الذات.. بين “الاختراق والاحتراق” حكاية مخرج سوري

دمشق ـ نورث برس

قال محمد ملص وهو مخرج سوري، السبت، وهو الذي اشترك مع المخرج الراحل عمر أميرالاي في إخراج فيلم “طبق السردين 1997: “الواقع لا يحمي الأشياء، لكن يُخيل إليّ أن السينما تحميها”.

وأضاف لنورث برس: “بحكم أن الصورة السينمائية ناتجة عن اختيار معين، فهي تظل دائماً ذات صبغة ذاتية خفيفة، لكنها ذاتية المؤلف / المخرج، ذلك الذي يظهر لنا الأحداث، رواية القصة، إلا أن الصورة إذ تعرض على الشاشة فهي تطرح نفسها عندئذ على أنها شيء”.

و”ملص” هو مخرج سوري ولد في القنيطرة عام 1945، والتحق بعد دراسته الثانوية بمعهد السينما في موسكو وتخرج منه في عام 1974.

وبدأ مشواره الفني بالفيلم القصير “حلم مدينة صغيرة” عام 1972. حصل على عدة جوائز عالمية وعربية عن فيلمه الطويل (أحلام المدينة) عام 1984.

كما حاز فيلمه الثاني الطويل (الليل) عام 1992، على جوائز في عدة مهرجانات مثل: قرطاج، بيروت، دمشق، مهرجان الشاشة العربية المستقلة، والفيلم العربي في برلين وغيرها. بالإضافة إلى اشتغاله في الرواية. منها، “إعلانات عن مدينة كانت تعيش قبل الحرب”.

 طبق السردين

ويعتقد “ملص” أنه “يمكن القول إذن إن الصورة موضوعية، وبخاصة أنها نسبياً كذلك إزاء الدراما الممثلة. فنظرة الكاميرا هي نظرة المشاهد الخفي الذي يمكنه أن ينتقل آنياً وينظر إلى الأشياء والأحداث والشخصيات والرموز من زوايا متتالية، هكذا أرسم أو بالأحرى أُخرج أفلامي”.

ويقول: “النشاط السينمائي معدوم في الكثير أغلب الأماكن في سوريا، وصالات السينما العامة شبه مغلقة، والأفلام السورية قليلة جداً.. واليوم، اختلفت السينما في سوريا عن الماضي، اختلفت الموضوعات واختلفت الصورة والأساليب”.

ويضيف المخرج: “الملفت أن النوع الذي دفن حياً هو الفيلم التسجيلي. الفيلم التسجيلي لا يختلف عن الفيلم الوثائقي كثيراً، وانطلق مصطلح تسجيلي في عدد من البلدان العربية، وهي تصف الأفلام الوثائقية التي تملك تدخلاً وجدانياً وفكرياً من قبل المخرج، فيكون توثيقاً كما هو الواقع لكن برؤية مختلفة”.

ويشير إلى أن مصطلح (التسجيلي) ظهر على يد المخرج عمر أميرالاي في (فيلمه الحياة اليومية في قرية سورية 1972)، وعلى يد المونتير (قيس الزبيدي، عراقي الجنسية)، ويعتبران من أهم من ساهموا في تطور وتأسيس السينما التسجيلية العربية وليس السورية فقط.

وذكر المخرج هذا النوع، لأنه النوع الذي “لعب بشكل أساسي في تشكيل وتكوين هوية السينما السورية، وتطور بشكل موضوعي من التسجيلي إلى الروائي، ومازالت له آثار في الكثير من الأفلام الروائية”.

في بداية عصر السينما السورية، انطلقت المؤسسة بعدد من الأفلام منها (كفر قاسم (1975) للمخرج برهان علوية، السكين (1972) للمخرج خالد حمادة)، بإدارة السيد حميد مرعي.

