قادة عسكريون ومحللون: التصعيد في إدلب جاء بعد فشل محادثات أستانا

إدلب- نورث برس

يرى قادة عسكريون لفصائل المعارضة في إدلب شمال غربي سوريا أن عودة التصعيد العسكري عقب عقد جولة محادثات أستانا السابعة عشرة، يدل على عدم وجود حلول في المدى المنظور بالإضافة إلى رسائل روسية لتركيا.

وبعد هدوء نسبي استمر لأيام، عاودت الطائرات الحربية الروسية منذ نحو أسبوع غاراتها الجوية على مناطق سيطرة المعارضة الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، في حين شهدت مناطق مختلفة بريفي إدلب و حلب تصعيداً عسكرياً وقصفاً متبادلاً بين قوات الحكومة السوري وفصائل المعارضة.

ويوم أمس الجمعة، صعدت الطائرات الحربية الروسية غاراتها الجوية على بلدات البارة والموزرة وكفردريان محيط قرية الجديدة الواقعة بمنطقة جسر الشغور ومنطقة سهل الروج، بينما واصلت قوات حكومة دمشق قصفها البري على المنطقة.

ووصفت مصادر عسكرية، في جديث لنورث برس، الغارات الروسية بالأعنف منذ أكثر من شهرين.

ولم تتمكن 16 جولة سابقة من اجتماعات أستانا التي انطلقت مطلع العام 2017 من دفع الحل السياسي في سوريا، كما أن الدول الراعية لها لم تتقيد بقراراتها التي نصت على خفض التصعيد ووقف إطلاق النار

وفي الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الفائت، عقدت على مدار يومين في نور سلطان عاصمة كازاخستان، الجولة السابعة عشرة من مفاوضات أستانا، بمشاركة إيران وروسيا وتركيا، إضافة لوفود الحكومة السورية والمعارضة السورية والأمم المتحدة.

وأبرز ما تناوله البيان الختامي للجولة، هو ملفات اللجنة الدستورية والإرهاب والمساعدات الإنسانية.

روسيا لا تلتزم

ويرى عسكريون في المعارضة أن من الطبيعي اليوم عودة القصف الروسي بعد جولة أستانا الأخيرة، ما دامت لا تعتبر نفسها ملزمة بأي قرارات واتفاقات،  حتى تلك التي تشرف على إصدارها مع تركيا وإيران.

وقال الناطق الجيش الوطني السوري، الرائد يوسف حمود، في تصريح خاص لنورث برس، إن الإجراءات الروسية على الأرض مختلفة تماماً عما يصدر عن مسار أستانا من بيانات انطلاقته.

وأضاف أن روسيا لم تدخل سوريا من أجل اجتماعات ومفاوضات مع المعارضة لبحث حل سياسي، بل لأجل مشروع روسي في سوريا،”وارتكب الروس منذ بداية تدخلهم في سوريا مئات المجازر بحق المدنيين من خلال تجريب كافة أنواع الأسلحة الحديثة”.

وأشار إلى تصريحات وزارة الدفاع الروسية قبل فترة والتي أكدت أن روسيا جربت مختلف اسلحتها في سوريا كما قامت بتدريب مئات الضباط والطيارين.

 ورأى “حمود” أن تجريب روسيا لكل سلاح جديد تصنعه في الأراضي السورية، “يقدم دعاية عالمية لسلاحها في سوق المبيع العالمي”.

وقال: “من المؤكد أن روسيا اليوم قادمة من أجل غايات بعيدة منها الوصول للمياه الدافئة في البحر المتوسط ورفع سوية القرار الدولي الروسي، فهي دخلت من خلال كذبة محاربة الإرهاب إلا أن حربها من البداية كانت على الشعب السوري”.

ويرى الناطق باسم “الجيش الوطني” المعارض “حمود” أن روسيا تحاول تحقيق طموحها في إعادة كامل الأراضي السورية إلى حكم “الأسد” ومن ثم التوجه إلى فرض حل دولي وفق الرؤية الروسية.

وقال إن “الفصائل العسكرية جاهزة لهذا الخيار وهي مستعدة من أجل الدفاع عن المنطقة”.

“رسالة لتركيا”

واعتبر العقيد مصطفى بكور، الناطق الرسمي باسم جيش العزة، وهو أحد فصائل المعارضة، أن التصعيد العسكري في شمال غربي سوريا بعد انتهاء جولة أستانا، يدل على أن المجتمعين لم يتفقوا على أي شيء جديد سوى بقاء الأوضاع على ماهي عليه في المنطقة حتى موعد جولة أستانا المقبلة.

لكن “بكور” لم يتوقع، في حديثه لنورث برس، أي عمليات عسكرية برية خلال النصف الأول من العام الجديد 2022 على الأقل.

وقال إن القصف الروسي الحالي “هو محاولة إثبات وجود وعبارة عن رسائل إلى الأتراك والمجتمع الدولي بأن أي تسوية في سوريا لا يمكن أن تتم إلا عبر روسيا”.

كما أن لروسيا هدف مباشر هو الضغط على القوات التركية لافتتاح الطرق الدولية مثل طريق حلب- اللاذقية المعروف بـ إم فور.

وقبل أيام قليلة، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، بأن “على المعارضة عدم القول إنه لا يمكن إحراز تقدم في أثناء وجود بشار الأسد في السلطة”.

وقال أيمن العاسمي، وهو الناطق الرسمي باسم وفد أستانا عن الائتلاف السوري، لنورث برس، إن حديث مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، عن الدستور “هو تدخل فيما لا يحق لهم التدخل فيه”.

واعتبر أن هذا “ليس من مهام لافرنتييف في سوريا”.

ومن جانبه، قال أنس العبدة رئيس هيئة التفاوض السورية، إن المعارضة السورية تجدد رفضها “بقاء رئيس النظام، بشار الأسد”.

وفي بيان نشره على صفحته في فيس بوك قال الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة إن تصريحات لافرنتييف تشكل انقلاباً على العملية السياسية وعلى مسار اللجنة الدستورية بالأخص.

وأضاف البيان: “المسار الدستوري جزء من حزمة مسارات في القرار الدولي 2254، ولابد من فتح بقية المسارات وعلى رأسها مسار هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية”.

“العمليات البرية مستبعدة”

ورأى الدكتور نصر اليوسف، وهو محلل سياسي سوري يقيم في العاصمة الروسية موسكو، أن التصعيد العسكري الذي تشهده منطقة خفض التصعيد الأخيرة في شمال غربي سوريا بين فترة وأخرى، ليس له هدف إلا إيصال رسائل إلى الجانب التركي الذي يتهمه الروس بأنه لم ينجح في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين بوتين وأردوغان في الخامس من آذار/ مارس 2020.

وقال إن من أهم البنود التي تم الاتفاق عليهما حينها هو الفصل بين الفصائل المسلحة المعتدلة بحسب التصنيف الروسي والإرهابية بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، إضافة لبند العمل على فتح طريق إم فور الذي يعتبر مهماً بالنسبة للروس.

ويعتقد “اليوسف” أن من الممكن أن تتواصل العمليات العسكرية المحدودة في شمال غربي سوريا إلى أن يتم تنفيذ تلك البنود.

لكنه استبعد أن تقوم روسيا بأي “عملية برية واسعة على المنطقة، لأن الروس مهما غضبوا من الأتراك فإنهم لا يريدون أن يقطعوا العلاقات معهم بشكل تام”.

 واعتبر أن “ما يجمع الجانبين أكبر بكثير من سوريا”.

إعداد: براء الشامي- تحرير: حكيم أحمد