“مطلقات في الرقة” ضحايا العادات والتقاليد وتهرب الآباء من نفقات اطفالهم

الرقة – نورث برس

وجدت نور الإبراهيم (29 عاماً)، من سكان الرقة شمالي سوريا، أن العمل في أحد المحال في المدينة، سبيلها الباقي، لتؤمِن بنفسها نفقات طفلتها، بعد أن يئست من مجادلة والداها لتقديم “دعوى نفقة” ضد طليقها.

وتعمل المرأة في محل لبيع ألبسة الأطفال، لقاء 150 ألف ليرة سورية شهرياً، لتغطي نفقات طفلتها البالغة ثلاثة أعوام، عندما فقدت من يعيلها بعد طلاقها من زوجها، لتكرار الخلافات والمشاجرات بينهما طوال عام ونصف من زواجها.

وفي اتفاق مؤقت، دون اللجوء إلى القضاء، قررت عائلتا المتطلقين بقاء الطفلة في رعاية والدتها، مع عدم ذكر شروط أخرى يخص نفقات طفلتها، كما قالت “الإبراهيم”.

وتمنع العادات والتقاليد في الرقة نساء مطلقات من الحصول على حقوقهن في “النفقة”، دون اللجوء إلى المحاكم، لتجدن أنفسهن في موضع المعيل مع عوائق اجتماعية تعارض عمل المرأة، بحسب ناشطين مدنيين.

الشكوى فضيحة

وبعد فترة قصيرة من طلاقها، طالبت “الابراهيم” بحق طفلتها في النفقة “بحكم الحق المشروع” على زوجها السابق، على حد وصفها، لكن طلبها لم يلق رداً، رغم تدخل وساطات مقربة من العائلتين بين الطرفين.

وقالت لنورث برس إن العادات والتقاليد التي لا تزال سائدة في مجتمع الرقة، تعتبر مطالبة النساء لحقوقهن عبر تقديم الشكوى واللجوء الى القضاء ضد الطليق بمثابة فضيحة.

وأشارت إلى أن تمسك عائلتها بالعادات والتقاليد حال بينها وبين تقديم الشكوى بحق طليقها رغم محاولاتها مراراً اقناع والداها بتقديم الشكوى لضمان حق الطفلة.

وبحسب مصدر خاص لنورث برس في مجلس العدالة الاجتماعية في الرقة، وصلت إحصائية عدد دعاوى “الطلاق والتفريق” في العام 2021 إلى ما يقارب 506 حالة.

إلا أن عدد حالات الطلاق التي لم تسجل لدى مجلس العدالة الاجتماعية في الرقة يصل إلى ضُعفَي المسجلة، بحسب نشطاء في المدينة.

نظرة سيئة

وقالت بشرى الهلال (23 عاماً)، وهي من سكان مدينة الرقة، إنها تجد نفسها “ضحية سهام النظرة السيئة والقيل والقال”، من جيرانها ومن يعرفها من محيطها الاجتماعي، وذلك كلما خرجت رفقة اصدقائها أو عائلتها.

وقبل نحو عام، تطلقت الشابة من زوجها، لعدم توافق الطرفين على إتمام مسيرتهما الزوجية، لتعود إلى العيش مع عائلتها، بعد فترة زواج قصيرة لم تبلغ عاماً واحداً.

وقالت لنورث برس إنها لطالما تتعرض لمواقف محرجة مع أشخاص تتعرف عليهم لأول مرة، والسبب لأنها مطلقة فقط.

وقالت: “عند معرفتهم بأني مطلقة يبدؤون بوضع استفهامات لأسباب الطلاق وتأويل قصص في مخيلتهم”.

وتعتقد الشابة، أن المطلقة في مجتمعها، “ستعاني كثيراً من نظرة المحيطين بها”، حتى إن كان سبب الطلاق خارج إرادتها، وستضطر إلى تقديم تنازلات في حال تقدم شخص آخر للزواج بها”، بحسب استنباطها من تجربتها، كما قالت.

