مزارعون في القامشلي يخشون استمرار انحباس الأمطار والإدارة الذاتية تركز على المروي

القامشلي- نورث برس

يتفقد المزارع عبدالرحمن محمد (40 عاماً) قطعة أرضٍ زرعها قبل أيام ببذار القمح على بعدِ كيلومتراتٍ قليلة من مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، منتظراً أن تسعفها السماء بأمطار.

ولدى المزارع قطعتا أرض زرع إحداها بعلاً بمساحة 60 دونماً والأخرى ريّاً بمساحة 100 دونم في قرية نعمتلي شرق القامشلي.

وفي كلّ مرة يتفحص فيها أرضه، يتأمل المزارع الأبٌ لأربعة أطفال، السماء عدّة مرات علّه يجد غيوماً تشير إلى اقتراب هطول الأمطار وإنقاذ محصوله من القحط والجفاف.

وكانت أراضي الجزيرة السورية تبدو خضراء تغطيها حقول القمح والشعير في مثل هذه الأيام، على عكس هذا العام إذ ما زالت تبدو قاحلة حمراء، وفقاً لمزارعين.

وخلال العامين الأخيرين، شهدت سوريا موجة جفاف حادة لم تشهد مثيلاً لها منذ عقود، وهي أحدث كارثة تعاني منها إلى جانب الحرب الممتدة منذ أكثر من عشرة أعوام.

يقول “محمد” لنورث برس: “لو استمر انحباس الأمطار لشهر ونصف، سيكون الوضع صعباً جداً لأن ذلك لن يفيد مع دخول شهر آذار حيث تجف الأرض بسرعة.”

ويعتقد المزارع، الذي قضى نحو نصف عمره في الزراعة، أن الأرض بحاجة لقرابة 200 مليمتر على الأقل من الأمطار لإنقاذ المحاصيل البعلية من الجفاف، “فالأرض لم تشبع ماءً منذ عامين”.

“نتائج ستكون كارثية”

ويحذّر “محمد”، الذي تحمل حتى الآن أكثر من 10 ملايين ليرة سورية تكلفة زراعة أرضه، من أن النتائج ستكون “كارثية” فيما استمر الجفاف ولم تنتج الأرض ما يكفي من القمح.

وفي سنوات ما قبل الحرب، كان إنتاج أرض “محمد” كافياً لإعالة أسرته “رغم أن كيلوغرام القمح كان بـ 11 ليرة سورية”.

وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن العالم أمام “كارثة مناخية” ستكون صعبة بالنسبة لدولة مثل سوريا التي تعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغيّر المناخ.

يضاف إلى ذلك جائحة كورونا إلى جانب إغلاق ممرات المساعدات الدولية وتقييد تركيا لمصادر المياه، ما ينذر بكارثة إنسانية خصوصاً في شمال شرقي سوريا والتي من المفترض أن تكون سلة غذاء للبلاد.

ولا تتوقف مخاوف المزارع عند محصول القمح فقط، بل إنه قلقٌ أيضاً بشأن رؤوس أغنام وبقرتين يربيها في المنزل إلى جانب الزراعة.

وعلى جانبِ الطريق العام بين القامشلي وتربسبيه (القحطانية) تنبش رؤوس قليلة لأغنام وماعز بين الأتربة بحثاً عن حشائش.

يشير إليها المزارع ويقرّب يديه من بعضها، في إشارةٍ إلى أنها تزداد ضعفاً بسبب الجوع وقلة المرعى، “أنا قلق عليها، فهي تزداد نحافة يوماً بعد آخر.”

ويضيف: “سأحاول إطعامها قدر الإمكان حتى لا أضطر لبيعها بنصف قيمتها في هذا الوقت، لأن ذلك يعني خسارة مدمرة بالنسبة لنا.”

وفي تقريرٍ بداية العام الماضي 2021، قال برنامج الأغذية العالمي إن 12.4 مليون سوري، أو ما يقارب من 60% من السكان كانوا في قبضة الجوع.

مستلزمات غير كافية

ويضم ريف القامشلي نحو مليون دونم من الحقول الزراعية البعلية، منها 600 ألف دونم مزروع بالقمح، بحسب إحصاءات الإدارة العامة للزراعة والثروة الحيوانية في مقاطعة القامشلي.

وتبلغ مساحة الأراضي المرخصة كزراعة مروية 555 ألف دونم، لكن لم يزرع منها سوى 380 ألف دونم بالقمح.

ويرى آلان المحمود، وهو مهندس زراعي في القامشلي، أن الحل الأمثل لتخفيف آثار الجفاف على المنطقة هو دعم الزراعة المروية من خلال تقديم البذار والمازوت والسماد للمزارعين.

ويشير إلى أن الجفاف لا يضرّ بالزراعة البعلية فحسب، إنما له أضرار على الزراعة المروية أيضاً حيث يتطلب زيادة عدد الريات.

ولكن الزراعة هذا العام تواجه مشكلات أخرى غير الجفاف، حيث لم تصل كميات كافية من وقود المازوت (الديزل) للمزارعين.

كما أن البذار المعقم مدعوم السعر لم يصل للجميع واضطر البعض لشرائه من التجّار بتكاليف مرتفعة، “وفي هذه الحال قد يحتوي أوساخاً، ما يستوجب شراء مبيدات بتكاليف عالية”، بحسب المهندس الزراعي.

تسعيرة الشراء

ومنذ نحو شهرٍ، بدأت مديرية المحروقات في القامشلي بتوزيع مخصصات الرية الأولى من مادة المازوت اعتماداً على إحصاءٍ تنفّذه مديرية الإنتاج الزراعي التابعة للإدارة العامة للزراعة والثروة الحيوانية.

وتقول نسرين خليل، الرئيسة المشاركة للإدارة العامة للزراعة والثروة الحيوانية، إن نحو 75 بالمئة من المزارعين استلموا مخصصاتهم حتى الآن، لكن آخرين لم يستلموا بعد والسبب هو استمرار عملية التنظيم الزراعي وترخيص الآبار.

وتشير إلى أن الجفاف خلال العامين الأخيرين كان له تأثير كبير على كميات البذار التي أنتجت لهذا العام.

ويعتمد حوالي 70 بالمائة من السكان في القامشلي وريفها جزئياً على الزراعة، ويعتبر الإنتاج الزراعي مادة أولية للصناعة والتجارة وتراجعه يؤثر على الاقتصاد العام في المنطقة، بحسب الرئيسة المشاركة للإدارة العامة للزراعة والثروة الحيوانية في مقاطعة القامشلي.

وتعتمد الخطة الزراعية للإدارة الذاتية هذا العام على زراعة 70 بالمائة من المساحات المروية بالقمح وذلك لتحقيق إنتاج مقبول، بحسب “خليل”.

إعداد: هوكر العبدو- تحرير: سوزدار محمد