نساء في درعا يعملن في إعداد أطعمة منزلية مقابل أجر لإعالة أبنائهن
درعا- نورث برس
تصنع فريدة السالم (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة في مدينة درعا، جنوبي سوريا، يومياً حلويات وفطائر وأطعمة بحسب طلبات عائلات، لتجني من ذلك مبلغاً من المال يساعدها على تدبر أمورها المعيشية وإعالة أولادها.
وتلجأ نساء في درعا، ممن لا يملكن مؤهلات علمية أو رأس مال للعمل وممن فقدن معيل عائلاتهن خلال سنوات الحرب، للعمل في إعداد المؤونة الشتوية وصناعة الحلويات والفطائر وخبز الصاج والمأكولات الشعبية وفقاً لطلبات عائلات ميسورة الحال مقابل أجرة مالية.
كما تقوم أخريات بمساعدة ربات منازل لديهن ولائم لمناسبات أو ضيوف في إعداد الطعام.
وبعد وفاة زوجها منذ 15 عاماً واعتقال القوات الحكومية اثنين من أبنائها بداية الحرب السورية عام 2011، وجدت “السالم” نفسها مجبرة على العمل وخاصة أن ليس لديها من يعيلها.
وتعاني السيدة الخمسينية من مشاكل صحية في قدميها ويواجه أحد أولادها صعوبة في الحركة، بينما فقد آخر إحدى عينيه نتيجة إصابته بقذيفة قبل أعوام، في حين أن مصير ولديها المعتقلين ما يزال مجهولاً بالرغم من سؤالها المتكرر عنهما.
تقول، وهي تنهمك في صناعة اللزاقي (نوع من الحلويات الحورانية)، إن الضائقة المالية وحال أولادها دفعاها للعمل رغم أنها تواجه صعوبات في ذلك نتيجة تقدمها في العمر.
ومع انتهاء عمليات التسوية الثانية في محافظة درعا الشهر الماضي، لم ينفذ حتى الآن إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين، والذي كان أحد بنود الاتفاق بين بين وجهاء المحافظة والقوات الحكومية برعاية روسيا.
وتسجل قاعدة بيانات مكتب “توثيق الشهداء” في درعا، وهي منظمة مدنية محلية، أكثر من 6.800 شخص من درعا بين معتقل ومفقود ومغيب قسراً منذ بداية الحرب السورية.
مصدر كسب
وفي البداية كانت “السالم” تصنع المليحي (من الأكلات الشعبية المشهورة في حوران) والفطائر وخبز القالب الحوراني المعروف بخبز العيد واللزاقي لعائلتها.
ومع مرور الوقت، بدأت عائلات تطلب منها صناعة المؤونة الشتوية لهم بعد أن يكونوا قد أمنوا لها جميع المواد اللازمة ومن أبرزها المكدوس والزيتون واللبنة.
وتشير السيدة إلى أن عملها اليوم “بات مصدر كسب يساعدني على تأمين كافة احتياجات عائلتي، وفي الوقت ذاته أكون قريبة من ولدي الذي يحتاج لرعاية خاصة”.
وتقول بيانات للأمم المتحدة إن أكثر من 90 % من السكّان في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، وأن “الكثير منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة جداً لتغطية نفقاتهم”.
وأواسط أيلول/ سبتمبر الماضي، قال تقرير لمحققي الأمم المتحدة إن تصاعد العنف والقتال يؤدي إلى تفاقم المحن في سوريا.
وأضاف أن “تدهوراً سريعاً” حدث في الاقتصاد السوري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وتزايد ملحوظ في انعدام الأمن الغذائي بنسبة تزيد عن 50 في المائة مقارنة مع العام الماضي، “ليبدو الوضع العام في سوريا قاتماً بشكل متزايد”.
“دخل جيد”
وتفضل علياء إسماعيل (43 عامأ)، وهو اسم مستعار لسيدة من الريف الشرقي لدرعا، طلب أطعمة وحلويات ومؤونة من سيدات يعددنها في المنازل على أن تشتريها من الأسواق، لأسباب أرجعتها إلى نظافة الأطعمة التي تصنع في المنازل وعدم وجود مطاعم قريبة من منزلها تختص بصنع الأطعمة الشعبية.
تقول إنها تدفع ألفي ليرة مقابل صنع فطيرة واحدة وأربعة آلاف ليرة لإعداد المليحي، وتشير إلى أن هذه الأسعار “أقل مما هي عليه في الأسواق”.
ومنذ نحو عامين، تعمل سلمى سويدان (52 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة من سكان ريف درعا الشرقي، في إعداد المأكولات الشعبية والحلويات في منزلها وترسلها للزبائن.
و”سويدان” هي والدة شاب قتل نتيجة المعارك مع القوات الحكومية في ريف درعا الشرقي عام 2017، ولديها طفلان يبلغ أحدهما من العمر خمسة أعوام وآخر ثمانية أعوام، إضافة إلى آخر يدرس في الجامعة.
تقول المرأة إن فكرة عملها جاءت بعد أن كانت تساعد جاراتها في إعداد المأكولات الشعبية أثناء العزائم والمناسبات، بشكل مجاني، لكن إحدى السيدات طلبت منها العمل مقابل أجر مادي “نظراً لظروفي المعيشية الصعبة”.
وتشير إلى أنها تجني أكثر من 50 ألف ليرة سورية من أيام عمل متفرقة خلال الشهر.
ورغم المبلغ القليل، تقول إنه “جيد” ويساعدها في سد بعض الاحتياجات.
وتشير إلى تمكنها من تسجيل ولدها في جامعة خاصة لدراسة قسم الهندسة المدنية، بعد أن عجزت عن تأمين أقساط الجامعة والمصاريف اللازمة له العام الماضي.