وبدأت بتشكيل الهوية السورية في السينما، خلال فترة قصيرة أقيل السيد حميد مرعي، واستبدل بمدراء عامين أقل اهتماماً بالسينما ولا يعلمون معنى السينما، فبدأت تنحدر وتنعطف إلى مكان أقل خوفاً، لتتحول من سلطة السينما إلى سينما السلطة، كما يرى “ملص”.

أحلام المدينة (1984)

يقول عن فيلمه: “لست أدري ما إذا كان الفيلم الروائي الطويل الأول هو تجميع لكل المحاولات الإنشائية في الذهن، يتبلور أخيراً في هدف حار جداً وشمولي جداً وينطوي على محاولات عديدة لقول الكثير من الأشياء لكن هذا ما يقال”.

ويضيف: “الجانب الذي أهتم به وأفكر فيه هو ملاحظتي لمجموعة من الأمور التي تنبهي في الحياة، في بعض هذه الأمور كان اكتشافاً ذاتياً مفاجئاً وبعضها جاء عبر آخرين رأوا ما عملته”.

وما لفت انتباه المخرج هو “تكرار عدد من الأفكار والتصورات والتفاصيل والأشياء في الأفلام القصير التي عملتها، بعضها ينبثق من مرحلة الطفولة وبعضها يعود لأوقات لاحقة” حسب “ملص”. “عندما أفكر بتحويل أي مشروع من فكرة إلى تصور كنت ألاحظ وجود خط من الاهتمام بالنسبة لي”.

وعن فيلمه الطويل أحلام المدينة، يقول: كان الإخراج هو التعبير عن طريقة اهتمامي الذاتية الخاصة ورصد علاقتي بالعالم وبالأشياء ومسار تبلور هذه العلاقة.

ويشير إلى أن فيلم أحلام المدينة أخذ نسيجه من العلاقات بين الحدث السياسي وتشابكاته والحياة اليومية للناس البسطاء، وتطورهم البطيء، والتطور الأكثر سرعة لطفل يجد نفسه مبكراً مسؤولاً عن نفسه ووالدته، طفل ناشئ بهذا القدر من الدقة ومن الرقة أيضاً.

ويعلق “ملص”: “في هذه الشخصيات تكمن نظرتي الإنسانية العميقة. وهذا لا ينفي البهجة أو القوة، فمن خلالها سجلت الحركات اليومية على خلفية المدينة الكبيرة، وتوصلت إلى بعث الحياة في ديب، الممثل الصغير الرائع، وفي أولئك الذين يحيطون به”.

إخراج وموقف سياسي

في السادس والعشرين من تشرين الأول / اكتوبر عام 2008، مُنع محمد ملص من السفر. وفي الرابع من آذار / مارس عام 2014 تم إيقافه أيضاً على الحدود السورية اللبنانية وهو في طريقه إلى سويسرا، ليشارك بفيلمه “سلّم الى دمشق” في المهرجان.

وحول هذه المواقف، يقول: “إذا فقدت القدرة على التعبير فأنا أفقد نفسي. أنا أنتمي إلى السينما كي أحكي، وإذا حكيت يجب ألا أخشى”.

ويرى أن من واجبه أن يعبر عما ما يحدث في سوريا من خلال فيلمه، حلم الشباب السوري، المشاعر السورية الحقيقية كما يراها، ما يتعرضون له بشكل يومي، وكيف ترطم أحلامهم بالواقع.

يذكر أن جريدة الغارديان وصفت فيلم الليل الذي أخرجه عام 1992، بأنه من أفضل عشرة أفلام عربيةـ.. ورغم ذلك، مُنع من العرض في سوريا لمدة أربعة  سنوات.

ويرى محمد ملص أن الجيل الجديد في سوريا يمر بمنعطف هام، يتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية والسينمائية.

لكن بالمقابل يرى أن هناك تهميشاً وإبعاداً قسرياً عن أي عمق في تناول القضايا التي ذكرت. “السينما لغة عصرية، وأنا أحاول أن أنتمي إلى سينما اليوم، بدل أن أبقى في سينما الأمس”.

إعداد: حنين رزق – تحرير: نور حسن