سوريون: قرارات الحكومة رفع أسعار المحروقات دون الأجور دعوة للفوضى لتأمين الطعام

دمشق ـ نورث برس

تخطو الحكومة السورية خطوات متسارعة في رفع أسعار المواد المدعومة خاصة المحروقات، ففي عام واحد رفعت أسعار البنزين خلال 7 أشهر أربع مرات، وكذلك الحال مع الغاز فقد رفعت سعر أسطوانة الغاز المدعوم من 3850 ليرة إلى   9700 ليرة  خلال عام، وبأرقام تفوق ذلك بكثير للصناعيين.

يسير رفع أسعار المازوت بالتوازي، فقد رفعت سعر هذه المادة بنسبة 161% للصناعيين من 650 إلى 1700 ليرة، إضافة إلى رفع أسعار شرائح الكهرباء بما يشير إلى أن الخطة الحكومية تتجه نحو رفع الدعم.

ولم يعد الموضوع بشكل تدريجي بل بقفزات متسارعة، دون تحريك جبهة الرواتب والأجور التي تآكلت حتى كادت تتلاشى مع ارتفاع الأسعار، وبشكل يصيب البلاد بما يشبه “الشلل”.

وما زال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية، عمرو سالم، يستعرض بعد كل قرار رفع أسعار بالحديث عن أهمية القرار ومدى صوابيته.

وكتب بعد رفع أسعار الغاز، “إن القرار الصعب  برفع أسعار المواد لكنه القرار السليم”.

والمبرر الذي يقدمه الوزير يسقط عندما يعود للتشديد خلال مؤتمر صحفي على أن رفع سعر أسطوانة الغاز “لن يسرع عملية الحصول عليها لفترة أقل بسبب النقص الكبير في المادة”.

وقال عمار يوسف وهو خبير وباحث اقتصادي، لوسيلة إعلام محلية، إن المشكلة ليست في نقص المشتقات النفطية.

تقنين لتخفيف الخسائر

وأعرب عن اعتقاده في أن المواد “متوافرة بكثرة”. ودليله على ذلك هو توافرها في السوق السوداء.

ولكن التقنين في التوزيع يعود “لتخفيف الخسائر الناتجة عن دعم المشتقات النفطية بكل أنواعها.

وفي مؤتمر صحفي سابق، شدد “سالم” على أن كل دورة توزيع غاز 4 ملايين بطاقة إلكترونية يكلف الدولة 80 ملياراً.

وأضاف “يوسف” أن “توفير المادة للمواطن بشكل مستمر خارج البطاقة الذكية، وبسعر التكلفة الحقيقية مع هامش ربح تستفيد منه الحكومة بدلاً من تجار السوق السوداء هو الحل”.

رفع الأسعار لكل المواد، والمدعومة منها خاصة أثار الكثير من الاستياء لدى السكان.

وتساءل محمد سقر وهو اسم مستعار لمختص في الشأن الاقتصادي، في حديث لنورث برس، أنه “إذا كانت الخطة المقبلة هي تحرير الأسعار فليس من المنطقي أن تقوم الحكومة بتحرير الأسعار قبل تحسين مستوى الدخل”.

وأشار إلى أن حكومات العالم معنية ومسؤولة عن تأمين متطلبات جميع من يعيش على أراضيها.

“تدبروا أموركم”

ولكن ما يحصل في سوريا “لا يوجد له مثيل، إذ كيف لهم أن يتركوا ملايين السكان ليتدبرو أمرهم بأجور لن تكفي أكثر من بضعة أيام للطعام والشراب فقط”، بحسب المختص في الشأن الاقتصادي.

وأضاف: “وكأن الفريق الاقتصادي يقول للسكان عليكم أن تتدبروا أموركم، سواء بالسرقة أو التشليح أو القتل، وهذا سلوك يتساوى مع سلوك الإرهابيين”.

ونشر الإعلامي أيمن موسى تعليقاً  يقول فيه “أنتو خبروا المواطن والموظف من وين يجيب مصاري وشكراً لسعيكم”.

وأضافت أمل حسن وهي عاملة في شركة صرافة خاصة، لنورث برس، أن كل ما يحصل بطريقة التعامل مع المحروقات أو الحوالات المالية “هو في مصلحة المهربين والسوق السوداء سواء كان الأمر عن قصد أو دون ذلك”.

وتساءلت: “هل عجرت الدولة بكامل مؤسساتها عن تصحيح الوضع الذي وصلت إليه الأمور”.

وقالت إن “وضع المواطن والوضع المعيشي  ليس ضمن أولويات الحكومة، وأن هذه القرارات تقول بالمختصر المفيد، هذا الموجود واضربوا رؤوسكم في الجدران”.

ودعت “حسن” وزير التجارة الداخلية لتغيير طريقته في التعاطي مع أوجاع السكان، “لأن تحاليله على فيس بوك لن تطعم الناس الخبز، ولو أن الناس ظلت بدون تواصل مع المسؤولين لكان الأمر أرحم طالما النتيجة ذاتها”.

واقع الدعم

ويلاحظ من تتبع أرقام الموازنة العامة للدولة تراجع مخصصات الدعم، خلال السنوات الأخيرة رغم أن موازنة هذا العام البالغة 8.5 تريليون ليرة، خصص منها للدعم 3500 مليار ليرة موزعة على عدة قطاعات منها الدقيق التمويني، والمشتقات النفطية دون الكهرباء.

وقال فؤاد اللحام وهو أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية، ومعاون وزير الصناعة السابق، إن “المطلوب ليس إلغاء الدعم أو خفضه، ولكن معالجة موضوع استغلال وإساءة الدعم المقدم لمختلف الجهات”.

وبدأ السوريون يسمعون نغمة جديدة تترافق مع القرارات حول رفع الدعم. حيث أشار  وزير التجارة الداخلية “سالم” إلى الأمر صراحة.

وربما تكون البداية من استبعاد من وصفهم، “سالم”، بأنهم “لا يستحقون الدعم، لتنعكس مخصصاتهم على الشرائح المستحقة للدعم”.

ويأتي هذا رغم تشديده على أن الحكومة لا تسعى إلى الرفع التدريجي للدعم، ولكن القصة أن هنالك فئات تحصل عليه ولا تحتاجه كالتاجر أو مدير مصرف خاص أو كبار المساهمين في سوق الأوراق المالية وغيرهم. “وهذه الشرائح ستؤمن لها المواد بالسعر الحر”.

وكتب عدنان الحسين وهو حقوقي، تعليقاً لاذعاً لوزير التجارة الداخلية، جاء فيه: “سيادة الوزير قبل توليك منصب وزير التجارة الداخلية كنت تخرج بمواعظ وانتقاد لسابقيك، وها أنت اليوم تتصرف كما هم بفارق أنهم لم يخرجوا علينا بمواعظ ونقد للغير”.

وأضاف: “إذا كان تنويهك بأن تكلفة أسطوانة الغاز على الدولة 30 ألف كما ذكرت، ونعتبره تمهيداً لسعر قادم، فلا تنسى أن الحد الأدنى للأجور قبل الأزمة كان أكثر من 500 دولار، وكان  كيلو القمح بنصف دولار، ومعدل زيادة الأسعار السنوي 5٪، أرجو أن تأخذ ذلك بالحسبان في قادم الأيام.. شبعنا محاضرات”.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي