بعد سنوات من شيوعها.. ألبسة البالة لم تجعل الناس سواسية في دمشق
دمشق- نورث برس
تضبط ولادة أسعد، وهي موظفة حكومية تعيش في العاصمة دمشق، ساعتها على الحادية عشرة صباحاً أول سبت من كل شهر، لتكافئ نفسها بشراء كنزة من البالة أو حاجيات أخرى حسب كل فصل من السنة.
وتعتبر الموظفة التي تمارس عملاً إضافياً بعد الدوام الرسمي ذلك الموعد مكافأة لنفسها بعد عناء 12 ساعة عمل طوال شهر.
ورغم أن الألبسة المستعملة باتت شائعة ونموذجاً لأناس من شرائح وأعمار ومهن مختلفة، إلا أن “البالة” استطاعت بتصنيفات جودتها وتفاوت أثمانها التمييز بين طلب سوري وآخر.
وتدرجت نظرة سكان العاصمة للألبسة الأوربية المستعملة، فمن تجاوز خجل ارتدائها قبل نحو عشر سنوات، انتقل زبائن إلى التباهي بها قبل أعوام قليلة، ليصبح غالبيتهم الآن خبيراً بتصنيفاتها المتفاوتة الجودة والأسعار.
وقبل عشر سنواتٍ من الآن، كان “لليرة السوريةِ عزها” كما يقول سوريون، يومَ كان سعر صرف الدولار الأميركي يعادل 50 ليرة سورية، وكان راتب الموظف السوري يكفيه ثمنَ طعام وشراب ولباس لأولاده.
في ذاك الوقت، كانت النسبة العظمى من الأسر السورية تستطيع ارتداء ملابس جديدة من أسواق المدن، رغم اختلاف الجودة والنوعيات بين بضائع محلية ومستوردة، وكان الحديث عن ملابس البالة حينذاك “همساً” إلا بين قليل ممن يفضلون ماركات أجنبية.
نموذج لكل الناس
تقول ولاّدة، لنورث برس، إنها اعتادت على الألبسة المستعملة منذ ثلاثة أعوام فقط، “كنت قبلها أخجل من الوقوف حتى على بسطاتها أو الذهاب إليها في موقع الإطفائية”.
لكن الظروف المعيشية أجبرتها وآخرين على تبني نظرة أن ألبسة البالة نموذج شائع بين السكان، بل يعتبر بعض الباحثين عن ماركات في محالها أنها تتيح مجاراة “الموضة” أكثر من البضائع الجديدة المتوفرة.
وقال مضر أحمد، الذي يتحدر من مدينة اللاذقية ويعيش في دمشق، إنه لم يعد يخجل من ارتداء الألبسة الأوروبية المستعملة منذ أن فرضتها الأوضاع عليه.
وأضاف أن طبيعة عمله كموظف في أحد البنوك الخاصة تستدعي اللباس الرسمي، “ولا أستطيع مجاراة الماركات الجديدة”.
أما حسنا العلي، وهو اسم مستعار لصحفية، فاعتادت حتى قبل الحرب وأزماتها أن تشتري الملابس الأجنبية.
تقول إنها لا تثق بالصناعة المحلية، وتصف تعلقها بألبسة البالة بأنها “مهووسة بها”.
وتشير حسنا إلى أنها وزميلات لها كنّ يطلقن تسميات على ماركات ملابسهن كي لا يستخدمن كلمة البالة، “كنوع من الهمز واللمز وخجلاً من المجاهرة بها كان يقال اشتريت من MG أو IB، وهي رموز لا معنى لها لكن كإيهام لمن لا يعرف بأنها ماركات فاخرة”.
جودة وأسعار متفاوتة
وخلفَ قيادة الشرطة منتصف العاصمة دمشق، يقع سوق البالة الرئيسي، ففي الموقع المسمى “الإطفائية” يتجمهر الناس للحصول على ما تركه الأوربيون من ملابس وماركات.
يقول محمد الخالد، المتحدر من بلدة شين بريف حمص والذي يعمل منذ 11 عاماً في محل وسط المنطقة، إن السوق هنا تمر بظروف صعبة بسبب الإتاوات المترتبة على تهريب الشحنات من لبنان إلى حمص.
ويضيف أن البالة غالية جداً والأصناف قليلة هذه الأيام، “على سبيل المثال لا توجد بالة جينز اليوم”.
وحتى البضاعة المسماة “كريم”، وهي تصفيات ألبسة غير مستعملة غالباً وأغلى أصناف البالة ثمناً، لا تصل لمركز التوزيع الرئيسي في العاصمة جديدة 100 %، بل تتفاوت جودة قطعها حالياً، بحسب البائع.
وفي منطقة الشيخ سعد يكون النخب الأول شائعاً، وهو ذو مواصفات أدنى قليلاً من صنف “كريم”، أما في العشوائيات مثل المزة 86 فستلقى معظم البضاعة من النخب الثاني.
تقول الصحفية المولعة بالبالة إن المتسوقين في العشوائيات لا يدفعون مبالغ كبيرة للألبسة المستعملة، وثمة باعة يفضلون طلب بضائعهم من حمص مباشرة دون التوجه لمحال الجملة في “الإطفائية”.
لكنها تستدرك: “لكن الدفع على الحواجز يزيد تكاليفها لتقارب الأسعار هنا”.
نظام بيع للبسطات
ووسط الشيخ سعد غرب العاصمة دمشق، يعمل العم ناورس (50 عاماً)، على أحد بسطات البالة مدة 12 ساعة يومياً، يصيح عند فتحها أي قطعة بعشرة آلاف، وفي اليوم الثاني (الأحد) تراه ينادي بسبعة آلاف، وفي اليوم الثالث تبدأ التنزيلات حتى يأتي سبتٌ آخر.
يعلل سبب رخص بضاعة البسطات: “نحن ندفع للمحافظة كل شهر أيضاً، لكن المحال تدفع ضرائب أخرى وتستهلك كهرباء ومياه فتضيف المصاريف على التكلفة”.
هذا بالإضافة لأن البسطات تبيع النخبين الثاني والثالث غالباً.
ويقول البائع ناورس إنه يحصل على رأس المال في اليوم الأول، وبعدها تأتي الأرباح تباعاً.
ويضيف: “لا خسارة مطلقاً في البالة، وخصوصاً بعد أن شاع إقبال الناس عليها”.