الرقة – نورث برس
رغم مرور أربع سنوات على خلاص الرقة شمالي سوريا من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذي كان يتخذ منها عاصمة لخلافته المزعومة التي أعلنها في مناطق سورية وعراقية، لم يزل السكان هناك يستذكرون تفاصيل اللحظات الأولى لدخولهم المدينة إضافة لأيامٍ من المعارك عاشوها في أحيائها.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2017، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن القضاء كلياً على وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الرقة شمالي سوريا.
وجاء إعلان “قسد”، بعد معارك استمرت مئة وستة وستين يوماً، خاض خلالها مقاتلوها حرب شوارع ضد عناصر “داعش” في أحياء المدينة وأزقتها.
ويعود نديم الحسن (39 عاماً) من سكان مدينة الرقة، بذاكرته إلى لحظة دخوله المدينة، والمشهد المأساوي الذي أصابه بالذهول حينها.
“أبنية مدمرة وشوارع خالية مغلقة بالأنقاض والمتاريس، كانت قبل سيطرة التنظيم مكتظة بالسكان”، مشهد لا يفارق ذاكرة “الحسن” حتى بعد أربع سنوات من الخلاص.
لم يكن “الحسن”، وفق ما قال لنورث برس، يتوقع أن تعود الحياة لمدينته بعد ما رآه في شوارعها التي وصفها بأنها كانت “مظلمة حتى خلال ساعات النهار بسبب خلو المدينة من سكانها حتى بعد الأيام الأولى لإعلان التحرير”.
تهديد وجود
في ذلك الحين، شكل وجود آلاف الألغام التي خلفها “داعش” وراءه خطراً يهدد المدنيين العائدين أو الراغبين بالعودة لمنازلهم.
وبلغ عدد الأشخاص الذين قضوا نتيجة الألغام بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الرقة، منذ بداية عام 2018 وحتى مطلع العام الماضي، 237 ضحية من رجال ونساء وأطفال.
أما عدد ضحايا الألغام من أعضاء قوى الأمن الداخلي (الأسايش) فقد وصل إلى عشرة أشخاص، إضافة لوجود ستِ إصابات، بحسب تصريح سابق لخبير في هندسة الألغام في الرقة.
ويحمل صالح اليوسف (60 عاماً)، من سكان حي الدرعية بمدينة الرقة، مسلحي تنظيم الدولة، مسؤولية مقتل اثنين من أبناءه بفعل الألغام التي خلفوها ورائهم في منزله الكائن في أطراف مدينة الرقة الغربية.
وقال “اليوسف”، لنورث برس، إن ولديه في العشرينيات من العمر دخلا في نهاية العام 2017 لمنزلهما لتفقده قبل دخول كامل الأسرة التي نزحت خلال المعارك نحو مزرعة يعرب عشرة كيلو متر غربي الرقة.
“اللغم كان مجهزاً للتفجير عند فتح باب إحدى الغرف في المنزل”، يقول “اليوسف”، وما إن فتح الشابان باب الغرفة حتى انفجر، وأودى بحياتهما.

حارة البدو في الرقة- نورث برس
واعتبر “اليوسف”، أن “ما جرى للمدينة خلال فترة سيطرة التنظيم ومن ثم في معارك تحريرها منه سيبقى مطبوعاً في ذاكرة أبناءها مهما عاشوا لأنه كتب بدمهم ودم أحبائهم”، على حد وصفه.
واليوم، “لا تخلو الجلسات العامة، التي يجتمع فيها سكان في الرقة، من الحديث عن ذكريات مرحلتي النزوح والتحرير وما تحمله تلك الفترة الزمنية من آلام أو خوف مر بها معظم سكان المدينة”، بحسب “اليوسف”.
بعد الخلاص
وبعد الخلاص بدأ سكان الرقة بالمراحل الأولى لإعادة إعمار ما خلفته الحرب التي دارت في المنطقة.
وبدأت دائرة الخدمات الفنية في مجلس الرقة المدني بعمليات نقل الركام وإزالة الأنقاض من الطرقات والشوارع الفرعية في المدينة.
وتأسس مجلس الرقة المدني قبل عدة شهور من تحرير المدينة في بلدة عين عيسى 35 كم شمال الرقة.

الرقة- الأبنية المدمرة في مدينة الرقة- نورث برس
ولم تختفِ اليوم، مشاهد الدمار كلياً من الرقة، إذ لا تزال بعض أبنية أحيائها شاهدة على قساوة الظرف التي مرت به المدينة، كما أن هنالك منازل لا تزال على وضعها دون إصلاح أو ترميم.
معوقات متعددة
قال أحمد الخليل، وهو نائب الرئاسة المشاركة في مجلس الرقة المدني، إن أبرز المعوقات التي تواجه مراحل إعادة الإعمار في الرقة هي “سياسية وأمنية بالدرجة الأولى”.
وأشار إلى أن التهديد الأبرز لكافة مناطق شمال شرقي سوريا وليس الرقة فقط، هو “التهديدات التركية المتواصلة للمنطقة وما يرافقها من تقويض فرص الاستقرار التي استطاعت الإدارة الذاتية تحقيقه”.