أربيل ـ نورث برس
حافظت بغداد على علاقاتها مع حكومة دمشق رغم بعض التحفظات، هذا ما يشير إليه على الأقل حجم ومضمون اللقاءات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، والدعوة العراقية قبل نحو شهر، لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وتكبدت حكومة دمشق طوال أزمتها منذ نحو عقد من الزمن، خسارة في علاقاتها الإقليمية وخاصة مع البلدان الغربية، بينما انخفضت مؤخراً وتيرة الاعتراض العربي على احتواء سوريا من جديد أوما سمي بـ”التطبيع” مع سوريا.
ووفقاً للمعطيات التي تظهر في الإعلامين الرسميين للدولتين، فهما تتبادلان اللقاءات على مستويات أمنية وتجارية واقتصادية وما يتعلق بملفات المياه وقضايا مشتركة أخرى.
وأحد التصريحات الرسمية الذي صدر من وزارتي الخارجية للبلدين، لوح بمساعي انفتاح سوري جديد مع العراق، علماً أن الأخير لم تقطع علاقتها مع دمشق أصلاً، على غرار دول عربية أخرى وخاصةً الخليجية.
وقال وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقائه بنظيره السوري فيصل المقداد، في شهر أيلول/ سبتمبر الفائت، على هامش أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن “العراق يستمر في جهوده لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية”.

وشدد حسين على أن “استقرار سوريا يهم العراق (…) والوضع الأمنيّ غير المستقر وتواجد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات في سوريا هو تهديد أيضا، لاستقرار وأمن العراق”.
بينما أشاد المقداد بما وصفه بـ”الجهود الكبيرة التي بذلتها العراق تجاه سوريا والقضايا العربية والإقليمية والدولية”.
ويرى مراقبون أن العراق وخلال سنوات الحرب السورية تفادت أن تكون طرفاً في الصراع السوري على عكس تركيا وإيران وروسيا، لكن محاولتها تلك لم تقيد تحركات فصائل عراقية موالية لإيران على الحدود وداخل الأراضي السورية.
لذا فإن بغداد لم تتبنى حتى الآن مسؤولية وجود فصائل لها في الأراضي السورية، كانت قد تعرضت عدة مرات لغارات جوية أميركية بالقرب من البوكمال ومناطق حدودية أخرى.
وفي الوقت الذي ترفض فيه الولايات الأميركية التطبيع مع سوريا، تشدد بغداد على استمرار علاقاتها مع دمشق، فقبيل انعقاد قمة دول الجوار في بغداد نهاية شهر آب/ أغسطس الفائت، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في تصريحات صحفية إن “لدى العراق علاقات جيدة مع النظام السوري، والعلاقات الدبلوماسية مع سوريا لم تنقطع أبدًا”.
مصالح أميركية تؤثر على البلدين
وللمصالح الأميركية تأثير على طبيعة العلاقات بين البلدين.
والأسبوع الفائت، جدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلنكين، الموقف الأميركي الرافض لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
وأشار بلينكن إلى أن الولايات المتحدة “لم ترفع أي عقوبة مفروضة على سوريا ولم تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سوريا ما لم يُحرز تقدم لا رجوع عنه نحو حل سياسي نعتقد أنه ضروري وحيوي”.
ليبرز سؤال مفادها: “إذاً كيف تمكن العراق من إبقاء خط العلاقات مفتوحاً في ظل النفوذ الأميركي؟”.
هذا ما أجاب عنه المحلل السياسي العراقي إياد العنبر، ورأى أن العلاقات العراقية مع سوريا تنقسم إلى “رسمي وغير رسمي”.
وقال “العنبر” في حديث لنورث برس: “نعم، بالفعل هذا السؤال الذي كان يطرح دائماً في الأوساط العراقية الأميركية، أنه كيف يمكن للعراق وهو يحظى برعاية أميركية أن ينفتح بنفس الوقت على النظام السوري الذي يعتبره الأميركان مشكلة على أمنه ومصالحه في الشرق الأوسط”.
وأضاف “العنبر” أن “الجانب غير الرسمي من العلاقات يتم عبر القوى التي تمثل ما تسمى بـ”محور المقاومة” بين سوريا وإيران ولبنان.
وأيضاً على المستوى الرسمي، فلم يكن للعراق موقف مؤيد للاحتجاجات ضد حكومة دمشق على مدار سنوات الحرب، وفقاً لـ”العنبر”.
