مستأجرون في القامشلي ضحايا غلاء الإيجارات والبلدية تنتظر شكاوى لا تأتي
القامشلي- نورث برس
تسكن هدى الحسين (64 عاماً) مع ابنها في منزل غير مجهز (على العظم) في حي حلكو بمدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، بعدما عجزت عن دفع إيجار المنزل الذي كانت تقيم فيه سابقاً.
تقول النازحة من مدينة درعا إن صاحب المنزل رفع خلال الشهر الأخير من العام الماضي إيجار المنزل من 100 ألف ليرة سورية إلى 100 دولار أميركي، “وعندما رفضت دفع المبلغ طردني ورمى أغراضي في الشارع”.
وتضيف: “لا أملك المال الكافي الذي يطلبه أصحاب المنازل، 100 دولار تساوي دخل ولدي الشهري”.
وأشارت السيدة الستينية إلى أنها بقيت مع أغراض منزلها ليوم كامل تحت الأمطار، حتى قام مجلس الحي بتأمين منزل على العظم لها ولابنها الذي يعمل موظفاً لدى قوى الأمن الداخلي (الأسايش).
وكانت السيدة الستينية قد نزحت من مسقط رأسها قبل أكثر ثلاثة أعوام مع ابنها وسط ظروف الحرب وخلافات عائلية مع زوجها.
وتجد “الحسين” صعوبة في التأقلم مع المنزل الجديد لافتقاره لأي مقومات، “ولكن ليس باليد حيلة، ليس أمامي سوى هذا الحل”.
وتشهد مدينة القامشلي كباقي مدن في شمال شرق سوريا ارتفاعاً كبيراً في أسعار إيجارات المنازل، الأمر الذي يزيد من أعباء سكان ونازحين يعانون أساساً من صعوبات معيشية.
إيجارات بالدولار
ويقول نازحون في المدينة إن الارتفاع يتجدد كلما انتهت مدة العقد وإن أصحاب المنازل باتوا يطلبون إيجارات بالدولار وليس بالليرة السورية، في ظل عجز بعضهم عن دفع السعر الجديد وصعوبة إيجادهم لمنازل تناسب دخلهم.
وتتراوح أسعار إيجارات المنازل في أحياء مدينة القامشلي بين 50 و100 دولار أميركي، بينما قد تتجاوز وسط المدينة 250 دولاراً، وفقاً لمستأجرين.
وأرجع أصحاب المكاتب العقارية أسباب الارتفاع المستمر في إيجارات المنازل إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وقلة المنازل المتوفرة للسكن مقارنة مع ازياد أعداد النازحين إلى المدينة.
وبعد هجمات القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها على مناطق عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، نزحت مئات العائلات من تلك المناطق واستقرت في القامشلي.
وفي شباط/ فبراير العام الماضي، أصدر المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة، قراراً لتحديد أسعار إيجارات المنازل وتنظيم عملية التأجير والاستئجار.
ونص القرار حينها على تحديد أربعة أصناف من الإيجارات تتراوح ما بين 10 آلاف و 150 ألف ليرة سورية، بحسب مواصفات المنزل المستأجر.
ويشترط اعتماد نموذج عقد إيجار واستئجار صادر عن “اتحاد الأصناف في شمال شرقي سوريا”، وتوثيقه في البلدية بعد كشف وموافقة الكومين (مجلس الحي) وقوى الأمن الداخلي.
و”اتحاد الأصناف” مؤسسة للإدارة الذاتية تعنى بتنظيم عمل السوق والأعمال المتعلقة بالتجارة الداخلية.
وبحسب القرار يتعرض المخالف لغرامة قدرها ضعف قيمة الإيجار، ومضاعفتها مرة ثانية في حال تكرارها بالإضافة إلى فسخ العقد المخالف.
لا شكاوى
وقال غسان عابد، وهو نائب الرئاسة المشاركة في هيئة الإدارة المحلية في إقليم الجزيرة، لنورث برس، في وقت سابق إن القرار من شأنه الحد من ارتفاع الإيجارات في حال التزم السكان ببنوده.
وأشار إلى أن من شأنه أن يحل مشكلات السكن في حال التزام المستأجر بتقديم شكوى بحق صاحب العقار المخالف.
كما أنه لا يحق للمؤجر أو صاحب العقار أن يطلب من المستأجر إخلاء المنزل ما لم يعطه مدة كافية لتأمين منزلٍ بديلٍ عنه، وفقاً لما صرح به “عابد”.
ويمكن لمن يرى أن آجاره مرتفع التقدم بشكوى “وسيجري الكومين كشفاً للمنزل واقتراح سعر مناسب له وتوثيقه لدى البلدية والأسايش، بحسب “عابد”.
لكن غالبية المستأجرين إن لم يكن جميعهم يرفضون التقدم بشكاوى، خشية أن يبقوا “في الشارع” على حد تعبيرهم، في ظل صعوبة إيجاد منازل أخرى لاستئجارها.
وقالت فريال محمد، وهي الرئيسة المشاركة لاتحاد الأصناف لشمال وشرق سوريا، إن أصحاب المكاتب العقارية والمنازل يتحكمون بالإيجارات بسبب عدم تقدم المستأجرين لشكاوى ضدهم.
وأشارت إلى أنه في الكثير من الأحيان يقوم صاحب المنزل بالاتفاق مع المستأجر على سعر معين، “ولكنهم عندما يذهبون لتسجيل العقد في البلدية يكتبون سعراً أقل بكثير من السعر الأساسي ويقبل المستأجر بذلك حتى يحصل على المنزل”.
رحلات بحث
وتبحث حنان محمد (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من مدينة سري كانيه تعيش في القامشلي، عن منزل لاستئجاره بعدما رفع صاحب المنزل القديم إيجاره من 70 ألف ليرة شهرياً إلى 120 ألف ليرة سورية.
وطالبت الشابة العشرينية صاحب المنزل أكثر من مرة بتخفيض الإيجار إلى 100 ألف ليرة، “لكنه رفض وطلب إخلاء المنزل في حال امتنعنا عن دفع المبلغ”.
وكانت “محمد”، التي فضلت عدم نشر اسمها لتجنب حرج اجتماعي مع أقارب لها، قد نزحت من مسقط رأسها بعد الحملة العسكرية التركية برفقة فصائل المعارضة الموالية لها ضد منطقتي سري كانيه وتل أبيض في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وفقدان والدها جراء القصف.
وانتقلت الشابة العشرينية رفقة والدتها المسنة وشقيقتها البالغة من العمر تسعة أعوام وشقيقها (14 عاماً) إلى القامشلي، ولصعوبة إيجاد منزل استقرت العائلة لأكثر من خمسة أشهر لدى أقارب لهم.
ولكن وبعد ظهور خلافات وعدم تحمل أقاربهم مشاركتهم في منزلهم، بدأت “محمد” تبحث عن منزل لاستئجاره وتمكنت وبعد أسابيع من إيجاد منزل في حي العنترية مؤلف من غرفتين بمبلغ 70 ألف ليرة شهرياً.
ولكن بعد مرور ستة أشهر، رفع صاحب المنزل الإيجار إلى 120 ألف ليرة.
تقول “محمد” إن دفع مبلغ 120 ألف ليرة شهرياً يفوق إمكاناتها في ظل صعوبات معيشية وغلاء احتياجات أشقائها المدرسية ومستلزمات المنزل.
وعبرت الشابة التي تعمل في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية عن استيائها من عدم وجود ضوابط لغلاء إيجارات المنازل والتي باتت تفوق مدخولها الشهري.