وخاصة الجوي، بحسب “الرشيد”.
ويجهّز سكان المناطق القريبة من مناطق سيطرة القوات الحكومية ملاجئ وينظفون كهوفاً استعداداً لأي عملية عسكرية قد تشهدها المنطقة وللاحتماء بها أثناء القصف.
ومنذ أواخر العام الماضي، تشهد مناطق شمال غربي سوريا تصعيداً عسكرياً وقصفاً مكثفاً متبادلاً بين فصائل المعارضة السورية وقوات الحكومة السورية، إلى جانب تصعيد جوي روسي.
ويوم أمس الأحد، قالت مصادر عسكرية معارضة، لنورث برس، إن قوات الحكومة السورية قصفت بالمدفعية الثقيلة والصواريخ مواقع لفصائل معارضة في بلدات الفطيرة والبارة وكفرعويد وفليفل الواقعة بمنطقة جبل الزاوية جنوب إدلب.
وتزامن القصف مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الروسية في أجواء المناطق المستهدفة، دون ورود أنباء عن خسائر بشرية.
وقصفت “غرفة عمليات الفتح المبين”، التي تضم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى، قصفت بالمدفعية الثقيلة والصواريخ نقاطاً عسكرية للقوات الحكومية على محاور مدن وبلدات معرة النعمان وكفرنبل والملاجة جنوب إدلب، بحسب المصادر نفسها.
“أثبتت جدواها”
ويقول سكان محليون إن الملاجئ والكهوف أثبتت جدواها خلال الأعوام الماضية، وكانت سبباً في حماية مئات الأشخاص في ريف إدلب الجنوبي الذي يشتهر بوجود المناطق والجبال الصخرية.
يحدث هذا في ظل مخاوف في مناطق جنوب وشرق إدلب من عملية عسكرية برية جديدة في المنطقة، في ظل التصعيد الروسي الأخير والذي بدأ مع انتهاء محادثات أستانا السابعة عشرة.
ويشير هؤلاء إلى أنهم اعتادوا منذ أعوام أنه بعد كل اجتماع في أستانا تشهد المنطقة تصعيداً في عمليات القصف الجوي والبري على الأرض ويكون تمهيداً لعملية عسكرية برية تخسر بها المعارضة مناطق جديدة.
ويعتقد “الرشيد” كغيره من سكان المنطقة أن وجود عشرات النقاط التركية في ريف إدلب “لن يمنع النظام من التقدم على الأرض”.
كما ويرى قادة عسكريون لفصائل المعارضة في إدلب شمال غربي سوريا أن عودة التصعيد العسكري عقب عقد جولة محادثات أستانا السابعة عشرة، يدل على عدم وجود حلول في المدى المنظور بالإضافة إلى رسائل روسية لتركيا.
وفي مدينة سرمين شرقي إدلب، يعيد منير شحادة (48 عاماً) تجهيز ملجاً متصدع كان قد تعرض في وقت سابق لغارة جوية روسية بالصواريخ.
ويعمل “شحادة” على إعادة إعمار بعض الجدران التي سقطت وتدعيم الركائز الإسمنتية بشكل جيد وفتح مخرج آخر للملجأ “حتى نستخدمه في حال انهار المخرج الأساسي”.
ويقول: ” ما أقوم به اليوم ليس من أجل عائلتي فقط، وإنما من أجل معظم العائلات التي تقع منازلها بالقرب من الملجأ، سبق ونجونا عدة مرات من الموت جراء سقوط قذائف على الحي، لكن تواجدنا في الملجأ حمانا من القصف”.
“حفظ أغذية”
ويرى “شحادة” أن التصعيد الروسي الأخير “لا يبشر بخير، فهنا في سرمين التي لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن مواقع قوات النظام بمدينة سراقب، الجميع خائف و يراقب بحذر شديد مآلات الأوضاع في المنطقة”.
لكنه يؤكد أنه لن يخرج من منزله “حتى وإن سيطر النظام على المدينة، إذ ليس لدي ما أخسره”.
ومطلع العام 2017، فقد “شحادة” أطفاله الأربعة جراء غارة جوية لطائرات الحكومة على منزله في سرمين، ويعيش حالياً في منزله الذي لازال شاهداً على القصف الذي تعرض له.
وخلال الأعوام الفائتة، اضطرت العديد من النقاط الطبية في أرياف إدلب وحماة وحلب لنقل مكان عملها إلى الكهوف والملاجئ بعد أن استهدفت الطائرات المباني الطبية المكشوفة، وفقاً لسكان وتقارير دولية.
ومؤخراً، قام دريد الجبلي (51 عاماً)، وهو من سكان بلدة بليون جنوب إدلب، بحفظ مواد غذائية معلبة في الكهف المجاور لمنزله والذي قام بتجهيزه قبل أعوام، تفادياً لما حصل معه خلال الحملة العسكرية التي شنتها روسيا والقوات الحكومية مطلع العام 2020 على مناطق جنوب وشرق إدلب.
فقد اضطر “الحلبي” وعائلته المؤلفة من سبعة أفراد حينها البقاء في ذلك الكهف لأكثر من 36 ساعة بدون طعام ومياه نتيجة القصف المكثف الذي تعرضت له البلدة آنذاك.
يقول الرجل إنه وبعد تلك المعاناة، قرر الاستعداد قبل أي حملة عسكرية، إذ قام بشراء أصناف من المعلبات، إضافةً إلى وضع أسطوانة غاز وبرميل مياه في الكهف لتجنب الخروج أثناء القصف.
كما قام بتجهيز الإنارة في الكهف اعتماداً على بطارية لوح طاقة شمسية في الخارج.