قتل الطبقة العاملة يعني قتل سوريا الممنهج

منذ وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم عام 2000 شهدت الحياة السورية نوعاً من القتل الممنهج وعلى كافة الصعد بدءاً من قتل الحركة العمالية والفلاحية وليس انتهاء بالحياة الفنية والثقافية، فإذا اتفقنا على أن تطور الفنون والفكر مرتبط إلى حد بعيد بتطور علاقات الإنتاج، كما يقول كارل ماركس، يمكننا تلمس الزاوية التي دخل منها النظام لقتل سوريا، ونقصد بها الحركة العمالية، وهنا نعني العمال الزراعيين والعمال الصناعيين، فالحركة العمالية شهدت بذور فنائها منذ وصول الأسد الأب إلى الحكم عبر انقلابه العسكري عام 1970 فعمل على تحجيم العمل النضالي العمالي وتقزيمه إلى المستويات التي تضمن له السيطرة عليها وجعلها من ضمن مقتنيات الدولة الأمنية وحصرها في العمل الدعائي للنظام.

لكن الكوارث الحقيقية على الحركة العمالية جاءت فعلاً مع مجيء بشار الأسد إلى السلطة، حيث شهدت الطبقة العاملة تراجعاً في أعدادها على حساب انتشار البطالة، بشقيها المقنعة والصريحة، إضافة إلى تحول أعداد كبيرة من العمال إلى موظفين خدميين، وبذلك يسهل ضرب الحركة العمالية ومنع تشكيل طبقة عاملة قادرة ذاتياً على قيادة نضالها في سبيل تحصيل حقوقها وتقليل الفوارق الطبقية بين الرأسمال والطبقة العاملة، فقد انخفض عدد العمال في الفترة بين عامي 2001 و2010 من 35 بالمائة إلى 42 بالمائة وتحول العديد من العمال إلى القناعة المبطنة، وتكشف التقارير أن الجامعات السورية زودت سوق العمل سنوياً بـ200 ألف خريج في كافة الاختصاصات فيما لم يستوعب سوق العمل أكثر من 60 ألفاً وبقي 140 ألفاً دون عمل أو أوجدوا لأنفسهم أعمالاً في السوق السوداء.

أما في مجال العمالة الزراعية فلقد انخفض أعداد العاملين في الأرض من مليون ونصف المليون إلى ثمانمائة ألف، وتمت خصخصة الأراضي الزراعية وزاد الطين بلة مع صدور القانون 56 الصادر عام 2004 الذي أعطى لأصحاب الأراضي الحق في فسخ عقود إيجار الأراضي خلال ثلاث سنوات ما حرم آلاف العمال الزراعيين من العمل في حقول عملوا فيها لأجيال، وأدى ذلك إلى حركة نزوح كبيرة من الريف إلى المدينة، فقد رصدت التقارير نزوح نحو 200 ألف شخص من ريف الشمال السوري إلى حلب ودمشق بكل ما يعنيه ذلك من تراجع في الأراضي المزروعة وتكريس لأزمات المدينة التي تعاني أساساً من مشاكل لا تعد ولا تحصى.

هذا غيض من فيض نذكره في هذه العجالة لنقول إن النظام تعمد قتل الحياة العمالية بكل ما تحمله من روح كفاحية نضالية ليتفادى النظام حدوث أي اهتزازات تخلخل استقراره واستدامته ولمنع ظهر أدنى أنواع المعارضة، فعمل النظام على تفكيك وقمع بذور أي تجمع عمالي، بل إنه قام بحل شركات صناعية كبرى كانت تضم أعداداً كبيرة من العمال تزيد على الألف عامل في كل منشأة في إطار خطته لمنع تشكل طبقة عاملة، منها معمل زجاح القدم الذي كان يعتبر أحد أهم روافد الاقتصاد الصناعي الحكومي، لكن النظام فكك المعمل منذ عام 2004 ووزع عماله على مؤسسات خدمية مثل الآثار والمتاحف ووزارة التعليم وغيرها من المؤسسات غير المنتجة والتي لا يمكن أن تتشكل نواة لطبقة عاملة في مفاصلها نظراً لطبيعة أعمالها، كما عمد النظام إلى وضع مؤسسات صناعية أخرى في ظروف لا يمكن لها فيه إلا أن تكون خاسرة تمهيداً لتفكيكها وإحالة عمالها إلى التقاعد أو إلى الوظائف الخدمية.

إن تفكك قوى الإنتاج وتشتت طاقاتها أدى بشكل طبيعي إلى تفكك في الفن والثقافة والفكر ومختلف مناحي الحياة، فبات كل شيء في خدمة النظام ولخدمة استدامته وبقائه في السلطة، والأهم بقاؤه بشكله الحالي الذي يقمع بسهولة أية أصوات معارضة أو يحتمل أن تشكل قوة معارضة في المستقبل ليبقى النظام على ديكتاتوريته يسأل ولا أحد يسأله، يحاسب ولا أحد يحاسبه، يفعل ولا أحد غيره يفعل.

لقد كان لعسكرة الاقتصاد السوري واستثمارات النظام في الفقر الأثر البالغ في تحول العديد من العمال المحتملين إلى الجيش والأمن، ما يسهل قتل الحياة السورية بل يسهل جداً قتل سوريا لعشرات السنين.