مناهج وسلوكيات

وقال “علي الحسن” وهو اخصائي في علم الاجتماع في الرقة، إن واجب تحسين “النظرة السيئة” للمرأة المطلقة لا يقتصر فقط على المجتمع بهيكله العام، إنما أيضاً، على الأسرة التي تحجب حقوقها وتدني من نظرتها لذاتها.

ويرى الأخصائي أن هناك مشكلة اجتماعية في نظرة المجتمع للمطلقة، سواء أكانت صغيرة السن أم راشدة وأماً لأطفال، إذ تُرى غالباً أنها حصلت على فرصتها في الاختيار، ولا يحق لها الحصول على الأفضل بعد طلاقها.

وقال لنورث برس: “يجب فصل سلوكيات العادات والتقاليد عن ضمان حقوق المرأة المطلقة، والاعتماد على القوانين بغض النظر عن الأعراف.

ويرى أن الكثير من النساء المطلقات يعانين من مشكلات وضغوط نفسية في محيطهن من عائلاتهن والمجتمع.

وشدد على أن للمرأة المطلقة حق في حصولها على نفقة أطفالها، إن وجدوا، وكامل حقوقها بحسب ما يقرره القضاء.

ويجب أن تكون نظرة المجتمع لها أكثر إيجابية مع الأخذ بالأسباب، فربما تضررت من زوجها وأدى بها الأمر إلى الانفصال، كما وصف الحسن.

أسباب وتداعيات

وقال إسماعيل المحمد، وهو محام في مدينة الرقة، إن أغلب دعاوى الطلاق والتفريق التي وكلت إليه، كانت بسبب عدم تفاهم الطرفين نسبياً، إضافة إلى الزواج المبكر وقلة الوعي.

وأضاف أن الأسباب الأخرى التي قد تؤدي إلى تفريق الأسرة والأطفال هي الأوضاع الاقتصادية، وعدم وجود كفاءة عمل ومسؤولية، إضافة إلى بعض حالات السفر الطويل أو الدائم.

وقال إن تهرب الأب من دفع نفقات الأطفال، يزيد من نسبة احتمال تقدم المطلقة بدعوى قضائية.

وأشار إلى أن الصبغة العشائرية في الرقة، تساهم غالباً بعدم لجوء النساء المطلقات للمحاكم ليس فقط في قضايا الطلاق، إنما أمور اخرى ايضاً منها الميراث.

لا اكتراث ولا محاولات

وقال “خليل العبد”، وهو أحد أبناء عشيرة العفادلة، إن العادات والتقاليد في الرقة ما زالت لا تكترث بحصول المرأة المطلقة على حقوقها ونفقة أطفالها.

وهناك اتفاقات “لمصالحات عشائرية” بين بعض العشائر المقربة من بعضها البعض في الرقة، تقضي بتحصيل الحقوق عن طريق المصالحة، بحسب “العبد”.

وقالت جمانة الإبراهيم، وهي عضو لجنة الصلح في تجمع نساء زنوبيا بالرقة، إن حالات الطلاق المسجلة تراجعت  في الآونة الأخيرة، بعد حملات وندوات لتوعية المرأة بحقوقها ومخاطر الطلاق عليها.

ويعمل تجمع نساء زنوبيا على أن  يكون مرجعية لنساء المدينة، وتأمين فرص العمل للنساء وتوعيتهن، وإيقاف العنف والتمييز بحقهن، والمساواة بينها وبين الرجل.

 وحالات الطلاق المسجلة لدى التجمع، هي لأسباب متعددة، أهمها تعاطي المخدرات وزواج القاصرات وتعدد الزوجات.

وأضافت لنورث برس أن التجمع يستدعي طرفي الخلاف إلى لجنة الصلح لديها، للنقاش في حله، لكن القضية ترفع إلى ديوان العدالة الاجتماعية في الرقة للشرع القانوني بينهم إن لم نصل إلى نتيجة لحلها.

إعداد: عمار حيدر- تحرير: عمر علوش