هل تُقدِم أنقرة على شن هجوم ضد شمال شرقي سوريا؟

إدلب – نورث برس

تتضارب التكهنات والتحليلات حيال احتمال شن تركيا لعملية عسكرية جديدة في سوريا، قد تعيد للمنطقة، فيما لو جرت، سيناريو “الفوضى العارمة والكارثة البشرية” التي شهدتها المنطقة خلال العمليات التركية السابقة في عفرين والشريط الحدودي بين سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض شمال شرقي سوريا.

ويستبعد محللون عسكريون وقادة في فصائل المعارضة السورية في إدلب شمال غربي البلاد، أي عملية عسكرية قد تقدم عليها تركيا سواء في شمال غربي أو شمال شرقي سوريا، خاصةً في ظل عدم وجود موافقة أميركية أو روسية حتى الآن.

ومؤخراً، نقلت وسائل إعلام رسمية تركية، تهديدات لمسؤولين أتراك بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تتحدث عن عملية عسكرية وشيكة في مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي ومناطق في شمال شرقي سوريا.

لكن وبحسب قادة في فصائل المعارضة السورية فإن الخلاف الروسي التركي بشأن الملف السوري بدا عميقاً خاصةً بعد لقاء الرئيس التركي بنظيره الروسي في مدينة سوتشي قبل نحو شهر، وأن كل ما يجري اليوم هو “ضغط وتوجيه رسائل من قبل الطرفين”.

ويقول أحمد رحال، وهو خبير عسكري معارض إن تركيا “لا تستطيع البدء بأي معركة دون أن يكون لديها مظلة سياسية، كما أنه ليس من مصلحتها الدخول في حرب ضد القوات الحكومية والاصطدام مع روسيا في تل رفعت ومطار منغ العسكري بريف حلب الشمالي وأميركا في مناطق شرق الفرات”.

ويضيف: “ما نراه اليوم هو غياب هذه المظلة بشكلٍ شبه كامل، حيث لم تحصل تركيا على موافقة أميركية ولا حتى موافقة أوروبية أو روسية”.

واشنطن تحذر

وأمس الأحد، حذّر الجانب الأميركي تركيا من أي تصرفات متهورة محتملة قد تضر بالعلاقات الأميركية – التركية.

وجاء ذلك في لقاء جمع الرئيس الأميركي جو بايدن، بنظيره التركي، رجب طيب أردوغان على هامش قمة أعمال مجموعة العشرين في روما.

وفي تصريح خاص لنورث برس سيبث الخميس القادم، توقّع جويل ريبيرن، مبعوث الولايات المتحدة الأميركية السابق إلى سوريا، “ألا يكون هناك هجوم تركي واسع النطاق على مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية”.

وتحرص واشنطن بحسب ريبيرن على تجنيب المنطقة المزيد من الانهيار الأمني، مع العمل على تجنّب حدوث أي صدامات عسكرية مسلحة بين الجيشين التركي والأميركي على الأراضي السورية.

ولكن أردوغان قال، اليوم الاثنين، “اتفقنا مع بايدن على تكثيف تعاوننا في أفغانستان وسوريا وليبيا وشرق المتوسط وفي المجال الاقتصادي أيضاً”.

وحول شن عملية عسكرية ضد شمال شرقي سوريا، قال الرئيس التركي: “ستتم عندما يجب القيام بها، ولا يمكن التراجع عن ذلك”.

ويعبر “رحال” عن اعتقاده أنه لن تحدث أي عملية عسكرية لا في إدلب ولا تل رفعت ولا حتى في منبج وكوباني وغيرها، “لأن اليوم هناك موقف أميركي ضاغط يمنع أي عملية عسكرية، كما أن الروس يرفضون ذلك”.

“تهديدات جدية”

غير أن أمجد عثمان، وهو المتحدث الرسمي لمجلس سوريا الديمقراطية، قال في تصريح لنورث برس، إن مسد تنظر بـ”جدية” للتهديدات التركية تجاه شمال شرقي سوريا.