وأعرب عن اعتقاده أن العراق حاول وعلى الصعيد الرسمي، خلق علاقة متوازنة، ومواقف مؤدية للحكومة السورية من منطلق أخذ الأمن القومي العراقي بعين الاعتبار، ولم تواجه هذه العلاقة اعتراضاً أميركياً.
وأعاد العنبر إلى الأذهان ما حصل في مؤتمر دول الجوار الذي انعقد في بغداد، حيث تبين أن العراق يحظى بعلاقة مع سوريا لكن سياسته الخارجية عملت على أن لا تسبب هذه العلاقة مشكلة مع جواره الآخرين.
تجارة من معبر واحد
أما على صعيد التجارة والنقل “لا يزال دون الطموح” بحسب ما جاء في تصريح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد الخليل مع وزير الصناعة والمعادن العراقي منهل الخباز في شهر حزيران/ يونيو الفائت.
وكان وزير النقل العراقي ناصر حسين بندر الشبلي، بحث مع سفير سوريا لدى بغداد صطام جدعان الدندح مطلع العام الجاري، سبل الارتقاء بالتعاون في مجالات النقل.
ووفق بيان صادر عن وزارة النقل العراقية وقتها، فإن الشبلي والدندح بحثا في مركز الوزارة موضوع الربط السككي بين العراق ومدينتي اللاذقية وطرطوس، واعتماد نظام الترانزيت في حركة النقل التجاري، إضافةً إلى عودة رحلات الطيران العراقي إلى دمشق، وتسهيل حركة الشاحنات السورية عبر المنافذ العراقية.

وتربط سوريا والعراق 3 معابر هي معبر التنف في ريف حمص الشرقي وهو مسيطر عليه من قبل الولايات الأميركية، ومعبر البوكمال، ومعبر اليعربية (تل كوجر) شرقي الحسكة وتقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا.
وفي نهاية أيلول/ سبتمبر 2019، أعاد العراق فتح معبر القائم الحدودي مع سوريا بعد ثماني سنوات من إغلاقه ليكون أحد أبرز المؤشرات على التطبيع بين بغداد ودمشق.
وقال مصدر في الجمارك العراقية لنورث برس، إن حجم التبادل التجاري مع سوريا (دون أن يكشفه بالأرقام) ضئيل جداً مقارنة بالعلاقات التجارية العراقية مع بلدان الجوار الأخرى.
وعزا المصدر ذلك إلى عاملين وهما “الضغوطات الأميركية التي تقيد التعامل السياسي والتجاري مع سوريا، وتقلص المنافذ الحدودية الفعالة من ثلاثة معابر إلى معبر واحد وهو معبر القائم المحاذي للبوكمال السورية”.
علاقة أمنية “ممتازة”
ووصفت العمليات العراقية المشتركة، العلاقة مع “الجارة” سوريا بـ”الممتازة” في ما يتعلق بالجانب الأمني.
وفي نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، قررت روسيا وإيران وسوريا والعراق إنشاء مركز معلوماتي يضم ممثلي هيئات أركان جيوش الدول الأربع.
ترأس العراق المركز لمدة 3 أشهر، وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين الدول الأربع، وثم تناوب إدارة المركز بين ضباط الدول الثلاث الاخرى على ألا تتجاوز فترة إدارة كل طرف ثلاثة أشهر.
ويهدف المركز لجمع ومعالجة وتحليل المعلومات عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وتوزيعها على هيئات أركان القوات المسلحة للدول المشاركة في المركز لتصب في خدمة العمليات العسكرية المشتركة لمحاربة تنظيم داعش.
وقال المتحدث باسم العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، في تصريح خاص لنورث برس، أمس الخميس، إن هناك تعاوناً مع سوريا في مجال ملاحقة المتشددين.
ويواصل العراق عمليات ضبط الحدود بالتنسيق مع قوات الحكومة السورية في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، وفقاً لـ”الخفاجي”.
وأضاف: “أما بالنسبة للحدود التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية فإن القوات العراقية تنسق معها عن طريق التحالف الدولي.”
وشدد “الخفاجي” على أن هذا التنسيق أسهم بضبط الحدود العراقية وطولها 610 كم، وأدى إلى إحباط الكثير من العمليات وخاصة عمليات التسلل، وذلك في سبيل فرض الأمن والاستقرار، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن عمل المركز الأمني “الرباعي” لازال مستمراً حيث يوجد ضباط من البلدان الأربعة (روسيا- سوريا- إيران -العراق) في وزارة الدفاع العراقية مهمتهم التنسيق ضد التنظيمات “الإرهابية” و ضبط الحدود خصوصاً مع الجارة سوريا.