حلب- نورث برس
على بعد مئات أمتار من منزله، يضطر منصور سراج الدين (42 عاماً)، وهو طبيب من سكان حي الفرقان في مدينة حلب، شمالي سوريا، لركن سيارته في أحد الشوارع الفرعية، إذ لم يعد بإمكانه ركنها بجانب الرصيف الواقع تحت بنايته السكنية كما اعتاد سابقاً دون دفع مبالغ مالية.
ويقطع الرجل يومياً مسافة تتجاوز 700 متر لركن سيارته ليلاً، “ففي الصباح يصبح وقوفها مأجوراً”.
وفي العشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، بدأ مجلس محافظة حلب بتطبيق مشروع المواقف المأجورة في المدينة.
وقال مصدر من مجلس مدينة حلب، لنورث برس حينها، إن المواقف تتوزع في مناطق باب الفرج وبستان كل آب والعبارة والتلل والمنشية القديمة والجديدة والعزيزية وشارعي بارون والقوتلي والجميلية والإسماعيلية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الاختيار وقع على هذه المناطق لاحتوائها كافة الدوائر الرسمية الحكومية ومراكز الخدمات للسكان والأسواق الشعبية والتجارية.
لكن المشروع لاقى انتقادات حادة من السكان في حلب كما في دمشق وحماة اللتين بدأ تنفيذ المشروع فيهما قبل عدة أشهر، وخاصة أنها شغلت العديد من الأرصفة في أحياء وسط البلد وأحياء حلب الغربية وأمام الدوائر الحكومية والمشافي الخاصة.
ويقول سكان إن هذه المناطق تشهد في الأساس ازدحاماً كبيراً في ساعات الصباح حتى انتهاء الدوام الرسمي، كما ستكون الأجرة عبئاً إضافياً لمالكي السيارات الخاصة.
ويرى هؤلاء أن على محافظة حلب إزالة المواقف المأجورة بين المناطق السكنية وتخصيص أماكن أخرى لها.
“الهدف مالي”
وفي الثالث عشر من حزيران/ يونيو الفائت، أعلنت محافظة دمشق إطلاق خدمة مواقف السيارات المأجورة على الأملاك العامة الموزعة في الشوارع الرئيسة بالمدينة، وقالت إن 383 موقفاً جديداً ومأجوراً دخلوا الخدمة.
وتبلغ تكلفة ركن السيارة في تلك المواقف 500 ليرة لكل ساعة، و300 ليرة لكل نصف ساعة، وتبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وتنتهي في التاسعة مساء، لتكون مجانية خلال فترة الليل لسكان المنطقة لركن سياراتهم.
ويرى مهران أوبري (50 عاماً)، وهو مهندس مدني وعضو في نقابة المهندسين في حلب، أن آلية تطبيق المواقف المأجورة في حلب “عشوائية ولم تخضع لدراسة وأن هدفها جني الأموال من السكان سواء لمجلس محافظة حلب أو للشركة التي تشرف عليها”.
ويشير إلى أن المواقف يجب أن تكون كراجات أو مساحات مناسبة وفي مناطق وسط البلد وفي محيط الأسواق، “لا أن تكون بجانب أرصفة في شوارع ضيقة ومكتظة وبين حارات سكنية يتواجد بها مشفى خاص أو محكمة أو مبنى خدمي.”
وتتبع المواقف المأجورة لمجلس محافظة حلب وتستثمرها شركة لم يعرف حتى الآن لمن تتبع وماهي اسمها.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال مدير هندسة المرور والنقل في محافظة دمشق ياسر بستوني، لجريدة “الوطن” شبه الرسمية، إن المشروع “يخفف من الازدحامات الحاصلة في شوارع المدينة ويحقق إيرادات مالية إضافية تنعكس على تحسين الواقع الخدمي للمحافظة”.
وحينها نقل موقع “اقتصاد” من مصادر مطلعة لم يسمِّها، أن الشركة التي حصلت على استثمار مواقف السيارات في دمشق، تدعى شركة “الخدمات البرمجية”، ويملكها شادي الخوري، لقاء مبلغ 2.1 مليار ليرة سورية سنوياً لصالح صندوق المحافظة.
وقال “بستوني”، في تصريح لـ”الوطن”، إنه الاستثمار مُنح للشركة لمدة سبعة أعوام، “ضمن شروط قانونية موضوعة في العقد تحدد التزامات الشركة المستثمرة، والتزامات الإدارة ومختلف التفاصيل القانونية الواردة ضمن دفتر الشروط الخاص بالمشروع”.
“فساد ورشاوى”
ويتهم مراقبون الحكومةَ بـ”الفساد” لتسهيل مثل هذه المشاريع لشركات بعينها دون حصول منافسة حقيقة بين الشركات الاستثمارية.
وفي السابع من حزيران/ يونيو الماضي، قال الأمين العام لمحافظة دمشق بشار الحفار، في تصريح صحفي، إن “المشروع نٌفذ لمنع إحداث رتل ثان من السيارات في الشوارع العامة، ولتحقيق إيرادات إضافية من خلال مشاريع خدمية”.
لكن مختصين في المرور يقولون إن هذه المواقف لم تحل مشكلة الازدحام المروري “لأنها قائمة على أسس غير مهنية وغير مدروسة”.
ومنذ بدء تنفيذ المشروع في حلب، لم يعد بإمكان زياد حج أحمد (35 عاماً)، وهو من سكان حي الشعار في حلب القدوم لمكان عمله بسيارته، ويستقل حافلة للنقل الداخلي للتنقل، تجنباً لدفع مبالغ مالية.
وفي حال استخدم الشاب الثلاثيني الذي يملك محلاً لبيع الهواتف والقطع الإلكترونية في حي الجميلية سيارته، فعليه أن يدفع يومياً ستة آلاف ليرة سورية، إذ يعمل لمدة 12 ساعة في محله.
وفي تصريح سابق لموقع وزارة الإعلام، قال ياسر بستوني مدير هندسة المرور والنقل في محافظة دمشق: “الموظف الذي لا يرغب باستخدام المواقف المأجورة لركن سيارته خلال فترة عمله، بإمكانه الاتجاه إلى المرائب التابعة للمحافظة والاشتراك بها”.
وأضاف: “يمكن للموظف المضطر أن يركن سيارته في الجادات والشوارع الفرعية فهي كلها مجانية”.
لكن “حج أحمد” يقول إن أغلب الشوارع الفرعية في حي الجميلية والتي لا يطبق فيها المشروع “مكتظة بالسيارات ولا مجال لركن أي سيارة فيها”.