وأضاف: “تركيا لا زالت مصرة على تنفيذ مشروعها التوسعي بالاعتماد على فصائل متشددة منقطعة عن العالم المتحضر”.

وفي وقت سابق من اليوم الاثنين، شدد متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، على أنه على جميع الأطراف احترام الهدنة في سوريا.

وفي ردّ على سؤال وجهته شبكة رووداو الإعلامية لوزارة الخارجية الأميركية، قال متحدّث باسم الوزارة إنه “من المهم أن تحترم جميع الأطراف الهدنة في سوريا لحفظ الاستقرار فيها”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، وقعت تركيا مع كل من الجانبين الروسي والأميركي اتفاقيتين لوقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا، وذلك بعد عملية عسكرية أطلقت عليها تركيا “نبع السلام” استهدفت سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، إلا أن المناطق المحاذية لسيطرة القوات التركية تشهد استهدافات متكررة.

ويقول الناطق الرسمي باسم جيش العزة التابع لفصائل المعارضة السورية، مصطفى بكور، إن كل ما يحصل بعد لقاء أردوغان وبوتين في سوتشي دليل على أن الخلافات عميقة بين الروس والأتراك بشأن الملف السوري.

ويعتقد “بكور” أن ما يحصل حالياً من تصعيد عسكري وحشود متبادلة يأتي في إطار توجيه رسائل وتشكيل ضغط على الطرف الآخر، “لكن يجب أن لا ننسى أن توتر العلاقة بين أميركا وتركيا يجعل تركيا أقرب إلى روسيا رغم الخلافات بينهما”.

ويرى الناطق الرسمي باسم جيش العزة أن الحديث عن عمل عسكري روسي لا يمكن فصله عن مخرجات أستانا “والجميع يعرف أن استانا الأخيرة كانت بلا اتفاق، وكل ما يحصل على خطوط المواجهة من تحشيدات وتحركات للقوات من الطرفين لا أرى فيه شيئاً غير طبيعي”.

تصعيد في إدلب

وفي الآونة الأخيرة، صعدت الطائرات الحربية الروسية، من قصفها على مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غربي سوريا وتركز القصف على المناطق الحدودية مع تركيا شمال إدلب.

ويحدث ذلك في وقتٍ تدفع فيه القوات التركية تعزيزات عسكرية وصفت بـ”الضخمة” إلى نقاطها المنتشرة في مناطق إدلب وحماة وحلب، وسط أنباء عن نية الطرفين شن أعمالٍ عسكرية في مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا.

وعلى الرغم من الصدام والتنافس الروسي التركي المتصاعد يتركز في مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا إلا أن التصعيد بينهما يتجسد في إدلب باعتبارها ميداناً للرسائل المتبادلة، لذلك يعتقد قادة في فصائل المعارضة أن العمليات العسكرية باتت وشيكة.

وبالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية لقوات الحكومة السورية على محاور التماس، تستقدم فصائل المعارضة قوات إضافية، وسط مخاوف سكان ونازحين في إدلب وريف حلب الشمالي وشمال شرقي سوريا من أن يكونوا “ضحية لاتفاقات وصفقات من تحت الطاولة”.

وقال قائد عسكري في الجبهة الوطنية للتحرير، رفض الكشف عن اسمه، لنورث برس، إن “جميع فصائل الجيش الوطني بما فيها الجبهة الوطنية للتحرير، رفعت ومنذ نحو أسبوع جاهزيتها القتالية على كامل خطوط التماس مع قسد والقوات الحكومية غرب محافظة حلب”.

وأشار إلى أن الفصائل بانتظار الأوامر التركية للبدء بالعملية العسكرية التي من المتوقع أن تبدأ على محوري تل رفعت ومطار منغ العسكري، وبمشاركة مباشرة من قبل الجيش التركي.

وتهدف العملية المرتقبة للقوات الحكومية، بحسب مراقبين، لقضم مناطق جديدة من إدلب مقابل بعض الامتيازات للأتراك في مناطق أخرى.

إعداد: براء الشامي – تحرير: سوزدار محمد