للمرة الثانية (وربما العاشرة) أسمح ليدي أن تمتد إلى تراث العبقري زياد الرحباني وأخطف هذه المرة عنوان إحدى مسرحياته (بالنسبة لبكرا شو)، هذا السؤال المحير الذي يشغل بال الإنسان منذ أن وقف على قدميه ونظر حوله وبدأ بطرح الأسئلة عن وجوده وعن علاقته بالزمن الخفي الغامض، علاقته بالغد المخيف، وأحب أن أخبركم بأن مسرحيات زياد تدفعني للبكاء كطفل أكثر من كونها تثير في نفسي الضحك، ففي الكوميديا الزيادية طعم مرار وملوحة، وبدلاً من أن تعلو القهقهة تعلو شهقات ابتلاع الحزن والدموع.
(بالنسبة لبكرا شو) أي سوري يستطيع أن يقرأ طالع البلد ويعرف ما الذي يتم تحضيره لنا ولسوريا؟ كيف يمكن أن نعرف ماذا بالنسبة للغد في ظل تكالب القوى الإقليمية والدولية على هذا البلد الصغير وكأن به كل ثروات العالم ولا يريد حصته من هذه الثروة؟ حين نعرف لماذا تتقاتل أميركا وروسيا على ترابنا يمكن أن نتلمس أطراف الإجابة بخصوص بالنسبة لبكرا شو أو حين نعرف نوايا أردوغان وقطر وإيران وحتى فرنسا وبريطانيا والدنمارك، يمكن أن نقرأ في فنجان هذا البلد ما يمكن أن يكون جواباً عن السؤال المطروح (بالنسبة لبكرا شو).
لا يبدو أن أحداً يهتم بوضع حل للوضع السوري، لا النظام ولا المعارضة، فكلاهما له مصلحة في إطالة أمد هذه الحرب واستثمارها إلى آخر نقطة ممكنة، حيث:
(ناح النواح والنواحة
على بقرة حاحا النطاحة
والبقرة حلوب
تحلب قنطار
لكن مسلوب
من أهل الدار
والبقرة تنادي
وتقول يا ولادي)
سقطت البقرة الحلوب وكثرت سكاكين القصابين المشاركين في ذبحها، ومعظمهم للأسف من أبنائها، الكل يريد حصته قبل جميع الآخرين وعلى حساب جميع الآخرين. حين قامت الثورة كنا ننتظر سوريا جديدة، سوريا للحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، لكن ما حصل أن سوريا هوت وكأن المطلوب أن تهوي سوريا بالفعل في براثن الاستبداد الديني والفصائل التي تقمع وتقتل (تماماً مثل النظام) باسم الدين وصارت (بقرة حاحا) بين سكاكين تذبحها باسم القضاء على المؤامرة وسكاكين تحز رقبتها وخاصرتها بذريعة إقامة دولة الاستبداد الديني، فالدين عندهم هو الحل، والعودة إلى أمجاد الخلافة وأيام زهوها هو الحل، وكل من يعارض هذا الرأي يقتل ويدخل السجون، فوقع السوري ضحية نظامين، أحدها في السلطة والآخر بنى لنفسه سلطة ويريد توسيع رقعته، وكأن الغرض من كل ما يحدث هو رقبة الإنسان السوري ودمه.
بالنسبة لبكرا شو؟! من يعرف الإجابة أيها السادة؟ أعتقد جازماً أنه حتى رؤساء الدول العظمى المتحكمة بالعالم لا يعرفون إجابة على هذا السؤال بالنسبة لما يتعلق بسوريا، والواضح أن كل الحلول المطروحة يمكن أن نصفها بأنها (شي فاشل) ونستعير ثانية من عبقرية زياد ونمد يدنا على تراثه الفني العبقري.
يبكيني زياد ولا يضحكني لأني أرى في أعماله سوريا مجسدة بـ(سهرية) وصولاً إلى (فيلم أميركي طويل) وليس انتهاء بـ(شي فاشل)، في كل كلمة من حوارات زياد في هذه المسرحيات وغيرها أرى سوريا أكثر مما أرى لبنان، ولعل عبقرية زياد تكمن هنا في نظرته المستقبلية للثورات المرتجلة في (نزل السرور) ولعب الاستكبار العالمي بمصائر الشعوب في (فيلم أميركي طويل) إلى فشل كل الحلول المطروحة للمسألة السورية وليس انتهاء (بخصوص الكرامة والشعب العنيد).
بالنسبة لبكرا شو، ترى هل تستطيع قارئة فنجان نزار قباني أن تعطينا إجابة على هذا السؤال بعد أن تجلس والخوف بعينيها، تتأمل البلد المقلوب؟